الرئيسية / المكتبة الصحفية / ذكريات باريس 2010

ذكريات باريس 2010

باريس هي الجنة الجانية لا الحانية

ليس في وسع باريس أن تجعل كل أهلها سعداء بها، ذلك أن السعادة العابرة التي نعيشها ونحسها ونحن نزور باريس ليست مدداً لا ينقطع، وليست طاقة تتجدد، لكنها في واقع الأمر محصلة اجتهاد وشقاء وجدٍ في سبيلها، وليس من السهل على كل مَنْ يشارك في صنع السعادة أن يشعر هو الآخر بها، فالنفس البشرية ملولة بطبعها، والنفس البشرية تستكثر على غيرها أن يستمتع بما شقيت هي فيه، وهكذا فإن في وسعك أن تتصور هؤلاء الذين هيأوا لك كل هذه السعادة الباريسية وهم راضون بما كسبوا من ورائك، لكنك لا تستطيع أن تجزم بأنهم سعداء بما فعلوا، أو أنهم سعداء بسعادتك، ربما يسعدون لأنهم نجحوا في أداء وظيفة، لكن سعادتهم بأنفسهم قد تقف عند حدود، ولهذا فإنك ترى أناسا كثيرين يعيشون في باريس وهم ضجرون متضجرون، وتسألهم أما يكفيهم أنهم يعيشون في باريس، فإذا هم يخبرونك بكل صراحة بأنهم يعرفون قيمة هذه الجنة التي يعيشون فيها، لكنهم يظنون أنفسهم مستحقون  لاستمتاع أكثر بالجنة.

ولهذا فإنك تستطيع أن تتوقع من الباريسيين حالات من الإحباط، وحالات من العنف، وحالات من القتل المبرر، وحالات من الجريمة المنظمة، وأنت تسمع تفصيلات هذا كله وتقلب شفاهك على هؤلاء الذين تجبرهم جيناتهم البشرية التي ورثوها من لدن آدم عليه السلام على أن يخرجوا أنفسهم بأنفسهم من الجنة!

لكنك تعود وتقول إن باريس هي الجنة الجانية على هؤلاء جميعا، إنها تدفعهم دفعاً إلى هذا السلوك الذي يجعلهم ينتقمون من أنفسهم، أو يظلمون هذه الأنفس، بينما تفيد باريس نفسها من هذا الجو الذي يخلي الضعفاء من طريقها ومن طرقاتها ويستبقي لها الأقوياء القادرين عليها، وعلى حياتها، وعلى متطلباتها.

كأني بك تريد أن تقول إن باريس الحسناء تشبه قطة جميلة لكنها شأن القطط تأكل بعض بنيها في لحظات فاصلة، وأنا أوافقك على مثل هذا التشبيه الصادق، وإن لم يكن جميلاً في حق هذه القطة الجميلة.

وأعود لأقول لك باختصار شديد إن باريس جنة جانية وليست جنة حانية.

الجديد في باريس يحتاج ضعف عمر الإنسان

لا يمل الإنسان من باريس.

هل لأنه يري جديدا فيها كل يوم …؟

أم أن ما فيها يحتاج من الأيام ضعف ما هو متاح من أيام في عمر الإنسان؟

هذا صحيح، وهذا صحيح، لكن هذا لا ينفي حقيقة أخرى، وهي أن الإنسان لن يكف عن التأمل فيما فعله الباريسيون والفرنسيون من أجل فرنسا، فعنايتهم بكل شيء حتى يبدو جميلا وساحرا تلفت النظر، وتجعل الطموحين إلى التقدم والرقي يتأملون عن كثب أسلوب هؤلاء القوم في ترقية مدينتهم كي تكون على هذا النحو الذي هي عليه.

أضرب لك مثلا  واحدا بهذه  الإطارات الحديدية التي تحيط بالأشجار عند خروجها من أرصفة الطرق بحيث تعطيها إطاراً جميلاً، وفرصة للري الدوري، هذه الحدائد الكبيرة الثقيلة مصممة بحيث تتيح لساق الشجرة أن يخرج من خلالها، بينما الحديد الصلب  يحمي الساق من كل جانب، تتأمل هذا الحديد فتجد الباريسيين قد شكلوه على هيئة هندسية جميلة، ثم تتأمل هذا الحديد فتجده أصيلا ثقيلا، كبير الحجم، متميز الكيان، ثم تتأمله وأنت تستحضر أزمات مصر المفتعلة فتجد أنه يصعب على أحد أن يرفعه من مكانه ليأخذه بعيدا إلي حيث يعاد صهره على نحو ما يفعل الناس في بلادنا تحت إلحاح مصانع الصلب على إعادة استخدام وتصنيع الحديد القديم!!

هل أصاب همنجواي بقوله: باريس وليمة فاخرة؟

هل كان أرنست همنجواي مصيبا حين قال: إن باريس وليمة فاخرة؟

أعتقد أن همنجواي لم يف باريس حقها، ذلك أن باريس أكبر بكثير من أن تكون وليمة فاخرة لأسباب عديدة، أولا: فهي باقية، ولا تنتهي بانتهاء الطعام على نحو ما تنتهي الوجبات، وثانيا: فإنها تتطلب من الحواس أكثر بكثير مما يحتاج إليه الطعام الجيد.. إنها تتطلب السمع والبصر والفؤاد، وتتطلب أيضا أن تلمس كثيرا من مفرداتها بيديك، وتتطلب أيضا أن تسعى فيها لأن الصورة وحدها لا تمثل لك الطبيعة الجميلة على نحو ما تتصور هذه الطبيعة، وأنت تقترب منها رويدا رويدا فتراها من على البعد جميلة، ثم من قريب فتراها أجمل، ثم تقترب أكثر وأكثر فتجدها أجمل وأجمل، حتى إذا ما أصبحت بين يديك أو أصبحت أنت بين يديها وجدت الجمال كله.

باريس تظن نفسها مسئولة عن رغبات زوارها

هل يغني باريس أو يعنيها إذاً أن يقال عنها إنها مدينة لكل العصور، أو لكل الأذواق؟

أغلب ظني أن باريس لا تسعد بهذا الوصف ولا بذاك، وإنما هي تظن نفسها أنها أكبر من ذلك، وإن كانت تعرف أيضا أن عليها أن تبدو وكأنها تهيأت لأن تكون مدينة لكل عصر، وكل ذوق، ولهذا فإنها في كل اختيار تصادفه تعمد إلى أن تكون باختصار شديد ملبية للرغبة لا قامعة لها، فإذا وقعت أسيرا لفكرة البحث عن جو من الأجواء فأغلب الظن أنك ستجده رغم أنك تعرف أن هذا الجو الذي تبحث عنه كان موجودا في وطنك، لكن عباقرة وطنك منعوه أو حجبوه أو أنهوه ورفعوا لهذا المنع أسبابا بدت وجيهة.

تخيل أنك تبحث عن الشيشة في باريس فإذا أنت تجدها بينما محافظ  اقليمك قد منعها (!) في مدينتك ، وهنا تأتي المفارقة، فالباريسيون لا يدخنون الشيشة، وإذا جاز أن بينهم مَنْ يدخنها فإن نسبة هؤلاء لا تبلغ واحدا على خمسين من نسبتهم في مدينتك، والباريسيون لا يحبون للهواء أن يتلوث ولا للأبدان أن تتأذى بالتدخين الإيجابي أو السلبي، لكنهم مع كل هذا يجدون السبيل لأن يخصصوا أماكن بعينها لمثل هذه الرغبة حتى لو كانوا يرونها (كما تراها أنت) رغبة شريرة، وهم يؤهلون مثل هذه الأماكن بما يضمن تقليل الآثار السيئة الناشئة عنها أو إلغائها.

الانتصار لفكرة الماكيت

وفي كل ميدان تجد عناية ظاهرة يتمها أهل باريس بذكاء خارق، فهم لا يحفرون الأرض من أجل شكل جديد، لكنهم يشكلون ما يريدون بعيدا بعيدا على ماكيتات ذكية ثم يأتون به إلى أرض الواقع، و ذلك على نحو ما يروى من أنهم فعلوه حين أقاموا ذلك البرج العظيم «برج إيفل» وجاءوا بقطع الحديد التي يتكون منها فركبوها دون أن يجدوا خطأ واحداً في أطوال أو توجه أي قطعة من هذه القطع الكثيرة.

ويبدو أن هذا الأسلوب التنفيذي المتميز لايزال يصبغ عمل أهل باريس، وعلى سبيل المثال فإنهم إذا أرادوا أن يكتبوا كلمة أو جملة بالزهور كتابة كبيرة في ميدان كبير، فإنهم لا يزرعون أرض الميدان ولا يحرثونها، وهم لا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها في الميدان،وإنما يرسمون ما يريدون على ماكيت ويتصورون مكان كل زهرية من زهريات الورود، ويعطون لكل زهرية رقما حسب موقعها في خطوط الطول والعرض، أو ما نسميه في علوم الرياضة بالإحداثيات السينية والصادية، ثم يأتون بهذه الزهريات الكبري ويرصونها رصا، فإذا هي تخرج لهم الرمز الذي أرادوه، أو الكلمة التي يريدونها، أو الجملة التي صاغوها.

وربما يقتضي هذا بالطبع أن تكون هناك زهريات أعلى من أخواتها، وليس هذا بالأمر الصعب إذا ما لجأت البلدية إلى أطوال مختلفة من الزهريات، وإلى أحجام مختلفة مها، وهم يؤدون مثل هذا الأداء مرارا وتكرارا دون أن يملوا، ودون أن يفسدوا ما ورثوه من معمار جميل، ومن رصف متين.

لو لم تكن قاسية ما احتفظت برونقها

هل باريس قاسية؟

هل هي قاسية على أهلها؟

هل هي قاسية على زوارها؟

هل هي قاسية على الدوام؟

 هل هي قاسية لأنها جميلة وفاتنة ولابد لها من القسوة؟

أسئلة لاتزال ترد بخاطر الكثيرين الذين يمرون بباريس، والذين يعيشون فيها على حد سواء، لكن أحداً منهم لا يستطيع أن يصوغ دفاعاً عن باريس ينفي عنها طبيعة القسوة، كل ما نستطيع قوله نحن الذين نحب باريس هو أن نقدم أسباباً تبرر هذه القسوة من قبيل قولنا إنه لابد منها لأنها لو لم تكن قاسية ما احتفظت بكل هذا الرونق، فكيف يمكن لها أن تتسع لكل الذين يحبونها وتتركهم على حرياتهم فإذا هم يحيلونها قاهرة أخرى؟ إنها لابد أن تصفي هؤلاء وأن تختصرهم في عدد لا يجعلها مختنقة مكدسة، ولهذا فهي تجري بينهم مزاداً صعباً، ولا تترك في قلبها إلا مَنْ تمكن من أن يدفع ثمناً لبقائه فيها، أو لبياته فيها، أما الذين يعجزون عن تلبية أسعار الفنادق والمساكن الباريسية فعليهم أن يلجأوا إلى غيرها.

لعلك تحاورني وتقول: فماذا تفعل باريس إذا كثر القادرون على مهرها وجاءوا جميعا!؟  تعرف أنت بالطبع الجواب، وهو أن أماكن باريس المحدودة (على كثرتها وعلى سعتها) محجوزة مقدماً، وليس في وسعك أن تجد فيها مأوي بلا حدود، إنما هي أرقام كبيرة لكنها محددة، وإذا ازدحم الناس على هذه الأماكن أجريت بينهم قرعات المزايدة حتى لو اقتضي الأمر أن يدفع الأكثر احتياجا والأكثر قدرة لمن هو أقل منه قدرة واحتياجا تعويضاً عن المكان الذي حجزه من قبل كي يستأثر هو به!! بل إن هذا يحدث في المطارات على خطوط الطيران، وفي الفنادق، وفي كل شيء محجوز في باريس، لكن أحداً لا يستطيع أن يكسر هذه القواعد فيضع شخصين أو ثلاثة في الحيز المخصص لشخص واحد على نحو ما نفعل في جامعاتنا، وفي كثير من مرافقنا!!

هل الباريسيون أثرياء

ربما عنّ لكثير من الزوار سؤال مهم عن ثراء الباريسيين، وهل يمتلك هؤلاء الباريسيون جميعا ما يمكنهم من الاستمتاع بكل هذه المباهج التي من حولهم؟

والسؤال وجيه، وإن كانت إجابته معروفة سلفا، وهي أن الباريسيين أغنياء وفقراء، وأن عدد الفقراء الباريسيين يفوق عدد الباريسيين الأغنياء، لكن الذي لا شك فيه أن كل فقير من هؤلاء الفقراء يجد متعة في اقترابه من هذه المباهج، لا تقل لي ما يقوله بعض أهل الفطرة السذج لأنفسهم إنه يكفيهم أن يروا آثار السعادة على وجوه مَنْ يمرون بهم، أو آثار البهجة على مَنْ يأتون إليهم، أو آثار الحزن لفراق هذه المغاني الجميلة.

 لكن ذلك كله لا يمثل الحقيقة التي يعرفها الناس جميعا، وهي أن الوصول إلى مكانة متقدمة في العاصمة الفرنسية لا يتاح لكل مَنْ يقصدها:

  • فهناك مَنْ تقف مواهبه أو حظوظه عند حدود الدائرة الأولى من باريس، أي عند حدود تلك الدائرة التي تصلح تذكرة المترو البسيطة للتحرك فيها (على نحو ما يتعارف سكان باريس الذين يستعملون المترو)
  • وهناك مَنْ تقف مواهبهم أو حظوظهم عند حدود الدائرة الثانية، أي عند حدود الضواحي الباريسية التي هي من باريس معنى، وإن لم تكن من باريس اسما، لكن اتصالها بقلب العاصمة ميسر بفضل قطارات الضواحي (آر آي آر)،
  • وهناك من تطوح بهم الأقدار خارج هذه الدائرة وتلك ليعيشوا بالقرب من باريس في إحدى المحافظات السبعة التي تحيط بباريس من جميع النواحي
  • وهناك بالطبع مَنْ تقف حظوظهم دون أن ينالوا أي درجة من هذه الدرجات الثلاث، وهؤلاء كثيرون.

لكل فندق قصة

يضع الباريسون أعينهم على مكانة فنادقهم بين فنادق العالم، وهم لا يهتمون بالطبع بأن يكون في بلادهم أكبر فندق في العالم، أو أعلى فندق، فهم يعرفون أن بلادهم نفسها هي أكبر فندق في العالم، لكنهم يضعون أعينهم على كتب المعايير الدولية من قبيل دليل ميشلين الأشهر للمطاعم وتصنيفها.

وإذا كان لابد لي أن أحدثك عن فندق من الفنادق الباريسية فإني أرى فندق جورج الخامس يتراءى أمام ناظري لأسباب كثيرة، أولها أن أستاذنا التابعي، ومن بعده تلميذه وصديقه وراويته أستاذنا مصطفي أمين، قد أكثرا من الحديث عن حب التابعي للإقامة في هذا الفندق.

ثانيها، وربما كان هو السبب في أولها، أن ساسة العالم في زمن الحرب العالمية الثانية كانوا يقيمون في هذا الفندق حتى إن الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وكان لايزال قائدا لقوات الحلفاء، اتخذ من الفندق مقرا لقيادة هذه القوات أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحرير باريس، وهكذا كان يتردد على هذا الفندق كل مَنْ كانت له صلة بالحلفاء.

ثالثها أن هذا الفندق هو الرمز الأمثل للصفاء البريطاني ـ الفرنسي على الرغم من ندرة هذا الصفاء، بل استحالته في نظر الكثيرين، ولا يتجلى هذا الصفاء في اسم الفندق المنسوب إلى الملك جورج الخامس فحسب، لكنه يتجلى أيضا في ديكوره، وطابعه الفرنسي ـ البريطاني الذي لا يستطيع أن يتصف بجنسية من الجنسيتين دون الأخرى. أضف إلى هذا أن محطة المترو سميت باسمه، وأن المنطقة كلها أصبحت تحمل اسم جورج الخامس وأشهر ما في المنطقة بالطبع هو مقهى جورج الخامس.

رابعها أن هذا الفندق قد أصبح الآن جزءا من المملكة أو فلنقل من الممتلكات العربية في أوروبا، حيث يمتلك الأمير الوليد بن طلال حصة كبيرة في الشركة المالكة له.

فندق جورج الخامس

ولكن عن أي شيء أحدثك في هذا الفندق؟

دعني أحدثك عما يصوره مديروه من عناية بنزلائه إلى حد أن يقولوا إن لكل نزيل ثلاثة من العاملين، وليس معنى هذا بالطبع أن هناك ثلاثة من العاملين يقفون حول النزيل ليقولوا له: شبيك لبيك، ولكن معنى هذا كما نعرف أن عدد العاملين في الفندق، بمن فيهم المدير والإداريون، يبلغون ثلاثة أضعاف طاقته الاستيعابية من النزلاء.

لكن هذا الرقم ليس هو المهم في نظري، فالأهم منه هو أن هذا الفندق لا يقف عند حدود طباخه الأشهر وحده، وإنما يضم معه سبعين طباخا من خيرة الطباخين.

تسألني بالطبع عن سعة هذا الفندق الذي كان الأستاذ التابعي يذهب إليه فيجد الجناح الملكي فيه مشغولا على نحو ما كان يروي مصطفى أمين، فأقول لك إن الفندق لا يضم جناحا واحدا لكنه يضم 59 جناحا من بين حجراته البالغ عددها 245 غرفة، يأتي إليها المشاهير من الفنانين، ثم يتجولون على أقدامهم حتى يصلوا الى مقهى جورج الخامس على ناصية الشانزليزيه فيجلسون وراء الزجاج فيسعد المارة بأنهم رأوهم رأي العين.

هل تظن ياسيدي أن أثرياء العرب وحدهم هم الذين يقيمون في مثل هذا الفندق؟ أفاجئك ياسيدي بما نشرته جريدة «الحياة» في عدد من أعدادها في عام 2006 حين ذكرت أن نسبة النزلاء من العرب في هذا الفندق لا تتعدي 8%.

روتين البرامج السياحية

 أما مزارات باريس التقليدية في السنوات التي نعيشها الآن فلا تكاد تحصى، لكن البرامج السياحية تركز على عدد تقليدي منها حتى باتت وكأنها روتين واجب:

  • سفينة الباتوموشي التي تمخر عباب نهر السين مرورا بمعالم باريس.
  • جامع باريس واللوفر وقوس النصر والشانزلزيه وفرساي وإيفل والبانثيون والانفاليد والباستيل وفرساي واللوكسمبورج والساكركير والنوتردام، والسوربون والجمعية الوطنية، وقصر العدالة وقصر البوربون.
  • أما مسلة الكونكورد فهي قائمة أمام عينيك دون زيارة، وكأنها تمثل مصر الموجودة بفضل الله أمام الأعين على الدوام.
  • ولابد لهواة اللهو من سهرة في احياء اللهو.
  • ثم ان لك ان تنطلق من باريس:
  • فلابد من زيارة ديزني لاند الأوروبية أيضا.
  • وإذا كان هناك وقت أكثر فإلى مونت كارلو، وشواطئ الكوت د ازور.

قطعة من أراضي العرب

 ومن معالم باريس العربية التي يدعوك إليها العرب إذا أرادوا أن يثبتوا لك أنهم يعيشون في بلد عربي أحياء كثيرة منها بولفار لا شابيل في شمال باريس حيث يقطن عرب كثيرون وقد نقلوا نمط الحياة العربية الي باريس بكل ما فيه من سمات..

وبالاضافة الى الأحياء والشوارع العربية تجد كثيرا من المطاعم والمقاهي التي تنتمي بما تقدمه إلى أقطارها .

 وقل مثل هذا في المكتبات العربية التي تزداد عددا وتنوعا.

مكلفة لكنها تفي بطموحات الفقراء

يشعر زوار باريس في الألفية الثالثة بأن الحياة فيها أصبحت مكلفة إلى أبعد الحدود، لكنها في الوقت نفسه لاتزال قادرة على أن تستوعب الفقراء والمدبرين لأمورهم، لكن مثل هذا التأقلم يقتضي قدرا معقولا من المعرفة، وقدرا معقولا من الإرادة.

وفي وسعك إذا أردت أن تصدم أحد المتحذلقين بأسعار باريس أن تأخذه إلى محل بالي في الشانزلزيه، وهو في المبني رقم 146 من الشانزليزيه، وستجد أسعار الأحذية فوق الخمسمائة يورو، وحتى تكون في الصورة تماما فإني أدلك على أن هذا المحل شأن محلات فرنسا أو باريس (على وجه الخصوص) يعمل من العاشرة حتى السابعة فيما عدا يوم الأحد، وإذا أردت أن تعرف ثمن أرخص حذاء فيه فإنه في حدود المائتين وخمسين يورو، وبالي الفرنسية شركة مساهمة لها علاقة بالطبع ببالي السويسرية.

وإذا أردت أن تواصل تخويف صديق متحذلق فعليك أن تذهب به إلى محل مجاور لنادي البيرة في الشانزليزيه حيث يعرض نوعا من الملابس الحريرية التي يزعم أهل المحل أن أحداً غيرهم لا ينتجها ولا يعرف الطريق إلى قماشها، وفي هذا الحال فإن سعر البنطلون الواحد يبدأ من 900 يورو، أما البدلة فيدور سعرها حول رقم الخمسة آلاف يورو.

أنا أعرف أنك تعرف أن بعض محلات القاهرة تعرض وتبيع بأسعار أعلى من هذه الأرقام بكثير، لكن هذه المحلات القاهرية لا تجاهر بهذا في شارع يمر به كل الناس كشارع الشانزليزيه، وإنما هي تمارس هذا البيع من وراء زجاج، ودون أن تعلن هذه الأسعار بأحرف كبيرة، وبكل هذه الصراحة والوضوح.. وربما الاستفزاز.

تكلفة العقار

دعك من أسعار الملابس والأزياء التي يمكن لك أن تجد منها درجات مختلفة، وتعال نناقش بعض أسعار العقارات التي تمثل في نظر بعض الاقتصاديين مؤشراً للحديث عن مدى الرواج الاقتصادي، وعن مدى الغلاء أيضاً.

 والواقع أن العقار في باريس وفي كثير من المدن الأوروبية قد شهد طفرة غير مسبوقة في أسعاره، وعلى سبيل المثال فهذه شقة في حي الديفانس كانت تساوي 80 ألف يورو في مطلع الألفية الثالثة، ثم اشترتها الأسرة الصديقة بمائة وعشرين ألف يورو منذ خمسة أعوام، ثم أصبحت الآن تساوي مائتين وأربعين ألف يورو، والشقة ثمانون مترا ولها واجهتان. وبها حجرتان للنوم واستقبال واسع وحمام ومطبخ، والمطبخ لا يزيد على متر ونصف عرضا وأربعة أمتار طولا، لكن به دواليب كثيرة، وكذلك للشقة دواليب كثيرة في الحائط.

أما الاشتراك في الجراج، وهو أمر لابد منه في حي الديفانس (النيويوركي الطابع، أو فلنقل إنه قاهري الطابع مع كثير من الرقي والنظام)، فإنه يكلف 125 يورو في الشهر، وهو أربعة أدوار، وهكذا تتحرك العائلة الصديقة من الطابق السابع السكني إلي الطابق الأرضي ثم يخرجون من مدخل العمارة أو البرج إلى هذا الشارع الذي لايمكن وصفه إلا بأنه شارع صناعي وذلك أنه شارع خرساني علوي، صحيح أنه عريض وممتد وبه جزيرة بها زهور، لكنه صناعي، ومن هذا الشارع الصناعي الكبير ينزلون بالمصاعد إلي حيث تركوا سياراتهم في الدور الرابع تحت الأرض.

شقة ترى السين

وهذه الشقة حسب تعبير التسويق العقاري المصري المبتكر تري نهر «السين» من شرفتها، لكنها لا تراه مباشرة وإنما تراه بعد أن تري عمارة أخرى إدارية بينها وبينه، وهي في المنطقة الأولي من مناطق حي الدفاع، وهو حي ذو مناطق كثيرة أذكر منها الدفاع 6 حيث يقع فندق سوفتيل الذي أقمت فيه في مايو 2006.

مدينة تجدد الذكريات

لاتزال باريس تزدحم في ساعات العمل، ويصبح زحامها قاسياً في بعض هذه الساعات، وهي لا ترحم الذين لا يجدون ما ينفقون، كما أنها لا ترحم الذين لا يحددون ما يريدون ولا الذين لا يعرفون ما عليهم أن يفعلوا، لكن باريس مع هذا تزداد فتنة مع الأيام، وأهلها ومسئولوها يعتبرونها بيتا صغيرا لكل منهم يعنون به عناية خاصة، ويظهرون أوجه هذه العناية كلما سنحت فرصة:

فهذه ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهم لهذا يضعون في الاحتفال بهذه النهاية السعيدة المنصات العريضة في الميادين الكبيرة ويرصون عليها الزهور المبتهجة والمبهجة، وينيرون الدنيا كلها بأنوار خاصة.

وهذه ذكرى ثقافية تخص عالمنا العربي (ولا تكاد تذكر في أوطاننا) فإذا هم يحولون الأنوار شيئا رومانسيا، كأنما الدنيا مطفأة كلها وينبعث فيها نور أبيض يرمز إلى المعرفة ودورها في إنارة العقول.

 

النص الكامل :  كتاب الدكتور محمد الجوادي ، باريس الرائعة ، مكتبة الشروق الدولية 2014

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com