الرئيسية / المكتبة الصحفية / مقالات الجزيرة / الجزيرة نت / الشيخ #حمزة_فتح_الله زعيم المحافظين.. أول من دعا إلى حقوق المرأة

الشيخ #حمزة_فتح_الله زعيم المحافظين.. أول من دعا إلى حقوق المرأة

نبدأ القول بأن الشيخ حمزة فتح الله المصري (1849 – 1918) هو نفسه الشيخ حمزة فتح الله التونسي، ووالده هو السيد حسين بن محمد شريف ولا تزال الادبيات في مصر وتونس تتقاسمان أبوته حتى إنه يلقب بالمصري تارة، وبالتونسي تارة أخرى، وباللقبين معا في اسمه الكامل، ومن الطريف أن توفيق الحكيم كان يروي اعتزاز والدته التركية بقرابتها لهذا العالم الجليل.

 

كان الأستاذ حمزة فتح الله هو رجل الدولة أو رجل الحكومة المعاصر لمجد الشيخ محمد عبده (1849 ــ 1905)،إذ أنه كان هو المسئول الثابت أو الموظف الكبير في وزارة المعارف في عهد اللمعان الساطع والحضور الطاغي للشيخ محمد عبده في الحياة العامة والقضاء والأزهر والإفتاء، وقد تفاوتت توجهاتهما بتفاوت منظورهما للحياة، فعلى حين اتخذ الشيخ محمد عبده قراره بالانضمام للثورة العرابية مؤخرا بعد ما كان معارضا لها فإن الشيخ حمزة فتح الله انحاز منذ حادثة ضرب مدافع الانجليز لمدينة الإسكندرية إلى الخديو توفيق، وأصبح بمثابة المتحدث باسم حكومته، وكلف بإصدار جريدة تدافع عن موقف الخديو.. وهكذا.

 

ومع هذا التمايز كله فإن الشيخ حمزة فتح الله يشترك مع الأستاذ الامام محمد عبده في ثلاثة أمور، أولها وأهمها أنهما كانا داعيين للإصلاح الاجتماعي وخصوصا فيما يتعلق بتعليم المرأة، وثانيهما، أنهما قضيا بعضا من حياتهما في تونس، وقد كان السبب في حالة الشيخ حمزة فتح الله أنه كان تونسي الأصل، وأنه عاد للعمل في تونس بعد أن أتم تعليمه في الأزهر وبقي مشتغلا بالصحافة في تونس 8 سنوات حتى دخلها الفرنسيون فتركها إلى مصر أما السبب في حالة الشيخ محمد عبده فكان معرفيا وحضاريا بعد أن أقام في باريس في بيروت وبلاد الشام عشية نفيه بعد الثورة العرابية، وثالثهما وأهونها أنهما ولدا في نفس العام على أرجح الأقوال، ودرسا في نفس الظروف تقريبا وعلى نفس الأساتذة وفي نفس الجو العلمي .

كان الأستاذ حمزة فتح الله شخصية علمية محافظة.. وكان في محافظته أقرب إلى الرجعية والأصولية، كما كان في مسلكه السياسي كذلك، حتى إنه كان من أبرز أعداء الثورة العرابية

نشأته وشبابه

ولد الشيخ حمزة فتح الله في الإسكندرية سنة 1849 من أب تونسي، ونشأ بها وتلقى تعليما دينيا وحفظ القرآن الكريم وانتظم في الدراسة في جامع إبراهيم باشا الذي كان بمثابة معهد ديني لا يقل شأن إتقان وتجويد تدريس العلم ومنهاجه عن مستواه في الأزهر، ثم أكمل دراسته بالأزهر الشريف. وعرف عنه في شبابه أنه كان يكثر من قراءة الأدب واللغة، ونظم الشعر، وتحرير الرسائل، وحفظ الغريب من الألفاظ العربية، ثم عاد إلى تونس، واختير (وكان لا يزال في منتصف العقد الثالث من عمره) محررًا في إحدى الصحف التونسية وهي جريدة «الرائد التونسي»، ومكث كما ذكرنا يمارس الكتابة السياسية في تونس حوالي ثماني سنوات قبل أن يدهمها الاحتلال الفرنسي (عام 1881).

كان أقرب للأصولية

كان الأستاذ حمزة فتح الله شخصية علمية محافظة.. وكان في محافظته أقرب إلى الرجعية والأصولية، كما كان في مسلكه السياسي كذلك، حتى إنه كان من أبرز أعداء الثورة العرابية، ومع هذا فان علمه واجتهاده وإخلاصه للعلم والفكر رفع مكانته إلى ما لم يحظ به غيره. !! وقد عرف على أنه عالم لغوي جليل، ومفكر وأديب كما كان عضوًا في كل الهيئات العلمية والمجامع اللغوية الأهلية التي نشأت قبل تأسيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

 

وصفه معاصروه بأنه كان فكه المحاضرة، صحيح العبارة، فصيح اللغة، وكان ذا ذاكرة مدهشة، يتميز بما نسميه القدرة على الاستدعاء فلا تحدث أمامه حادثة إلا روي فيها شعرا أو مثلا أو قصة. ووصف أيضا بأنه كان حليما رحيما، تقيا ورعا، لا تأخذه في الله لومة لائم، صالحا مهذبا، يميل إلى الصالحين من المعلمين، ويحارب مَنْ يشاع عنهم التهاون بشعائر الدين، وربما سعى في فصلهم من عملهم، فقد كان حريصا على إحاطة النشء بسياج من الفضيلة.

عودته إلى مصر ووقوفه مع الخديو

ترك الأستاذ حمزة فتح الله تونس عقب دخول الفرنسيين إليها كما ذكرنا وعاد إلى مصر قبيل الثورة العرابية، وانضم إلى الحزب الموالي للخديو توفيق، وكتب وخطب في تأييده، وعهد إليه بعد حادثة ضرب الإسكندرية بإصدار صحيفة تكون لسان حال الخديو، وتجذب الجماهير المتعلمة وغير المتعلمة إلى صف الخديو. وحرر جريدة «البرهان» ثم «الاعتدال»، وقد عين في وزارة المعارف ومكث قرابة ثلاثين عاما متنقلا بين وظائف التفتيش والتدريس حتى تولى منصب المفتش الأول للغة العربية (1910)، وهو أعلى المناصب في ذلك الحين، وقد مارس من خلال وظيفته ما كان يؤمن به من ضرورة العمل على تخليص اللغة العربية مما كان يصفه بأنه أدران العامية (!!)، والألفاظ الدخيلة، وفساد التراكيب، وعجمة الأساليب، فأخذ يرشد المعلمين إلى الصواب وإلى ما يصادفه من الخطأ الشائع .

كان الأستاذ حمزة فتح الله سباقًا إلى تطوير المعاجم المتاحة في المكتبة العربية، وقد قام من خلال منصبه في وزارة المعارف بمراجعة وتحقيق المعجم المشهور والمعروف منذ ذلك العهد «مختار الصحاح»

أول أساتذة الادب الرسميين في المدارس العليا

عهد إلى الأستاذ حمزة فتح الله بالتدريس في المدارس العليا: دار العلوم، والألسن (1910)، بالإضافة إلى مسئوليته الأولى عن تعليم اللغة العربية في وزارة المعارف، وقام بهذه المهمة خير قيام فتمكن مما نعرفه الان على انه وضع المناهج وانتقاء المختارات والنصوص وتقديم صورة لما عرف بعد ذلك على انه تاريخ الادب، فكان بهذا الأداء نموذجًا للأستاذ المتمكن من اللغة والأدب معًا، حتى إنه في هذه الفترة وصف بأنه أحيا بتدريسه وتأليفه ما اندثر من آثار السالفين كالجاحظ، والمبرد، والقالي، والمرتضي. ولما أحيل إلى المعاش استمر مشتغلا بالعلم حتى بعد أن كف بصره.

دوره في تطوير الدراسات والمعاجم المتاحة في المكتبة العربية

كان الإسهام الأكبر لحمزة فتح الله كان هو نهجه المكتمل أو ما عرف في وقته بأنه طريقته في وضع مناهج اللغة العربية في التعليم العام، وصياغة الميادين التي تتطرق إليها هذه المناهج على نحو ما نعرف الآن في وضع المقررات وتصميم المناهج ووضع المعايير، وقد مارس هذه المهمة باقتدار وذكاء مستعينًا بما أتيح له من التفتح على تجارب الآخرين، وقد ظل أثره في مناهج اللغة العربية مستمرًا حتى جاء عهد المعاهد العليا ثم الجامعة فأثّرت هذه المدارس العليا والكليات أن تنقل عنه بلا أي حرج كثيرا من طرقه الخاصة في تدريس اللغة العربية.

 

كان الأستاذ حمزة فتح الله سباقًا إلى تطوير المعاجم المتاحة في المكتبة العربية، وقد قام من خلال منصبه في وزارة المعارف بمراجعة وتحقيق المعجم المشهور والمعروف منذ ذلك العهد «مختار الصحاح»، واشتهرت (إلى حد كبير جدا )هذه الطبعة من طبعات مختار الصحاح التي كانت وزارة المعارف توزعها على طلابها، وبالإضافة إلى هذا فقد تولى تصحيح معجم آخر هو المصباح المنير للفيومي.

تعصبه للعربية ولقاءاته بالمستشرقين

كانت لحمزة فتح الله عناية معروفة بالبحث في الألفاظ غير العربية في القرآن الكريم، أما عنايته بأفضلية العرب والعروبة، فقد تبدت في بحثه عما للعرب من الفصائل والمعارف، سواء كان هذا في عصر الجاهلية أم في الإسلام. كان الأستاذ حمزة فتح الله متعصبا أشد العصبية للعرب والعربية، وكان يرى أن «الله قد خصهما بكل مزية، وأن جميع ما يتجدد من أنواع المدنية الحديثة قد سبق إلى نوعه العرب، وأن لاسمه مرادفا في لغتهم(!!) وقد ظهرت هذه الفكرة بوضوح في كتابه الشهير «المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية»، وهو الكِتاب الذي يشير إليه الكتاب والمتحدثون عنه اختصارا بأنه «مواهبه»، حتى إنه إذا أطلق لفظ المواهب على كتاب عرف أن المقصود هو كتاب «المواهب الفتحية»، وفيما يبدو لي فقد كان الأستاذ حمزة فتح الله في تسميته لكتابه ينهج نهج عبد الله فكري باشا في كتابه ” الفوائد الفكرية ” وذلك مع اختلاف نافذتيهما المعرفية .

 

وفي أثناء عمل الأستاذ حمزة فتح الله في وزارة المعارف ندبته الحكومة مرتين لتمثيل مصر في مؤتمرات المستشرقين، كانت الأولى إلى مؤتمر فيينا عام 1886، وكانت الثانية إلى مؤتمر استوكهولم عام 1889، وقد رافق فيها عبد الله فكري باشا وابنه محمد أمين فكري باشا في رحلتهم الشهيرة التي سجلها محمد أمين فكري في كتابه «إرشاد الألبّا إلى محاسن أوروبا»،

دعوته لتحرير المرأة

يرى بعض المؤرخين أن الأستاذ حمزة فتح الله كان أول داعية إلى إعطاء المرأة حقوقًا مساوية لحقوق الرجل، ولا شك في أن كتابه «باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام» من الكتابات المبكرة في هذا الموضوع. وقد حقق الأستاذ أبو القاسم كرو تاريخ دوره الاجتماعي من حيث كان رائدًا تونسيًا في تحرير المرأة بكتابه وذكر أنه كان أسبق من قاسم أمين بعشر سنوات من حيث الكتابة، وزهاء ثماني سنوات من حيث الطبع، فهو في الأصل محاضرة مطولة ألقاها باسم مصر في مؤتمر المستشرقين باستكهولم عام 1889، وقد تلاه الجزائري محمد بن مصطفى الخوجة بكتابه «الاكتراث في حقوق الإناث»، وقد طبع سنة 1895، وتمت ترجمته إلى الفرنسية.

شعره ونثره

يرى الدكتور ضاحي عبد الباقي أن شعر الأستاذ حمزة فتح الله كان بدوي الطابع من حيث ألفاظه ومعانيه، وتراكيبه، وأساليبه، وتشبيهاته، واستعاراته، «ولم نر له شعرا مدونا إلا قصيدته البائية التي اختتم بها مؤتمر العلوم الشرقية (المستشرقين) المنعقد باستكهولم (أواخر 1889)، أما نثر حمزة فتح الله فقد كان لا يلتزم فيه طريقة واحدة، بل تارة تكون سهلة يكثر فيها السجع، وإن لم يلتزم به غالبا، وآونة تكون ضخمة الألفاظ غريبتها، عليها طابع التكلف، وأكثر ما كان ذلك في توقيعاته وهو فن أدبي اندثر مع الزمن .

آثاره:

– «مراجعة وتحقيق مختار الصحاح» في طبعته التي لا تزال توزعها وزارات المعارف حتى الآن .

– «تصحيح المصباح المنير للفيومي».

– «المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية».(جزءان)،

– «باكورة الكلام عن حقوق المرأة في الإسلام».- «بحث عما للعرب جاهلية وإسلاما من الفضائل والمعارف».

– «التحفة السنية في التواريخ العربية».

– «العقود الدرية في العقائد التوحيدية» وقد قررتها وزارة المعارف على تلاميذ المدارس الابتدائية.

– رسالة في الكلمات غير العربية الواقعة في القرآن الكريم – طبع بولاق 1902 (في 17 صفحة)

– ورسالة في الترجمة والتعريب.

قصائده الكبرى

·     قصيدة دالية ختم بها مؤتمر المجمع العلمي الشرقي بفيينا – مطبوعة في دار الكتب المصرية، في كتيب – نوفمبر 1886 –

·     قصيدة رائية ودع فيها فيينا وأهلها ١٨٨٦ .

·     قصيدة بائية ألقاها في ختام مؤتمر استكهولم عام 1889، وهي في مدح ملك السويد والنرويج (تتجاوز مائة وخمسة عشر بيتًا).

مختارات من قصيدته ” حمد السُّرى”
…………………………….

كشّافِ معضلةٍ مُغْرى بمكرمةٍ / شهمٍ أخي نَهَمٍ في المجد رغّاب

ونضَّرَ اللهُ وجهَ العِيسِ كم حملَتْ / للمجد في البِيد من جابٍ ومُجْتاب

………………………

إنَّ الأعاريبَ هم كلُّ الكرام وإن / دارتْ رَحَى المجد كانوا خيرَ أقطاب

أما درى من لَـحاني في محبَّتهم / أن المها خُلقتْ في زِيِّ أعراب

………………………

أغرى عذولي وأغراني بنظرته / فاعجبْ له كيف أغراني وأغرى بي

وهو الذي إن كتمتُ الحب باح به / وهو الذي في شراك الحب ألقى بي

مختارات من قصيدته طِلابُ العُلا
أُحُيْلَى اللقا يا عَزُّ أوْبَةُ ذي بُعْدِ / وأشهى الهوى وصلٌ يكون على صَدِّ

………………………

وإنَّ اغترابي عنك ليس بضائري / وليس لحُرٍّ عن مراديَ مِنْ بُدّ

وقد عرفتْ قومي الأُلى تعرفينَهم / مَضائي بفضل الله في بُغْيَة المجد

………………………

وعزميَ فيها ليس يَنْبو حسامُه / إذا ما نَبا عن صَوْبه المرهفُ الهندي

وُجُودي لها وقفٌ كوَجدي بنَيْلها / وما كُفْؤُها مني وُجودٌ ولا وَجْدي

ولو لم يَهِمْ قبلي بها ذو فُتوَّةٍ / بهذي الدُّنا يومًا لَهِمتُ بها وَحدي

وفاته

توفي الأستاذ حمزة فتح الله سنة 1918.

 

 

 

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com