الرئيسية / المكتبة الصحفية / فؤاد الملك المحظوظ: 3/8 السياسة

فؤاد الملك المحظوظ: 3/8 السياسة

كان من الطبيعي أن تتراوح علاقة الملك بالزعامات الشعبية (وغير الشعبية)  البارزة في عهده من التعاون إلى الفتور إلى العداء إلى العودة للتعاون ثم إلى العودة إلى العداء أو الفتور، وذلك بسبب وجود بقايا و معقبات الاحتلال البريطاني، فقد كان على الملك أن يبحث دوما عن سبيل لإرضاء هذا الاحتلال على حساب الحركة الوطنية لأنه لو حارب من أجل الحركة الوطنية لتحول من ملك استعماري إلى ملك دستوري وهو ما لم يكن الاحتلال نفسه ليسمح به في ذلك الوقت الذي قامت فيه النظرية الاستعمارية على إحداث توازن بين قوتين متنافرتين تدين إحداهما بالوجود للشعب ، وتدين الأخرى بالوجود للدعم من الاحتلال البريطاني ، مع عدم الممانعة في تبديل وقتي للمواقف والتحالفات كما هو الحال في أي نوع من أنواع التوازن البيولوجي في السياسة .

زعامة سعد زغلول جعلت الملك في المكانة الثانية لا الأولى

كانت الزعامة الطاغية لسعد زغلول باشا كافية بأن تفرض على حضور الملك فؤاد أو غيره من الملوك سقفا لا يصل بها إلى حدود و استحقاقات الزعامة الشعبية، وكان السبب في هذا أن الشعب المصري كله عاش ثورة 1919 بوجدان سليم يرنو الى الحق و الحقيقة والوطن والوطنية ، وفي كتبنا المنشورة عن تلك الحقبة كثير من الحقائق المضيئة لطبيعة إيمان الشعب المصري بنفسه و زعيمه ! وليس أدل على صحة ما نقول من أن الملك فاروق نفسه تفتح وعيه وهو داخل القصر على سماع أصوات الشعب في الخارج وهو يهتف : يحيا سعد.

وفي عهد الملك فؤاد مارس سعد زغلول باشا والنحاس باشا 1879- 1965  من بعده زعامة الأغلبية باقتدار جعلهما يستحوذان ، حتى الآن ، على لقب زعامة الأمة بلا منازع.

استبداده بتعطيل الإرادة الشعبية

وعلى الرغم من هذا فإنه في عهد الملك فؤاد لم تتعد الفترات التي تولى الوفد فيها الحكم منفردا سبعة عشر شهراً (وزارة سعد الأولى ووزارة النحاس الثانية) و لم تتعد الفترات التي تولى الوفد فيها الحكم بالائتلاف مع الأحرار الدستوريين سنتين 1926 ـ 1928 أي ربع فترة الملك فؤاد كملك (14 سنة).

ثورة 1935

من الأحداث السياسية الكبرى التي شهدها عصر الملك فؤاد ثورة 1935 وكانت ثورة للشباب والشعب من أجل الاستقلال وعودة دستور 1923 ، وتعبيرا عن  التضامن مع الليبيين في مواجهة الإيطاليين ، والتحمت بها  الثورة الأزهرية التي  كانت تطالب بعودة الشيخ الأكبر محمد مصطفى المراغى إلي منصب المشيخة، ولولا حصافة الملك فؤاد و تراجعه الذكي عن قرارته  لكانت هذه الثورة كفيلة بإنهاء عهد الملكية ولو بقدر كبير من التضحيات .

الأزهر و الاستبداد بالأزهر

كان النحاس باشا والملك فؤاد ، كل من طرفه ، يعقد آمالًا عظيمة على النجاح في تطوير الأزهر، وكانا على اقتناع بضرورة اختيار مصلح منجز لقيادة الأزهر. وعلى حين كان النحاس باشا قد بلور أمله في الشيخ محمد مصطفى المراغي1881-1945 فقد كان الملك فؤاد يرى هذا الأمل في الشيخ محمد الأحمدي الظواهري 1877-1944 ، وقد عارض الملك فؤاد في اختيار النحاس باشا للمراغي مرة بعد أخرى، إلى أن تصادف أن دعم بعض الإنجليز ترشيحه بناء على معرفتهم السابقة بادائه حين كان قاضي قضاة السودان ، فلما ذهب المراغي يشكر النحاس باشا على اختياره له كان النحاس باشا من قوة الشخصية على نحو ما هو معروف عنه بحيث قال له: إنني لم أفلح في تعيينك وأن الأولى أن تشكر الإنجليز.

ومن حسن الحظ  أن الشيخين المراغي والظواهري كانا في جوهريهما إصلاحيين كبيرين وإن تخفى إصلاح الظواهري تحت عباءة تتميز بقدر أكبر من المحافظة المظهرية ولهذا فلم يكن غريبًا ما حدث من أن ينفذ الظواهري برنامج المراغي للإصلاح ، و لا يغير من خطته ولا من تفاصيله إلا في جزئيتين بسيطتين. ولهذا فليس غريبا أن نقرأ في مرجع ما أن الظواهري هو الذي نفذ الإصلاح الأزهري، ولا أن تقرأ في الوقت ذاته في نفس الكتاب أن المراغي هو الذي قدم برنامج الإصلاح الأزهري، وذلك على نحو ما أوضحناه في كتبنا ” الظواهري و الإصلاح الأزهري ”  و ” أقطاب الفكر الديني في عصر النهضة ” و ” أصحاب المشيختين “

الثورة الأزهرية

وقد كان من المتوقع  ألا يتوقف استبداد الملك فؤاد بالرأي عند اختيار رؤساء الوزارة ، وأن يمتد أيضا إلى مشيخة الأزهر ، فبسببه هو استقال الشيخ المراغي من المشيخة في المرة الأولى، وجاء هو بمرشحه الأول الذي لم يكن النحاس باشا مفضل له وهو الشيخ الظواهري فلما حدثت الثورة الأزهرية اضطر الملك فؤاد لإعادة الشيخ المراغي. ومن الجدير بالذكر أن الثورة الأزهرية من أجل عودة المراغي التحمت بثورتين أخريين فزادتهما قوة، وزادت نفسها قوة، ونقصد بالثورتين ثورة 1935 ، والثورة ضد الطغيان الإيطالي في ليبيا وقد كانت كلتا الثورتين كالثورة الازهرية نفسها مناهضة لتوجهات الملك فؤاد نفسه  وذلك على نحو ما أوضحناه في كتبنا “أوتاد الجامع والجامعة” و ” أوتار العصرنة الأزهرية”.

محاولته القفز على رئاسة النحاس باشا للوزارة

بعد فوز الوفد في الانتخابات و عند تشكيل النحاس باشا لوزارته الثانية في يناير 1930 حاول الملك أن يضغط من أجل أن يتولى وفدي آخر(علي الشمسي باشا على سبيل المثال)  لرئاسة الوزارة بدلاً من النحاس باشا لكن المندوب السامي البريطاني السير لورين استنكف القبول بمبدأ أن يكون رئيس الوزراء شخصا غير زعيم الأغلبية  ، وقد تعرضنا بالتفصيل لمؤامرات القصر على النحاس باشا  و الوفد في كتابنا ” زعيم الأمة :مصطفى النحاس باشا  “.

اتساع قمة الزعامة الحكومية

ساعدت  خصوبة الحركة السياسية في عهد الملك فؤاد بفضل ثورة 1919 وما انتجته من الوعي و الفهم على تحقيق متلازمة طبيعية وهي اتساع المدى في مناصب الحكومة و زعامتها ليشمل زعيمين للأقلية وصلا إلى رئاسة الوزارة في عهد الملك فؤاد وباختياره هو،  وهما إسماعيل صدقي ومحمد محمود باشا.، مع أنهما كانا قد صعدا في داخل الحركة الوطنية والوفد بالتحديد وتوقفا عن الصعود فيها بسبب تفضيلهما لطبقة الأقلية  ولحق بهذين الزعيمين في نهاية عهد الملك فؤاد سياسي  ثالث هو علي ماهر باشا كانت له نفس خصائصهما  تقريبا ، وإن لم يعول على حزب خاص به ، وانما اعتمد في بداية صعوده على حزب جهزه القصر، وقد تعرضنا بالتفصيل لديناميات العلاقة بين الملك وهؤلاء الزعماء الثلاثة في كتبنا الثلاثة  “أسماعيل صدقي باشا ، 1989 ، و ” على ماهر ونهاية الليبرالية في مصر ، 2003″ ، و ” محمد محمود باشا وزعامة الأقلية  ، 2014 “..

وعلى سبيل الإجمال  ، فإننا نستطيع أن نجد في عهد الملك فؤاد زعامات للأغلبية والمعارضة لم تجدها (ولن تجدها ) في ظل حكم العسكر، وهو المعنى الذي يعبر عنه المواطن العادي بقوله إن الزمن كان زمن حكام باشوات يقصد أنه زمن طبقة قادرة على أن تستحوذ لنفسها على مساحة كبيرة من حركة سياسية قادرة على أن تمارس الحكم وتعود لممارسته ، وذلك على خلاف ما أصبح موجودًا في حكم العسكر من حكم أهل الثقة وقليل من أهل الخبرة ، وانحصار الأمر في رغبة الرئيس وحده فحسب ، و من دون حسبان لنتيجة انتخابات أو لحركيات أجيال أو لتغير أذواق الجماهير تجاه الزعامات المتاحة.

النجوم الصاعدة منذ عهد الخديو عباس حلمي

كانت هناك نجوم صاعدة منذ عهد الخديو عباس حلمي استطاعت أن تحافظ على المكانة السياسية المتقدمة في عهد الملك فؤاد ، ومن هؤلاء اثنان من رؤساء وزراء عهد الخديو عباس توليا رئاسة الوزارة في عهد الملك فؤاد أيضًا، وهذان هما آخر رئيسين للوزارة في عهد الخديو عباس حلمي ، وهما حسين رشدي باشا ، ومحمد سعيد باشا، وكلاهما (من باب المصادفة)  ولد عام 1863 وتوفي 1928. وقد تعرضنا بالتفصيل لعلاقة الملك بهذين الزعيمين في الفصلين الاولين من  كتابنا “القضاء والرياسة في زمن السياسة ” 

صعود عدلي يكن  و ثروت

من رؤساء الوزارة الأربعة عشر في عهد الملك فؤاد شخصيتان مهمتان إلى أقصى درجة من الأهمية كانا قد توليا الوزارة في نهاية عهد الخديو عباس حلمي (1914) ثم وصلا إلى رئاسة الوزارة في عهد الملك فؤاد وكان وصولهما إلى هذه الرئاسة بمثابة المعادل الاصطناعي  لسعد زغلول باشا وقيادة الحركة الوطنية ، ومن الطريف أن هذين الرئيسين كانا صديقين وكانا يتعاقبان على رئاسة الوزارة  حيث خلف ثانيهما الأول في المرتين الأوليين ، بينما لم يخلفه في المرة الثالثة بسبب الوفاة. و هذان هما عدلي باشا يكن، وعبد الخالق باشا ثروت، وعلى حين سميت وزارة الأول الأولى (مارس 1921) بوزارة الثقة ، فإن وزارة الثاني الأولى (مارس 1922) أعقبت حصوله في اليوم السابق لها على تصريح 28 فبراير 1922 الشهير. وفي المرة الثانية التي تولى فيها الرجلان رئاسة الوزارة على التعاقب؛ فإنهما جاءا بالتوافق مع إرادة الوفد وإرادة سعد زغلول ، بعد أن نجحت الأحزاب في صياغة وتدشين الائتلاف الكبير في 1926 وبمقتضاه تولى سعد زغلول باشا رئاسة البرلمان وتولى عدلي باشا رئاسة الوزارة (يونيو 1926) إلى أن أصابه الضجر المفاجئ من روح تربص النواب الشبان وصمم على الاستقالة وخلفه ثروت باشا (مارس 1927) ، وعلى حين كان عدلي باشا يكن قد تدرج في صعوده منذ عمل  سكرتيرًا لرئيس الوزراء نوبار باشا في مقتبل حياته الوظيفية؛ فإن عبد الخالق ثروت كان قد مارس الوظائف القضائية حتى أعجب به سعد زغلول نفسه وهو وزير للعدل فساعد على ترشيحه في شبابه ليشغل منصب النائب العمومي ، متخطيا الأقدميات وليحقق نجاحه المعهود والمتوالي فيما بعد ذلك. أما المرة الثالثة التي ترأس فيها عدلي يكن الوزارة ولم يعقبه ثروت لأنه كان قد توفي، فكانت في أكتوبر 1929 عقب نهاية عهد وزارة محمد محمود الأولى ، حين جاء لمهمة محددة هي إجراء الانتخابات الكفيلة بإنهاء ديكتاتورية محمد محمود وعودة الوفد والنحاس باشا للحكم في مطلع 1930. و هكذا يمكن لنا تلخيص الزعامات التي تولت رئاسة الحكومة مع الملك فؤاد على نحو بسيط بأنها

زعامتان للأمة

  •  سعد زغلول باشا
  • مصطفى النحاس باشا

زعامتان توليتا رئاسة الوزارة منذ عهد الخديو عباس

  • محمد سعيد باشا
  • حسين رشدي باشا

زعامتان مخففتان من  القبول الشعبي الجارف

  • عدلي يكن باشا
  • عبد الخالق ثروت باشا

زعامتان للأقلية المناوئة للوفد

  • محمد محمود باشا
  • إسماعيل صدقي باشا

جدول 10  رؤساء الوزارة في عهد الملك فؤاد (أبجديا)

 المولدالوفاة
أحمد زيور        14/11/186421/8/1945
إسماعيل صدقي  15/2/18759/7/1950 
حسين رشدي        1863    14/3/1928
سعد زغلوليوليو 185924/8/1927
عبد الخالق ثروت 1873 22/9/1928
عبد الفتاح يحيى  18801948
عدلي يكن          18/1/186422/1/1933           
علي ماهر          29/11/188224/8/1960            
محمد توفيق نسيم 18757/3/1938 
محمد سعيد 18/1/1863 20/7/1928    
محمد محمود     1877 1/2/1941      
مصطفى النحاس15/6/1879 23/8/1965     
يحيي إبراهيم     18601936     
يوسف وهبة1852   1934      

ست زعامات من تصعيد الملك فؤاد

وبالإضافة إلى هذه الثنائيات الأربع التي لخصناها على نحو موح ، فقد  برزت اختيارات أخرى للملك فؤاد صعد بها ستة إلى رياسة الوزارة في عهد الملك فؤاد.

  • من هؤلاء الستة  واحد كان وزيرا منذ ما قبل الملك فؤاد ثم أصبح رئيسا للوزارة في عهده وهو يوسف وهبة باشا 1852- 1934 الذي أصبح وزيرًا في 1914 ، ثم ترأس الوزارة في نوفمبر 1919

و خمسة من الساسة وصلوا في عهده إلى الوزارة أولًا ثم إلى رئاسة الوزارة ثانيًا، وهؤلاء الباشوات الخمسة هم:

  • محمد توفيق نسيم  1875 -1938  الذي أصبح وزيرًا في مايو 1919، ثم ترأس ما سمي بوزارة إدارية في مايو 1920  وعاد لرئاسة الوزارة في نوفمبر1922 ثم في  نوفمبر  1934
  • أحمد زيور باشا 1864- 1945الذي أصبح وزيرًا في بداية عهد السلطان فؤاد 1917 ، ثم ترأس الوزارة مرتين  متتاليتين(في 1924 و مارس 1925 ) عقب إقالة سعد زغلول بسبب حادث السردار  وقد جاء رافعا لشعار أو مبدأ إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
  • يحيى إبراهيم باشا 1860 – 1936 الذي أصبح وزيرًا في بداية عهد السلطان فؤاد ، ثم ترأس الوزارة في مارس1923  وأجرى الانتخابات فلم يفز فيها.
  • عبد الفتاح باشا يحيى 1880 – 1948  الذي أصبح وزيرًا في وزارة عدلي  باشا ، ثم خلف إسماعيل صدقي باشا في رئاسة الوزارة في سبتمبر1933 .
  • على ماهر باشا 1882 – 1960   الذي أصبح وزيرًا في وزارة زيور باشا  الثانية في مارس 1925، ثم خلف نسيم  باشا في رئاسة الوزارة في يناير 1936.

ومع اختلاف مشارب وطباع هؤلاء الذين وصلوا لرئاسة الوزارة ، فإننا نجد القاسم الأعظم في شخصياتهم هو النزاهة مثل حالتي زيور باشا ويحيى إبراهيم الذي لم يجد مانعًا من أن يخسر الانتخابات فيكون أول وآخر رئيس للوزارة يخسر الانتخابات، وقد كان الرجلان معروفين بهذه النزاهة فيما تولياه من المناصب، أما محمد توفيق نسيم فكان في دراسته ومناصبه الأولى صنوًا لثروت باشا وصدقي باشا ، لكنه كان أكثر منهما في الهدوء والصبر. أما  يوسف وهبة وعبد الفتاح يحيى  فكانا بمثابة رئيسي وزراء إداريين في ظل تنامي الحركة الوطنية وعدم رغبة الملك والإنجليز معًا في التسليم لهذه الحركة بطلباتها أو رغباتها المشروعة..

يمد الجسور مع الفرقاء

كان الملك فؤاد قادراً على أن يمد الجسور مع الفرقاء المختلفين ولهذا فإننا نستطيع أن نتأمل مواقفه مع ثلاثة من الزعماء الذين مثلوا اتجاهات مختلفة في اثناء ثورة 1919 وهم عدلي يكن باشا 1864- 1933 والشيخ عبد العزيز جاويش 1876- 1929 وعبد العزيز فهمي باشا 1870- 1951 ، وقد تناولنا ما يدل على محاوراته المباشرة وغير المباشرة معهم  ومع توجهاتهم بتفصيل واف في كتابنا “الشركاء المتشاكسون في ثورة 1919”.

صدامه المكبوت مع رشدي باشا

من الطريف أن أول استبداد مارسه الملك فؤاد حين أصبح سلطانا كان هو موقفه من التغيير الوزاري الذي كان رشدي باشا 1863- 1928  يريد أن يتمه في وزارته الثالثة فقد كان رشدي باشا يرى أن يستبعد من وزارته إبراهيم فتحي باشا  و وزيرا آخر ، وأن يحل محلهما سعد زغلول باشا (وهو حينذاك وزير سابق ترك الوزارة في اثناء رئاسة محمد سعيد باشا لها في 1912، وعبد العزيز فهمي باشا 1870- 1951 الذي لم يكن قد تولى أي وزارة حتى ذلك الوقت)  ورفض السلطان فؤاد أن يجيب رئيس الوزراء إلى طلبه، وبعد مداولات ومناقشات تقرر أن يخرج إبراهيم فتحي باشا فقط وأن يحل محله أحمد زيور باشا 1864- 1945 .

فضل حسين رشدي على الملك فؤاد في ثورة 1919

كان فضل حسين رشدي على الملك فؤاد عند اندلاع ثورة 1919 في أنه تمكن من مساعدته على استيعاب الموقف ولم يدفع بالملك إلى مواقف استبدادية في مواجهة الشعب، كما أنه لم يدفع به إلى الارتماء في أحضان البريطانيين وإذا أردنا أن نقدر قيمة رشدي الحقيقية قلنا أن نقارنه بموقف نوبار باشا 1825- 1899 الذي كان يتآمر على الخديو إسماعيل وعلى مقدرات الشعب وعلى ثروة مصر، ويكسب من هذا التآمر بينما كان حسين رشدي باشا أقرب ما يكون إلى الشعب وروحه الثائرة وأقرب ما يكون إلى النصح المخلص للسلطان فؤاد، وأقرب أيضا إلى النصح الذكي والواقعي للبريطانيين رغم تعنتهم.

لم يكن يرتاح لثروت باشا رغم فضله عليه

تنبئنا كتابات الذين لا يفرّطون في تسجيل ما لاحظوه من انطباعات القبول الشخصي أن الملك فؤاد لم يكن يرتاح إلى عبد الخالق ثروت باشا 1873- 1928 بالدرجة التي كان ينبغي أن يكون ممتنا بها له بل إن بعض هؤلاء يذهبون إلى أنه على الرغم من عداوته التقليدية والمفهومة للنحاس باشا فإنه كان يفضله في بعض الأحيان على عبد الخالق ثروت! أو يفضل التعامل معه على التعامل مع عبد الخالق ثروت حتى ليمكن الزعم بأن جحود الملك لفضل ثروت باشا هو ما عجّل بوفاته المبكرة . وقد تعرضنا بالتفصيل لعلاقة الملك بثروت باشا في الفصل الثالث من  كتابنا “القضاء والرياسة في زمن السياسة ” 

معاناته مع محمد محمود باشا

كان تقدير الملك فؤاد لأفضلية إسماعيل صدقي 1875- 1950 بالنسبة له عن محمد محمود باشا 1877- 1941 تقديرا في محله و سليماً فقد شهد  الملك من المتاعب مع محمد محمود باشا ما لم يكن يتوقعه  من رئيس وزراء يعرف مسبقا انه لا يملك الأغلبية ،  وعلى سبيل المثال فقد أراد محمد محمود إجراء تعديل وزاري يشغل به وزارة الأوقاف التي كانت اعمالها محالة على وزير آخر ، ويعين وزيراً مستقلا للصحة، لكن الملك فؤاد أراد أن يكون الوزيران الجديدان من حزب الاتحاد الموالي له فرفض محمد محمود باشا ، وقال : إنه يكفيه ما يعانيه من الوزيرين الاتحاديين علي ماهر باشا وعبد الحميد سليمان باشا .  ويروى انه بعد أن اتفق محمد محمود مع الملك فؤاد على تعيين إسماعيل صدقي ليكون رئيسا لديوان المحاسبة امتنع الملك فؤاد عن التوقيع لبعض الوقت فهدد محمد محمود بأنه سيدعو لدعوة البرلمان الوفدي المعطل للانعقاد ويقدم استقالته بعد ذلك. وقد تعرضنا بالتفصيل لعلاقة الملك بمحمد محمود باشا في كتابنا “محمد محمود و زعامة الأقلية  ” 

بدا مغرما بأداء محمد توفيق نسيم

ومن العجيب أن نرى أن القانوني الذي أغرم به الملك فؤاد وأسند إليه تشكيل الوزارة 3 مرات في ظروف مختلفة ولم يكن يمانع في أن يسندها له أكثر من هذا كان هو محمد توفيق نسيم  1875 – 1938 ، ومن الحق أن نسيم باشا لم يكن يخلو من التفوق والإتقان والالتزام لكن الملك فؤاد كان في إعجابه به أكرم  مما يتوقع من ملك محنك مثله وقد تعرضنا بالتفصيل لعلاقة الملك  فؤاد بنسيم  باشا في الفصل الثالث من  كتابنا “القضاء والرياسة في زمن السياسة “. 

ارتقاء دور على ماهر باشا 

كان علي ماهر باشا 1882-1960الذي تولى رئاسة الديوان الملكي في نهاية عهد الملك فؤاد قد لعب دورا مساعدا في الثورة المضادة ،  لكنه نال رئاسة الوزارة واستطاع النجاح في نقل السلطة إلى ولي العهد وإعلان توليها ثم الترتيب لنقلها إليه عبر مجلس للوصاية استمر أكثر من عام حتى بلغ الملك فاروق السن القانونية محسوبة بالتاريخ الهجري . وقد تعرضنا بالتفصيل لعلاقة الملك بعلي ماهر باشا في كتابنا “علي ماهر ونهاية الليبرالية في مصر  ” 

أبرز رجال الثورة المضادة في عصره

كان الملك فؤاد ينتهز كل فرصة ممكنة لدعم ديكتاتوريته على حساب الشعب و الحركة الوطنية من خلال كفاءات قانونية وظفها في السراي، أو انتدبها له ومارس عليها دلال الملك في تحقيق حكمته التي ” يختال بها على الشعب”  ويتمثل هؤلاء في:

  • حسن نشأت باشا (وكيل الديوان و رئيسه بالنيابة في منتصف العشرينيات) الذي مارس كل التضييق على الوفد في المرحلة الأولى من ممارسة الوفد للحكم وحتى استطاعت الحركة الوطنية إجبار الملك على إبعاده عن هذا الموقع.
  • محمد زكي الإبراشي باشا (ناظر الخاصة الملكية في الثلاثينيات)  الذي مارس في زمن لاحق ما كان حسن نشأت باشا  يمارسه في زمن سابق، مع رغبة مؤكدة في الاستحواذ للملك على سلطات أوسع.

سوء حظ الرجلين الرماديين نشأت باشا  و الابراشي باشا

ومن الجدير بالذكر أن الملك فؤاد لم يستطع او لم يشأ  مكافأة هذين القانونيين  (حسن نشأت ومحمد زكي الإبراشي )اللذين لعبا له دور رجل الظل في مرحلتين من مراحل التنكيد على الحركة الوطنية ، وهكذا بقي دور هذين الرجلين كما لو كانا متطوعين (تماماً) ضد الحركة الوطنية وليسا موظفين مكلفين بهذا من قبل الملك.

تأسيس حزب الاتحاد

كانت تجربة القصر في تشكيل حزب الاتحاد تجربة فاشلة ومريرة ومن العجيب أن الملك ورجاله ظنوا أن بإمكان حزب كهذا أن ينجح فيما لم ينجح فيه حزبا الأحرار الدستوريين والحزب الوطني في التقليل من سيطرة الوفد على الشارع السياسي،  لكن الغرور دفع حزب الاتحاد إلى أن يصدر ثلاث جرائد تعبر عنه، الاتحاد وجريدة الاتحاد الليبيرالية ، وجريدة الشعب المصري التي كانت تصدر في الاسكندرية.

الفكرة السخيفة من انشاء حزب الاتحاد

كانت فكرة حسن نشأت باشا من إنشاء حزب الاتحاد 1925 فكرة مهترئة عقيمة لا تليق بالملك ، ولا تليق بحسن نشأت باشا نفسه كقانوني، وكانت الفكرة هي إيجاد نوع من التوازن بين الحزبين الكبيرين! بينما كان أحد هذين الحزبين (على حد وصف نشأت باشا) يستحوذ على أكثر من 90 % من الأصوات. وهذا نموذج للتزوير الذي يلجأ إلى اثبات التزوير بلا وعي ، هكذا تصور أنه يخدم الملك ويخدم نفسه بهذا الحزب الذي أسسه والذي لا يُذكر إلا في القائمة السوداء للكيانات السياسية.

تكرار تجربة حزب الاتحاد في حزب الشعب

كان الملك فؤاد مغرما بأن يكرر التجربة الفاشلة والأليمة التي خاضها رجاله من خلال حزب شكلي هو حزب الاتحاد ، و سرعان ما جاءته هذه الفرصة في الثلاثينات في عهد وزارة إسماعيل صدقي باشا و استبداده الشهير ، وقد تناولنا هذه التجربة بالتفصيل في كتابنا أسماعيل صدقي الذي نشر منذ أكثر من ثلاثين عاما .

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com