الرئيسية / المكتبة الصحفية / كيف يخدم الذكاء الصناعي الأدب والنقد؟

كيف يخدم الذكاء الصناعي الأدب والنقد؟

www.gwady.net

يدرك المشتغلون بالأدب وبالنقد الأدبي وبالدراسات الأدبية، بل يدرك كل قراء و«مستخدمى» الأدب مدي الحاجة إلي أعمال موسوعية متاحة علي الدوام وذلك كي يلجأوا إليها في بعض الأحيان (أو عند الحاجة) لتأخذ بأيديهم أو لترشدهم إلي الإطار الذي يمكنهم من خلاله أن يرتفعوا بمستوي ما ينتجون أو أن يرتفعوا بمستوي فهمهم لما يقرأون أو يشاهدون.

وقد يكون الأمر في هذا شبيهاً بالطرق الضخمة التي تساعدنا علي الانتقال من موضع إلي موضع آخر سواء قدمت هذه المساعدة إلينا نحن أو إلي ما نحمل أو إلي ما يحملنا أو إلي ما ننقله أو إلي ما ينقلنا، أو قل باختصار: إن الأمر في هذا شبيه بوسائل النقل الضخمة التي تختصر الزمان حين تنقلنا عبر المكان في نفس الزمان.

وفي أحيان أخرى يكون الأمر أشبه ما يكون بالمطارات (والموانئ) ومحطات الركاب الضخمة التي تمكننا من أن نستعمل الوسائل الضخمة في بدايتها أو نهايتها، أي أن نبدأ الاستعمال أو ننتهي منه، وتمكننا كذلك من أن نربط بين هذه الوسائل بعضها وبعض من خلال الوصول إلي هذه المحطات أو المطارات أو الوجود فيها، فنحن نخرج من علم إلي علم، أو من فن إلي فن بينما نحن لا نزال في «صالات الترانزيت» التي تهيئها لنا الموسوعات الكبيرة القادرة علي الربط بين الآداب والفنون والعلوم بأسلوب منهجي منظم كفيل بالوصول إلي الحقائق في لمح البرق، لأنها تقدم عصارات دقيقة وذكية بأسلوب منظم ومكثف علي سبيل المثال.

بل إن الأمر قد يتعدي هذا كله حتى يصبح أشبه بخطوط الشبكات الكهربية التي تمتد متصلة ومتواصلة وتمكننا في كل لحظة من أن نستغل إمكانات لا متناهية تتيحها طاقة جبارة في تحقيق كل ما نريد مما يحتاج في إنجازه إلي صورة ما من الطاقة، وفي هذا الصدد يكفيني من باب التنويه أن أذكر القراء بالنعمة المتمثلة في وجود شبكة كهربية موحدة، فقبل هذا كانت هناك اتجاهات بل خطوات بالفعل نحو الفصل بين شبكة كهرباء الصناعة وشبكة كهرباء النقل وشبكة كهرباء الاستعمال المنزلى، ثم انتبه الأذكياء إلي ضرورة توحيد الشبكات الكهربية في شبكة واحدة.. وإذا ما قارنا هذا الحال بما نحن عليه الآن في الثقافة فإننا نكاد نكتشف أننا لا نزال في وضع شبيه بالأوضاع القديمة التي سبقت توحيد شبكات الكهرباء.

وفي دراساتنا الأدبية والنقدية بل في الأدب نفسه فإن الموسوعات والمعاجم والمراجع تمثل لنا بعض خطوط  شبكة هذه الطاقة الكهربية الجبارة التي تهيئ السبيل إلي توظيف طاقاتنا من أجل ما تبتغيه هذه الطاقات من إنجاز.

فليس بوسعنا وبصفة مبدئية ـ علي سبيل المثال ـ أن ننقل نصوص الأدب من لغة إلي أخري من دون أن نستعين بالمعاجم ثنائية اللغة حتي إن قيل إن هذه المعاجم محفوظة في صدور المترجمين، ولا يمكن لنا أن نتصور المترجم وقد وقف عند لفظ بعينه حتي لو كان اسما من أسماء الذوات وآثر عندئذ أن يبتعد عن استعمال المعجم اللغوى، بينما النص الأصلي يستعصي علي الفهم من دون التعريف بهذا «الذات» الذي قد يكون غريبا علي المتلقين الجدد. وفضلا عن هذا فإن طبيعة النصوص الأدبية والفنية ذاتها لا تزال تفرض علينا [أو علي الإنسانية] أن توجد أنواعاً متطورة من المعجمات القادرة علي تلبية حاجة أهل الأدب دون عناء كبير، فلم يعد من المقبول ولا من المتصور أن تقتصر المعجمات علي المعاني الأصلية والصحيحة للألفاظ، بل إن المعاجم في عصر المعلومات أصبحت مطالبة وبإلحاح بأن تتعرض بذات القدر من الأهمية والتركيز للدلالات المجازية، بل للاستعمالات الخاطئة، وللاستعمالات الرمزية، وللاستخدامات الإيحائية للألفاظ، ولا يظنن ظان أن في هذا تقنينا للخطأ أو تأصيلا للأوضاع الشاذة، أو إقحاما لدلالات الإيحاء علي الدلالات الأصلية أو رفعاً من قيمة الاستعمالات السوقية للغة، فبوسع المعاجم  (والمجامع اللغوية من ورائها) أن تشير إلي المبتذل وإلي أنه مبتذل وإلي الشاذ وإلي أنه شاذ وإلي الخطأ وإلي أنه خطأ، وهي بهذا تضمن تصحيح الخطأ بالتدريج حتي إذا ما جاء الوقت لإصدار الطبعة التالية من المعجم اللغوي كان في وسع القائمين علي وضعه أن يرسموا علي شفاههم الابتسامة وهم يرون الخطأ وقد انقرض، وبالتالي فإنهم عندئذ يستطيعون أن يقصروا الإشارة إلي الخطأ القديم علي المعجم «التاريخى» فحسب!!

ولا يظنن ظان أني أعبر عن خيال غير قابل للتحقيق، بل إني أعبر عن حقيقة موجودة حتي علي مستوي استعمالنا «العادى» للغة في أوطاننا، فكم من خطأ شائع تم تداركه بعد تكرار التنبيه عليه، وعلي أنه خطأ، ولابد لنا في هذا الصدد أن نثق في فطرة الإنسانية النازعة إلي الصواب قبل أن نحترم الإمكانية القائمة أو الاحتمالية المرتفعة لظاهرة  شيوع الخطأ وذيوعه.

ولست أحب أن أستطرد كثيراً في الحديث عن الوظائف التي يمكن للمعاجم الحديثة أن تقوم بها في الارتقاء الحثيث بالثقافة والنتاج الثقافى، ذلك أني أثق في أن الرأي العام يدرك إلي درجة شبه كافية مدي ما يمكن للمعجم الجيد أن يحققه من تفعيل درجات الاتصال اللغوى، سواء في سبيل العلم، أو في سبيل الثقافة، أو في سبيل التواصل الطبيعي في حياة البشر، لهذا فإني أود أن أنتقل الآن إلي أن أتناول في عجالة طبيعة الطرق السريعة الأخري في دولة اللغة والأدب.

وربما أبدأ بأن أذكر بأنه في وسعنا أن نتصور صاحب دراسة أدبية وقد أراد أن يتثبت من أي العملين اللذين يقارن بينهما (أو يوازن) قد سبق الآخر، كيف له عندئذ أن يصمم علي ألا يعود إلي معجم من معاجم الأدباء أو إلي ثبت ببليوجرافى. وقل مثل هذا في المقارنة أو الموازنة بين علمين من أعلام الأدب المتعاصرين.

علي أن هذا المثل قد  يتعلق بما هو مرتبط بالخطوط العريضة جداً من حركة الاتصالات والتواصلات في الأدب والدراسات الأدبية، وهناك بالطبع خطوط  «شعرية» دقيقة هي الكفيلة بالارتفاع بمستوي الأداء في الأدب والنقد والدراسات الأدبية علي وجه العموم وعلي وجه الخصوص أيضاً.

وإذا كانت الحضارة الراهنة تمضي أسرع من الصوت في الارتفاع بالمستوي الدقيق لكل أداة من تلك المتعلقة بالعلوم التطبيقية جميعا، فإنها لا تغفل اللغة والأدب في الاهتمام بهما حتي  وإن ظننا أنها تغفلهما، والذين يطالعون اللغات الحية اليوم يجدون أهلها وهم يطورون فيها تطويرات جذرية تكاد توحي لنا أن البنية الأساسية لكل لغة من هذه اللغات توشك أن تتطور تطوراً يعيد تركيب صورتها وقدرة هذه الصورة علي أداء الوظيفة اللغوية، ويكفي علي سبيل المثال أن نري ما يفعله الأمريكيون باللغة الإنجليزية، وما انتقل منهم إلينا بل إلي البريطانيين أنفسهم، وبودي أن أسأل : مَنْ منا الآن لا يزال علي استعداد لأن يكتب ضمير المخاطب (الإنجليزى) بحروفه الثلاثة: «واى، أو، يو» بينما هو يري الآن كل الرسائل التليفونية وهي تأتيه مختصرة لهذا الضمير (الذي هو في الأصل اختصار) إلي حرف واحد كان لحسن الحظ متسقا تمام الاتساق مع الصوت الصادر عن تركيب الحروف الثلاثة معا، بينما هو في ذات الوقت ينشأ عن هذا الحرف وحده.. فإذا بالأمريكيين المحدثين يستغنون عن استخدام الواى، والأو، واليو ليعبروا بتتابع هذه الحروف الثلاثة عما يعبر عنه الحرف الثالث «يو» بمفرده.

وعلي نفس هذا النمط نجد كثيرا مما قد نسميه «التحريف اللغوى»، وقد ساد وانتشر بل تمتع بالقبول والمصداقية، بل لم يعد من الممكن لعلماء الإنجليزية أنفسهم أن يوقفوا استعماله.. بل ربما كانت السنوات القادمة كفيلة باجتماعهم لتقنينه ووضعه في الصورة «القانونية»، وربما لإلغاء القديم كلية، وربما يجد أبناؤنا في تراثنا ما يدل علي كتابتنا لفظة  (you)  فإذا  بهم في مستقبل الأيام يضحكون من هذا الإهدار في الوقت الذي كنا نبذله لكتابة هذا الضمير علي هذا النحو الذي نكتبه الآن، والذي كنا نكتبه من قبل.

وربما أجدني هنا بحاجة إلي أن كرر ما ذكرته في موضع آخر من أن المرء لا ينبغي له أن يعجب من أن يجد الكمبيوتر وهو يتعامل مع اللغة تعاملاً حياً خصباً ينهي به ـ علي نحو أو آخر ـ عدداً من الصعوبات التي خلقها التعامل المنطقي مع اللغة طوال قرون كثيرة مضت، وهو (أي هذا التعامل المنطقى) لم يستطع أن يتمكن من استغلال اللغة علي النحو الذي تمكن الكمبيوتر منه بقدرة هائلة.

ولا يقف تعامل الكمبيوتر علي اللغة عند الحدود التي يمارس بها سطوته الفكرية في لغة ما، ذلك أن الأسلوب الذي يمارسه الكمبيوتر مع أية لغة قابل للانتقال والتطبيق تلقائيا في اللغات الأخرى، وذلك لسبب بسيط وهو أن الأمر يتعلق بالمنهج بنسبة مائة في المائة، ولا يتعلق بالموضوع إلا علي أنه مستهلك أو مستخدم لأداء المنهج فحسب، والأمر في هذا شبيه ببائع الحلوي الجميلة أو الورود الزاهرة  لا يضع في حسبانه مَنْ ذا الذي سيشتريها ومن ذا الذي سيستهلكها أو من ذا الذي سيهديها أو من ذا الذي ستهدي إليه، وربما استهلكها في النهاية عدوان.. أو صديقان.. أو زوجان.

أحب في النهاية أن أدلل علي مدي السرعة التي ينجز بها الكمبيوتر ما هو جديد في المجالات التي يقتحمها ، ولست أجد مثلاً علي هذا خيراً من مقال نشرته منذ أكثر من عشرين عاماً حين كان  الكمبيوتر قد بدأ اقتحام عالم التصوير  ، وبوسع القارئ أن يلاحظ مدي ما أنجزه الكمبيوتر في هذا المجال ، ومدي ما كنت أتحسب له من محاولة الدقة في وصف ما كان أشبه بالخيال.

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com