الرئيسية / المكتبة الصحفية / كلمة الدكتور محمد الجوادي في استقبال الدكتور مروان المحاسني الجراح الفيلسوف رئيس مجمع اللغة العربية السوري

كلمة الدكتور محمد الجوادي في استقبال الدكتور مروان المحاسني الجراح الفيلسوف رئيس مجمع اللغة العربية السوري

ايها الزميل الكريم

يستقبلك مجمعك اليوم وهو يأمل أن يفيء علي ظلك ظله.. وأن يفيد من علمك علمه..

يستقبلك وقد تراءيت في ذاكرتنا رجل مصطلح تطوف الأعماق كيما يستخرج لؤلؤة متفردة، وتستلهم الآفاق كيما تصنع جوهرة منفردة..

يستقبلك مجمعك وقد ارتسمت شخصيتك في حدقاتنا وديعا دءوبا تحتسب الجهد والجهد، وتصون العهد والوعد، وتكتسب المجد تلو المجد..

يستقبلك مجمعك وقد أعلن عملك عن نفسه فيما نراه من مصطلحات ألهمتك بها ذائقة ذاكرة، ووهبتها لك ذاكرة ذائقة، فأصبحت وأنت صاحب الفرائد والقلائد ذا ذائقة ذائقة، وذاكرة ذاكرة..

يستقبلك مجمعك وقد أعلن عملك عن نفسه فيما نلجأ إليه من حلول صاغتها لك فطرة متفرسة، وخبرة متبصرة، ويعلي فكرك من شأن نفسه بما يتجدد اعتناقك له من مثليات القيم وفضليات الشيم.

لا تعجبن من أن تجدنا قبل أن نراك رأي العين وقد عرفنا لك توفيقك وتفوقك، وليس الأمر في هذا بدعا فإن مجمعنا يعرف كذلك لمجمعك آثاره وإيثاره، كما يعرف شعبنا لشعبك جده و وجده.

زكاك إقدام ورأي شاهد                         ونقي ايمان وحسن بيان

*

ايها الزميل الكريم

كأني بك اليوم، ياسيدي، تمد في خطوك خطوة حول البحر المتوسط لتشرف عيه من جنوبه، كما أشرفت عليه من قبل من شرقه، ثم من شماله، ولسان حالك يقول إنك كنت في شرقه للعلم طالب، وفي شماله للحضارة جالب، وأنك في كل أحوالك مثل بديع للمتحضر الضليع.

لقد أدركت ياسيدي قيمة الهدف الذي تسعي إليه مبكرا، وأدركت أن الانهماك في السير الحثيث قد يلهي عن رؤية معالم الطريق واتجاهاته، وقد يجعل جوانبه تغيب عن السائر في المصائر، لذلك فقد آثرت لنفسك أن تحدد الهدف، وأيقنت أن هذا التحديد كفيل لك بتسارع الخطي إلي هدفك المنشود، وعلي هذا الدرب سرت حثيثا حتي حفرت لنفسك اسما في كل ميدان بذلت فيه جهدك.

ايها الزميل الكريم

نما شغفك بالمصطلحات حتي أصبحت المصطلحات لك نديما.

 ونمت مقدرتك علي صناعتها حتي أصبحت أنت للمعاجم نديدا.

وأدركت من جوهر الطب ما أعانك علي أن تصنع لعلومه في لغتك جواهر مكافئة تصدقنا التعبير عما تشعر به نفوسنا تجاه المعاني، وعما تدركه عقولنا من الأعراض والأغراض والأمراض.

ها أنت تمضي علي الدرب الذي اختطه الجيل السابق لك من مؤسسي الحركة العلمية في بلدك الحبيب إلينا جميعا، وها أنت تضيف إلي أمجاد أسعد الحكيم ، و حسني سبح، ومرشد خاطر، وحمدي الخياط، وشوكت الشطي، وجميل الخاني، و هيثم الخياط ، وهم الذين أصلوا للعلم الطبي الحديث في بيئتنا التعليمية، وفي بيئتنا اللغوية علي حد سواء، فاستحقوا تكريم ضمير أمتنا، وتبجيل تاريخها، وعرفان أبناءها، ولم لا ؟ وهم الذين أثبتوا بالعمل الجاد قدرة لغتهم الفتية علي استيعاب التقدم العلمي استيعابا يضيف للغة، ويوطئ للفهم، ويوطن للعلم.

قد شيدوا آية بالشام خالدة                 شتي المناهل تروي كل ظمآن

 

ايها الزميل الكريم

أشهد.. بل أقسم غير حانث أني رأيت جهد هؤلاء الرواد بارزا في كل رجا من أرجاء العالم قدر لي أن أزوره، وأن أختلط بأطبائه، فإذا تلاميذ معهدكم العلمي في دمشق علي اختلاف مستوياتهم يبزون غيرهم من أهل العربية، ومن غير أهل العربية بما أتيح لهم من الفهم المتأني الصائب والدقيق لحقائق العلم بعيدا عما يصيبب العلم من أذي التشوش الذهني الذي يعانيه الذين درسوا العلم في غير لغاتهم، وفهموا المعاني الكلية من دون أن يفهموا جزئياتها علي النحو الكفيل بفك الطلاسم، وحل الشفرات، فإذا بعض العلم في أذهان الآخرين كأنه هو، وإذا بعض الفهم في عقولهم كأنه هو، بينما أندادهم الذين درسوا علي أيديكم يفهمون الحقيقة علي نحو ما هي، لا علي نحو ما كأنها هي.

 وإذا لسانهم في العربية وفي غير العربية يرطن بما يعرف فإذا رطانته رصانة، بينما رصانة غيره رطانة، وإذا حديثهم منبئ، وإذا تشخصيهم مصيب، وإذا تدبيرهم حكيم وإذا تعليقهم شارح، وإذا قرارهم كاشف، وإذا نصحهم مثمر.

 وإذا هم يخرجون بمرضاهم وتلاميذهم علي حد سواء إلي نور العلم الذي لا يتهيأ إلا لمن ذاقوا حلاوة الفهم.

 وإذا إنسانيتهم ترتقي إلي المدارج التي وصفها الحق سبحانه وتعالي بأكثر الأوصاف إعجازا وتكريما للإنسان يوم طلب من ملائكته أن يسجدوا لآدم لأنه تعلم الأسماء كلها.

ايها الزميل الكريم

لا يخالطني مثقال ذرة من شك في أنك وأسلافك الأقربين والأبعدين علي حد سواء من أولئك الذين عهد الله إليهم بالارتقاء بخلقه إلي المرتبة التي تستحق سجود الملائكة لمن ترتقون بهم.

أنت إذاً ياسيدي صانع رقي، ولست صانع حضارة فحسب.

وأنت إذاً أستاذ رفيع القدر،

تجاوزت قدر الأساتذة الذين يفهمون العلم

 إلي قدر الأساتذة الذين يفهمون العلم

إلي قدر الأساتذة الذين يصنعون العلم

 إلي قدر الأساتذة الذين يطورون العلم

إلي قدر الأساتذة الذين يصفون العلم

إلي قدر الأساتذة الذين يسمون العلم حق اسمه،

فإذا ما وصلوا إلي ذلك فقد قدروا الله حق قدره،

 وهو أقصي ما يطلب رب العزة من عباده المؤمنين.

ايها الزميل الكريم

 نتأمل الإنتاج الذي شاركت في صنعه في معجماتنا فإذا نحن أمام ذاتنا اللغوية وقد تجلت بيديك علي حقيقتها، وعلي يديك في حقيقتها، وقد رزقت التوفيق في تجريد المعاني من مصاحباتها فاخترت لمعني الجوهر اللفظ الكفيل به، ثم إذا أنت تضيف إليه فضلا آخر حين تبحث بين ما يسمي المترادفات علي أكثر المتوافقات مع المعني.

وإذا المصطلح علي يديك لفظ دقيق واضح بسيط معبر، لكنه مع هذا لفظ ذو ظلال، وإذا أنت فنان أدركت من كل ما أمامك ما هو كفيل بتجريده تجريدا فلسفيا، وتشكيليا، وتشريحيا، وتصويريا، ثم التعبير عنه بما يهيئ له الظل إذا تحرك، والإشعاع إذا تقلب.

 بل إذا المصطلح علي يديك يستبقي لنفسه طاقات من طاقات الوضع الكامنة لا تظهر إلا عندما يصبح المصطلح جزءا من عبارة مفهمة تستمد قدرتها علي الإفهام والتعبير مما ترفده بها هذه الطاقة الخفية، وإذا هو قابل للنسب، والإعراب، والتصغير، والإضافة، والجمع، والاشتقاق.

ايها الزميل الكريم

أنت إذاً في معملك المجمعي فنان جميل يكسب لوحاته كثيرا من نفسه القادرة علي التعبير والإظهار والإبانة، وتعينك علي هذا قريحتك القادرة علي الفهم والاستبطان، فإذا مصطلحاتك تحمل إلينا بعضا منك.

 وإذا نحن نراك فيها متجليا لأنك أعطيتها بعض نفسك من دون أن يأخذ هذا منك إلا كما يأخذ الابن من أبيه من بضع ضئيل، لكن هذا البضع ينقل إليه كل الصفات وكأنما نقل إليه كل الذات.

ايها الزميل الكريم

لقد أدركت قبل غيرك أن مشكلتنا الأساسية في بلادنا هي أن ثقافتنا عربية، بينما حضارتنا غربية، وأننا لن نستطيع الدخول في حوار مع الغرب ما لم نعد إلي استكمال ثقافتنا بإضافة بعض ما أنجز الغرب منذ تخلينا عن دورنا المميز في نشر الحضارة في العالم، وأدركت حقيقة حاجتنا إلي المصطلحات علي أنها ألفاظ قابلة للحياة وللأمل لا مجرد ألفاظ مقابلة للوجود وللواقع،

وقد أدركت قبل غيرك أنه لا يكفي أن نضع المصطلح مقابل المصطلح لنستطيع المشاركة في الحوار، بل لابد أن يتكرس المصطلح بالاستعمال، وأن يدخل حيز المعقول في أذهاننا، وفي مفاهيمنا كي يحق لنا مناقشة منطلقاته، والنظر في صلاحه، أو ترجيح استبعاده.

ايها الزميل الكريم

لقد عبرت أنت نفسك منذ عشرين عاما حين ألقيت كلمتك في مجمع دمشق عن هذا المعني حين قلت إن المستشرقين لم ينقلوا من التراث العربي الإسلامي إلا ما يناسب الزاوية الضيقة التي كان يدرسها كل واحد منهم، ولأن حركة الاستشراق بمجموعها كانت تخدم غايات وأهداف لا تمت إلي العرفان، أو إلي المعرفة الصافية بصلة، فقد كان العائق الكبير الذي يصعب تخطيه هو مرور المفاهيم العربية من فكر غربي، يجد مشقة في إدراك الروح الكامنة وراء ذلك الإنتاج العربي الممتد علي عدة قرون، والمتشعب إلي مجالات عديدة من مجالات الفكر، والذي تربط ما بين أجزائه وفروعه نفحة من روحية شفافة لا تتلمسها إلا أنامل مرهفة، ولا تري آثارها عيون لم تألف أجواءنا وقيمنا.

وقلت أنت يومئذ إنه قد آن للعربي أن يقوم بنفسه بالتعريف بثقافته، وبإعادة النظر فيما كتب عنها في العالم الغربي.

 وها أنت ذا أنت وأقرانك قد خطوتم بنا خطوات واثقة في هذا السبيل الجميل الذي تحوطه من جانبه الأيمن أشجار العزة شامخة ترنو ببصرها إلي المستقبل، وتحوطه من جانبه الأيسر أشجار الكرامة باسقة تحنو بظلها علي الماضـي فيه.. ونحن نري الأمل مشعا طوال الطريق لا في نهايته فحسب.

ايها الزميل الكريم

أني لي أن أبلغ مبلغ مديحك وأنت حفيد تميم الذي غزا مع الرسول (صلي الله عليه وسلم) وروي عنه بضعة عشر حديثا كلها من الصحاح، ومن أشهر ها قوله عليه الصلاة والسلام: إن الدين النصيحة (وكررها ثلاثا)، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله عز وجل ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وهأنذا واحد من عامتهم يحيي واحدا من أئمتهم، لأن أئمته رأوا أن يطوقوا عنقه بفضل أن يكون مستقبلك اليوم في معقل الأئمة الذي استقبل من قبلك من اعلام بلدك ومن اعلام مجمعك : محمد كرد علي، وعبد القادر المغربي، ومصطفي الشهابي، وحسني سبح، وعدنان الخطيب، وشاكر الفحام، وإحسان النص، ومحمد هيثم الخياط.

 

ايها الزميل الكريم

لقد كان جدك تميم أول مَنْ أسرج السراج في المسجد، كما كان أول مَنْ قص في الإسلام بـإذن من الخليفة عمر.. وها أنت لاتزال تضيء السراج الذي أضاءه جدك ، وتقص الصحيح كما قصه جدك، وتستقصي النفيس كما استقصاه أسلافك.

ومهما بلغ قولي فيك فإني لا أبلغ منزلة الشاعر الغزي مفتي الشافعية بدمشق حين وصف أجدادك فقال:

إذا افتخر الأنام بأرض شام        وعــــــدوا دورهـــــا ثم المســــــاكن

أقــول مفاخـــرا قــولا بديــــعا           محاسن شامنا (بيت المحاسن)

ايها الزميل الكريم

كيف لي أن أبلغ مبلغ أستاذي عدنان الخطيب حين وصفك فقال: إنك حاضر البديهة.. سريع الجواب.. دقيق في نقدك. صارم إذا انتقدت.. تطرب للنكتة البارعة إذا سمعتها.. وتهوي اقتناصها إذا حانت لك.. هذا مع ميل شديد للدعابة البريئة.. إذا ما استأنست بالصداقة..

وكأن أستاذنا عدنان الخطيب كان يريد أن يقول إنه لم ينقصك من مقتضيات العظمة شيء، فها أنت تتمتع بالخلق الذي قال الإمام الغزالي فيما نسب إليه إن العظيم لا يكون عظيما إلا به.

ايها الزميل الكريم

هل تدهش إذا سمعت مني أنه كان من حسن حظي أني سمعت اسمك أول ما سمعته من أستاذنا عدنان الخطيب عام ثمانية وسبعين، ولم أكن أدري أنك ستفوز بعد ذلك الحديث بأقل من عام بعضوية مجمع دمشق العربي، ولا أن الأستاذ الخطيب نفسه سيكون مستقبلك في المجمع الدمشقي بعدها بعقد من الزمان، ولا أني سأكون مستقبلك في المجمع القاهري بعد عقدين آخرين من الزمان.

 ولست أدري بعد هذا إن كان الله سيرزقني الحظ أن أجلس إليك مجلس الناهل من فيض علم الأستاذ، لكني أدعو الله أن يكون هذا من حظي، وأن يمتع مجمعنا بك في القاهرة، وهي الإفريقية القاسية، كما متع بك دمشق وجدة من قبل، وهما الآسيويتان الآسيتان.

ايها الزميل الكريم

لقد كان لسورية العزيزة كرسيان حين أنشئ هذا المجمع، أما الكرسي الأول فقد تعاقب عليه ثلاثة من أسلافك في رياسة مجمع دمشق: الأستاذ محمد كرد علي حتي عام ثلاثة وخمسين، ثم الأمير مصطفي الشهابي في عام أربعة وخمسين، ثم شاء تعديل قانون المجمع في عام ستين أن يبقي الشهابي علي رأس مجمع دمشق فرعا، وأن يكون بكرسيه في مجمع القاهرة عضوا مراسلا، وما أقساه من شعور علينا وعلي تاريخنا .

 وبعد ربع قرن رأي المجمع أن يعود هذا الكرسي للأستاذ حسني سبح عام ستة وثمانين، وقد خلفه فيه الأستاذ سعيد الأفغاني ما بين عامي واحد وتسعين، وسبعة وتسعين، ثم الأستاذ إحسان النص منذ عام ألفين.

أما الكرسي الثاني فقد شغله الأستاذ عبد القادر المغربي منذ عام ثلاثة وثلاثين حتي عام تسعة وخمسين، وظل الكرسي ينادي سورية طيلة سنوات الوحدة وما أعقبها حتي عام ستة وثمانين حين أبي المجمعيون إلا أن يكون للأستاذ عدنان الخطيب مقعد من مقاعد العاملين لا المراسلين .. ومن الصدف أنك تجلس اليوم في هذا المقعد الذي استعاده عدنان الخطيب نفسه لسورية الحبيبة ، وخلفه فيه بعد عقد من الزمان سلفك في رئاسة مجمع سوريا الدكتور شاكر الفحام، الذي احتفل المجمع بتأبينه منذ أيام قلائل، وهكذا قدر لمقعدك ألا يخلو، فلا خلا ذلك المقعد، ولا غيب الله سوريا عن مقاعدها.

أما الدكتور هيثم الخياط فقد استحوذ له المجمع علي كرسي من كراسي المستعربين. وهكذا اصبح لسورية  ثلاثة مقاعد ،  والثلاثة قليل .

ايها الزميل الكريم

لا يستقيم أمر استقبالك من دون أن أعرض لك بعض ملامح تكوينك علي نحو ما فهمناها، مع أننا سنسمع منك بعد قليل رؤية أخري لهذا التكوين الذي بلغ بك ما بلغ من قبل، وهو تكوين جمع بين الهدوء والنضوج، كما جمع بين التمكن والنبوغ، وبين التأني والتأتي، فقد تلقيت تعليمك في سوريا فضفّرت فيه التعليم العربي بالتعليم الفرنسي، ونلت درجة البكالوريوس في فرع الفلسفة عام ثلاثة وأربعين (1943)، والتحقت بكلية الطب في جامعة دمشق فنلت شهادتها عام واحد وخمسين (1951)، وقد أتممت من عمر القرن ربعه، ثم تخصصت في جراحة الصدر من جامعة باريس عام خمسة وخمسين (1955)، وأبيت إلا أن تواصل دراستك للآداب حتي حصلت علي شهادتها من جامعة دمشق عام ثمانية وخمسين (1958) بعد سبع سنوات من حصولك علي شهادة الطب، وهكذا أتيح لك أن تجعل التاج مزدوجا بعدما ضفرت الساق.

ثم إنك أنفقت عقدا من الزمان حتي أهلت نفسك لموقعك الرفيع في الجامعة.

ثم عملت ربع قرن في هيئة التدريس بجامعة دمشق، تدرجت فيها حتي أصبحت أستاذا للجراحة و رئيسا لقسمها، ثم خرجت من بلادك في الشام لخدمة وطنك العربي في جزيرة العرب فقضيت في هذه الخدمة عقدين من الزمان، حيث عملت عشر سنوات (هي عقد الثمانينيات ) في جامعة الملك عبد العزيز أستاذا ورئيسا لقسم الجراحة ، وتوليت منصب مدير التعليم الطبي في جامعة الملك عبد العزيز أحد عشر سنة، كان منها عقد التسعينيات كله.

وفي أثناء هذا كله نال المجتمع العلمي خارج وطنك حظه من إسهاماتك ومشاركاتك، ورحب بك أستاذا وباحثا ومنظرا، وعملت ممتحنا خارجيا للجراحة في الكلية الملكية الأيرلندية ما بين العام الخامس والثمانين للقرن العشرين والعام المتمم للألف الثانية، كما ترأست تحرير مجلة كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز عام ثمانية وثمانين (1988).

أما في ميدان عملنا فقد بدأت منذ خمسة وأربعين عاما عملك المنهجي في المعجم الطبي الموحد، ولم تزل تبذل الجهد في إعانة هيئته العظيمة حتي صدر عام ثمانين في صورته التي تطورت إلي ما أصبح في أيدينا الآن من سفر جميل نضعه علي مكاتبنا وفي أعيننا.. به نحتفي، وفيه نحتمي.

 وقد وضعت كتابا في الألفاظ التي انتقلت إلي لغتنا من الإيطالية، وأظنك قادرا علي فعل ذلك مع كل لغة من اللغات التي أجدتها إجادة أبنائها النوابغ، لا معرفة أبنائها العوام، وأنت من القلائل الذين جمعوا العلم بفصيلتي اللغات اللاتينية والسكسونية، وها أنت اليوم تجمع عضويتي القاهرة ودمشق، كما أنك رئيس المجمع الأعرق، وكما أنك كنت من قبل نائبا لرئيسه.

ايها الزميل الكريم

إذا كانت فرنسا قد كرمتك فمنحتك لغتها، ونفحتك مهارتها، ثم قلدتك وسام الشرف برتبة فارس عام تسعة وسبعين (1979)، وبرتبة ضابط (1999)، فها هي مصر تهديك بعد عقد من الزمان أعلي أوسمتها بلا جدال وهو عضوية هذا المجمع، وإذا حظي يواتيني بأن أحمل إليك الوسام فأظهر في الصورة إلي جوارك، وما أنا إلا حامل المسك، فتقبل من مجمعنا ما أمسكه عن غيرك، وما توج بك أمسك، وما هو محتاج فيه منك لغدك وأمسك.

[ موضوع المدونة بالتفصيل في كتاب الدكتور محمد الجوادي : رؤساء المجامع اللغوية العربية  ،  مكتبة الشروق الدولية  ، القاهرة ، ٢٠١٤]

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com