الرئيسية / المكتبة الصحفية / فؤاد الملك المحظوظ: 6/8 الملك الناضج

فؤاد الملك المحظوظ: 6/8 الملك الناضج

تميز الملك فؤاد بمستواه الثقافي والحضاري ، ولعله كان أكثر تميزًا من حكام الأسرة العلوية جميعا بمن فيهم والده الخديو إسماعيل الذي كان قد تخرج في مدرسة الهندسة في باريس، وبمن فيهم ابنه الملك فاروق الذي تلقى بفضل والده ودأبه تعليما جيدا ، وقد عاش سنوات صباه وشبابه في نضج ثقافي ومعرفي وحضاري مكنته منه البيئة المدنية العامة خارج القصور الملكية، ومن ثم فقد عرف معنى الحياة كما عرف معنى العلم ومعنى الحضارة وتذوق هذا كله، كما عرف القراءة المنتظمة و المكثفة، وعرف الاستماع وعرف مناقشات العلماء ومجادلاتهم، وعرف رأيهم في بعضهم البعض، فإذا قارنا الملك فؤاد الذي تولى  وهو على مشارف الخمسين  بابنه الملك فاروق الذي تولى الملك وهو دون الثامنة عشرة أو بوالده الخديو إسماعيل الذي تولى الحكم وهو في الثالثة والثلاثين ؛ فإننا تستطيع أن تتصور صورة الرجل الناضج سيكولوجيًّا ومعرفيًّا وحضاريًّا، وهي متاحة للملك فؤاد قبل غيره.

كان ينتصر للعلم لا للدعاية

كان الملك فؤاد في ممارساته الثقافية يعرف حدود العلم وحدود الإعلام (أو الدعاية أو البروباجندا)، ومن الإنصاف أن نذكر أنه كان ينتصر للعلم لا للدعاية. وقد فعل هذا حتى فيما يتعلق بتاريخه و تاريخ والده الخديو إسماعيل وجده إبراهيم باشا  و جده الأعلى محمد علي باشا  فترك وثائق و أدبيات تاريخية ذات قيمة ،  ومن الإنصاف في هذا المقام  أيضًا أن نشير إلى أن الحكم العسكري لمصر طيلة ستين عامًا لم يتح أية فرصة شبيهة لأي مؤرخ أوروبي مكتفيًّا في العهد الناصري بالدوران حول محور إلهام  وعبقرية وقوة الرئيس عبد الناصر ومكتفيًا في عهد السادات بما تبرع به محبون لمصر من رجال العلم والحضارة، وتاركًا الأمر في عهد مبارك على حباله تمامًا.

اهتماماته الثقافية المتميزة

كانت للملك فؤاد مكتبة خاصة في القصر (غير مكتبة القصر) رُوى أنها كانت تضم عند وفاته 17000 مجلد وكتاب.

عنايته بالمحفوظات والوثائق

اعتنى الملك فؤاد منذ مرحلة مبكرة بجمع وثائق مصر في محفوظات وزارات الخارجية الاوربية في باريس ولندن فيينا واثينا وروما وبلغراد وهي خطوة علمية ذات أهمية قصوى  (حتى بمنطق السياسة اليوم)  وقد كان لها أثرها في دعم الدراسات والسياسات التي اتبعتها مصر في اللحظات الحاسمة سواء في ذلك ما كشفت عنه قضايا من قبيل التحكيم في قضية طابا ، والقضايا المتعددة التي نشأت بعد تأميم قناة السويس ، وتيران وصنافير و .. الخ.

وقد كان تمويل الإنجازات المطلوبة لهذه الخطوة يوصف عن حق بانه عالي  التكلفة في ذلك العصر الذي لم تكن قد تطورت فيه آليات النسخ والاستنساخ والتصوير الميكانيكي.

على أن الأهم من الحصول على الوثائق كان هو ترتيبها وفهرستها و وضع أدلة لها ، واختيار افضل تقنية لحفظها وهو ما تم في داخل القصر الملكي نفسه و برعاية الملك فؤاد شخصيا و على أعلى مستوى عالمي متاح في ذلك العصر، وقد روى الأستاذ كريم ثابت انه في عصر الملك فؤاد  ظهر 30 مجلداً من هذه المجلدات طبعتها الجمعية الجغرافية الملكية وكلفتها 120 ألف جنيه  وهي ميزانية ضخمة بنفقات ذلك الزمان.

ثناء كاتب عربي على جهد الملك فؤاد في وثائق التاريخ

كتب الأستاذ عبد الله مخلص عضو المجمع العلمي العربي في مجلة الرسالة مقالا مستفيضا نقتبس منه هذه الفقرات :

“…  وأنا كرجلٍ يُعنى بالتاريخ الإسلامي أذكر للمليك الراحل عمله المشكور في تدوين تاريخ رسمي للدولة المصرية، فقد أمر رحمه الله تعالى بتأليف لجنة لهذا الغرض ووضع تاريخ يستخرج من الدفاتر والوثائق الرسمية، وكان صديقي المرحوم أحمد تيمور باشا من أعضاء هذه اللجنة، وهو الذي أعلمني بذلك في حينه ، وكان من دواعي الغبطة للمؤرخين الإسلاميين ظهور مجموعة عزيزة المنال، تتضمن الأوامر الصادرة من حكام مصر إلى عامل الواحات من زمن الفاطميين إلى زمن الخديو إسماعيل رحمه الله تعالى، وهي الأوامر نفسها لا صورها. يقول المرحوم أحمد تيمور باشا في كتابه لي: (ولا أظنّ نظيراً لهذه المجموعة في الدنيا، وقد بحثت عن سبب حفظ هذه الأوامر جميعها كل هذه المدة في تلك الجهة النائية، فأخبرت أن العادة فيها من القديم أن يُحفظ كل ما يصدر من الحكام إلى عاملها في مكان خاص بالمحكمة الشرعية، وبها تيسر حفظها. وقد رأيت بها من توقيعات الملوك كالغوري وغيره الشيء الكثير، وكذلك توقيعات حكام الفرنسيس مدة احتلالهم لمصر وهي بالإفرنجية، ولكن الأوامر بالعربية. ولا أخفي عليكم أني متلهف إلى الآن إلى صورة شمسية من هذه المجموعة “.

“… إن من حسن توفيق الله ظهور هذه الوثائق الإسلامية على يدي المرحوم الملك، فلولا تفكيره في تدوين تاريخ رسمي للدولة المصرية لما استطعنا الوصول إليها، ولا الوقوف على تفكير أول قاض شرعي وضع الأساس في جمع هذه الوثائق والمستندات القيمة في تلك البلاد النائية البعيدة عن العمران ، وأظن أن المساعي المتواصلة التي بذلت في شأن هذا التاريخ قد أنتجت نشر أجزائه الأولى باللغة الفرنسية وستتبعها النسخ التركية والإنكليزية والعربية طبعاً”

العناية ببناء ما هو قابل للخلود

كان الملك فؤاد قادرًا على تشجيع إنشاء المؤسسات على النحو الذكي القابل للخلود، ولذلك فإننا نستطيع أن نلمح حقيقة مهمة ، وهي أن أعظم المباني الحكومية المصرية قد بنيت وشيدت في عهد الملك فؤاد، كما أن أعظم المؤسسات الحكومية المصرية قد تأسست وبدأت في عهد الملك فؤاد، على الرغم مما انتاب هذه المؤسسات من التدهور أو الانحطاط بعد ذلك، وقد شهدت مصر في عهد الملك فؤاد عناية حقيقية بالمباني الفنية، ولعل دار الأوبرا في دمنهور (على سبيل المثال ) تدل دلالة قاطعة على ما كانت مصر تقدمه من طرز متميزة لا تحرص على الضخامة ولا على الفخامة الحضارية ، وإنما تحرص على ما يسمى بالقطعة الفنية في الجوهر والتميز والوظيفة واللمسة التي تضيف إلى اسم مصر، وقد تمثل هذا  وتجسد في كثير من المسارح والمؤسسات الفنية والمتاحف… إلخ. وعلى سبيل المثال فقد كانت المساحة الواسعة المتميزة التي تضم دار الأوبرا (اليابانية) في جنباتها الآن تسمى أرض المعارض، وقد أقيمت عليها مباني الجمعية الزراعية والقبة السماوية ومتاحف متعددة للحضارة والفن، ولا نزال مهملين في العناية بهذا التراث العظيم الذي تركه عهد الملك فؤاد.

حرصه على المؤسسات  العلمية التأسيسية 

كان الملك فؤاد حريصًا على المشاركة في احياء المؤسسات العلمية، فأحيا المجمع العلمي الذي نشأ في عهد نابليون، وقوّى من هيئة كبار علماء الأزهر ونشاطها وكيانها،  وفي عهده  نشأ مجمع اللغة العربية 1933على أساس حكومي ملتزم لا على الأساس التطوعي السابق الذي نشأ في دار الكتب.

وهو الذي ساعد في تأسيس مؤسسات الأرصاد والمساحة الجوية والطبوغرافية ومصلحة المساحة وما إلى هذا كله من مؤسسات القياس والمعايرة والتقييم، كما  شارك في توجيه العناية إلى الإحصاء والتعداد السكاني كما وجه عناية مبكرة إلى تسجيل الآثار، وتطوير المتحف المصري والارتقاء بالمرافق الملازمة له، وتنظيم السياحة حوله.

الجمعية الجغرافية الملكية

كان الملك فؤاد يولي أهمية خاصة للجمعية الجغرافية الملكية التي تأسست سنة 1875 وتولى هو نفسه رئاستها في 30 أكتوبر 1915 ولما زارها زيارة طويلة في أبريل 1929 قال كلمته المأثورة “إن مستقبل مصر في هذه القاعة” . وكان ممن يعنون بالجغرافيا بمعناها الواسع الذي يتطرق إلى الجغرافيا الاقتصادية وتطبيقات علوم الجيولوجيا .

معهد الأحياء المائية

بدأ الملك فؤاد يفكر في إنشاء معهد الأحياء المائية في الإسكندرية منذ 1913 وكان من أول قراراته عندما تولى الحكم إنشاء هذا المعهد في 28 يناير 1918 أي بعد توليه العرش بفترة قصيرة ، وكان هذا تعبيرا عن الاهتمام المؤسسي بالدراسة العلمية  لثروات الوطن في معاهد متخصصة لعلوم البحار ، وهو ما تطور إلى مشاركة مصر الفاعلة في نشاط الأبحاث من خلال مركزي  الإسكندرية والغردقة.

الجمعيتان المتجاورتان : جمعية الاقتصاد السياسي و جمعية الحشرات

كان الملك فؤاد هو من عضد  إنشاء جمعية الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريح وجمعية الحشرات، ولعل الذين يسيرون في وسط القاهرة يدركون هذا المعنى من تجاور المبنيين وتشابههما. وكان الملك فؤاد حريصا على أن ينبه إلى أن خسارة البلاد في محصولاتها الزراعية بسبب الحشرات لا تقل عن عشرة ملايين حبة في العام (تصل إلى عشرين مليون في بعض السنوات).

المتاحف التي حرص على وجودها ودعمها

  • المتحف الصحي  أبريل 1927.
  • متحف السكة الحديدية  15 يناير 1933.
  • متحف البريد  يناير 1934.
  • المتحف الزراعي

أدواره المهمة في الخدمات الصحية والمستشفيات

  • جمعية الإسعاف التي تأسست 1907 رأسها 1910.
  • الهلال الأحمر التي تأسست 1912 رأسها في 1916 وفي عهده أنشأت الجمعية مستشفى من 300 سرير(أفاد منه الترك والسوريون) و قدمت 25 الف جنيه  معونة  لمنكوبي الأناضول
  • مصحة فؤاد الأول في حلوان.

المدارس  والجمعيات الفنية التي رعاها  

  • مدرسة تحسين الخطوط العربية.
  • معهد الفنون الطرزية للبنات في الإسكندرية وهو أمير وعهد برعايته إلى سيدة خبيرة في هذا الفن هي السيدة ديفونشاير
  • معهد الموسيقى الشرقية.
  • الجمعية المصرية لأوراق البردي في  7 مايو 1930

عنايته بالفن الإسلامي

كان الملك فؤاد حفيًّا و معتنيا كل العناية بالفن الإسلامي في كل صوره وتجلياته، وقد سبق إلى كثير من الإضافات القيمة فيه، وكان حريصًا في إضافاته على الأصالة بالقدر الذي كان حريصًا فيه على أن يحقق لمصر وللثقافة العربية (والمصرية) طابعًا موازيًا للعالم، ومرتبطا به .

عنايته بالفنون التطبيقية

نستطيع أن نرصد في هذا السبيل حرصه على العملة المصرية وطباعتها وسكها، و رغبته في تطوير مطابع المساحة و ما كان يتمناه من اعدادها في المستقبل لطباعة البنكنوت المصري بعد أن نجحت في طباعة الطوابع البريدية .

فكرة حروف التاج

بلغت عناية الملك فؤاد بالخط العربي حدًّا كبيرًا وهو الذي اقترح (أو اخترع) فكرة حروف التاج لتكون شبيهة بالحروف الكابيتال في اللغات اللاتينية، ولا تزال حروف التاج تستخدم في كتابة الدعوات الرسمية وبطاقات الأفراح والمناسبات التذكارية. وتتلخص فكرتها الفؤادية في تتويج كل حرف بما يشبه التاج مع اختلاف هذا التاج من حرف إلى حرف على النحو الذي نشهده فيما نتعارف عليه الآن من بنطSymbol  في اللغات الأجنبية وهو البنط الذي تكتب به الأسماء في العناوين والكروت ودعوات الاحتفالات  الرسمية.

جدول 13 : المؤتمرات الدولية الثمانية التي اسهم في اقامتها في مصر  

المؤتمر الجغرافي أبريل 1925
مؤتمر الملاحة الدولي ديسمبر 1926
مؤتمر القطن الدولي25 يناير ـ 7 فبراير 1927
المؤتمر الطبي الدولي15 ديسمبر 1928
المؤتمر الأول للموسيقى العربية1932
مؤتمر السكة الحديد الدولي1932
مؤتمر السياحة الدولي  فبراير 1933
مؤتمر البريد الدولي أول فبراير 1934

مما ينبغي ذكره في هذا الصدد :

  • أن مؤتمر الملاحة الدولي السابق على مؤتمر  1923 كان قد انعقد في لندن،  وأن الملك فؤاد افتتح مدينة بورفؤاد بمناسبة افتتاح ذلك المؤتمر
  • أن مؤتمر القطن الدولي عقد بمشاركة 17  دولة .
  • أن الملك فؤاد تفاوض في عقد المؤتمر الأول للموسيقى العربية  مع المستشرق الشهير البارون دي لنجيه في أثناء زيارته لندن 1927
  • أن المؤتمر الطبي الدولي انعقد بمناسبة مرور 100 عام على إنشاء كلية طب القصر العيني
  • أن مؤتمر السكة الحديد الدولي كان مقررا أن يعقد 1935 بعد 1929 (طبقا لقاعدة السنوات الست بين كل مؤتمر و التالي له ) فاقترح عبد الحميد سليمان في مؤتمر 1929 عقده كل 3 سنوات على ان يعقد المؤتمر القادم 1932 في القاهرة  ، وقد حضره 1400 عضو.
  • أن مؤتمر البريد الدولي جاء تتويجا لما تم من نقل مصلحة البريد من الإسكندرية للقاهرة 1930.
  • أن الملك فاروق رأس وهو ولي للعهد الحفلة  الخاصة بمؤتمر البريد الدولي.

رعايته لموهبة أحمد حسنين

لما أتمّ أحمد حسنين باشا 1889-1946 رحلته الاستكشافية الصحراوية المشهورة تقرر تعيينه سكرتيراً للمفوضية المصرية في واشنطن ، ولكن الملك فؤاد اشترط عليه أن يلقي محاضرة عن رحلته وأن يكتب عنها قبل أن يسافر لوظيفته، وشهد الملك بنفسه الحفل الذي ألقى فيه أحمد حسنين محاضرته ، واستقبله الملك في المقصورة الملكية ، وهنأه على محاضرته ومنحه الباكوية.

جدول 14 : أهم رحلاته الرسمية بعد  اعتلائه العرش

1920 رومانيا وإيطاليا
1921ألمانيا
1927  فرنسا   
 1928بريطانيا وفرنسا
1929ألمانيا و تشيكوسلوفاكيا و سويسرا

مديح الزيات للطابع الشرقي في الملوك

“… كان الملك فؤاد رحمه الله مظهراً من مظاهر القدر في الأرض. يجلس على عرش من أعرق العروش نسباً في الملك؛ ثم يأمر فيطيع شعب، ويقول فيسمع عصر، ويعمل فيسجل تاريخ، ويضع حكمه في الأمور موضع الإدارة السماوية فيكون شريعة لا تخالف، وعقيدة لا تنكر. وتلك طريقة الملك بمعناه الشرقي الموروث، تصلح مادام لها من هدى الله دليل ومن رَوْح العدالة سند؛ وشبل إسماعيل كان ملكاً بنشأته ومصلحاً بطبعه: رُبي تربية ملكية، ونُشِّئ تنشئة عسكرية، وثُقِّف ثقافة حديثة؛ ثم تقلب بين ملكية رومة، وخلافة الآستانة، وخديوية القاهرة، فارتسم على صفحة ذهنه صور من كل. ولكن عبقريته الفنية وعقليته العلمية ورجولته العملية، جعلت منه ملكاً فيه خصائص المُلك، وليس فيه نقائض الملوك. وإذا قلت إن الشرق لم ير قبل فؤاد ملكاً واسع الإحاطة شامل الثقافة قوي الإدراك لا تبعد عن الصدق “.

كان رجل علم قبل أن يكون رجل مُلك

“… كانت مواهبه تأبى عليه إلا أن يكون كخالد بن يزيد رجل علم إن لم يكن رجل مُلك. لذلك لم يصبر طويلاً على أن يكون حاشية للسلطان في سراي عبد الحميد أو قصر عباس، فعاد فاتبع إحدى سبيلي المجد؛ وأقبل يذكي النهضة المصرية بالعلم النافع والعمل المنتج والقوة المحركة؛ فكان رئيساً لتسع عشرة جمعية أو مؤسسة ما بين علمية واقتصادية وخيرية، كلها من اقتراح رأيه أو من ثمرة سعيه. فلما بوَّأه الله عرش مصر في ساعة مضطربة وحالة مبهمة، كان يرى لطول ما خبر الشعب، وكثرة ما عالج الأمور، ووفرة ما عرف من الوسائل، وكفاية ما تزود للإصلاح، وقوة ما ضمن لتوزيع العدل، أنه أول الناس وأولى الناس بقيادة أمته في أشد مراحلها تعرضاً للضلال والخطر؛ وهذه القيادة نوع من أنواع الحكم المطلق، يعتمد على وحي العقيدة وإخلاص الرأي كالخلافة، أكثر مما يعتمد على استبداد الزعامة وقوة الجمهور كالدكتاتورية؛ ومن ذلك كان منشأ النزاع الثلاثي الذي قام بين العرش والاحتلال والدستور حيناً على حين؛ ومن طبيعة هذا النزاع أن يتجاذب أطراف الأمة الثلاثة فتنبسط لتنقبض، وتتسع لتضيق، ولكن القوة التي كان الملك يستمدها من صبره وحكمته وجرأته وخبرته وذكائه كانت في الكثير الغالب تشد الطرف الراجح إلى يده، فيسير في الإصلاح بالقدر الذي يبقي على هذا التجاذب من الإمكان والقدرة. ومع ذلك كان التقدم في عهده على محافظته وأناته محسوس الأثر؛ فلقد تعهد منابت الثقافة فغذاها بعونه، وتفقد منابع الثروة فرفدها بعنايته “.

لو طال عمره لكان عصره كعصر لويس الرابع عشر

“… لعل أشرق وجوه الإصلاح في عهده ما اتصل منها بالجمعيات الاقتصادية والمؤسسات العلمية والمؤتمرات الدولية والمتاحف الأثرية والمرافق العامة؛ أما الأعمال الفردية والجهود الأدبية فكان نصيبها من حكمه السعيد كنصيبها من حكم جده الأعلى محمد علي. على أن عناية المليك العظيم بها قد بدت بواكيرها المرجوة في مثل بنك التسليف ومجمع اللغة؛ فلو مد الله في عمره الحافل المبارك حتى تنضج لكان عصره أشبه بعصر لويس الرابع عشر”.

كان محبا للشرق لا لأن يكون قطعة من أوربا

“… كان الملك فؤاد بالرغم من عوامل نشأته، وعلى النقيض من ميول أبيه، شديد التعلق بدينه، قوي الحرص على شرقيته؛ يكره أن يجعل من مصر قطعة من أوربا، ويجب أن تظل دولة إسلامية شرقية لها تقاليدها الخاصة، وأسانيدها المتصلة، وسماتها المميزة، فساعد الحجاب، وأيد الطربوش، وعضد الدين في كل خلاف بينه وبين التطرف؛ وكان من ذلك شيء من التصادم المكبوت بين الرغائب الوثابة الشابة، وبين هذه الأناة الملكية الحكيمة”.

عصر الرخاء والاستقلال و النهضة

“… إن من العسير على المنطق النزيه أن يحكم اليوم على أعمال مليكنا العالم العامل الكفء، فإنها إنما بدت للناس على ألسنة رجال البلاط، وعلى أيدي رجال الحكومة؛ والبلاط قد يتأثر بشهوات الناس، والحكومة قد تتأثر بنزوات الساسة. ومهما يقل التاريخ في العصر الفؤادي فسيسجل بالخط البارز أنه عصر الرخاء للنيل، وعهد الاستقلال للأمة، وفجر النهضة في مصر”.

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com