الرئيسية / المكتبة الصحفية / الشيخ حسن الطويل التجسيد المبكر لفكرة القدوة في الإصلاح الاجتماعي

الشيخ حسن الطويل التجسيد المبكر لفكرة القدوة في الإصلاح الاجتماعي

ــ 1 ــ

الشيخ حسن الطويل ١٨٣٤-١٨٩٩ علم من أعلام القرن التاسع عشر ولهذا نكتب اسمه على نحو ما كانوا يكتبونه : حسن بن أحمد علي الطويل، وكان يكني بأبي محمد.

هو واحد من كبار علماء المالكية ، كان يحظى باحترام كبير في أوساط المثقفين والعامة على حد سواء ، وكان صاحب تأثير علمي ضخم بل جبار على عدد كبير من العلماء الذين كانوا تلاميذ له في الأزهر ودار العلوم.

كان الشيخ حسن الطويل عالمًا وأستاذًا موهوبا، وكان حجة في كثير من الفنون، وبخاصة العلوم الرياضية التي لم يكن الجمع بينها وبين علوم الدين شائعاً، وكان يعرف أيضا بعض اللغات الأجنبية، وكان تكوينه العلمى على هذا النحو نادرا بين أقرانه من أساتذة جيله.

 جمع الشيخ حسن الطويل بين العلم بالفقه والعلم الموسوعي وممارسة الصوفية، كما مارس السياسة في مصر وخارجها على نحو قوي وشجاع .

وهكذا اجتمع له ما ندر اجتماعه فكان قدوة ونبراسا ورمزا من رموز إصلاح المجتمع بالدين والتربية.

عرف للشيخ حسن الطويل موقف سياسي بارز حينما أعلن عن تأييده للسيد المهدي في السودان بعد ما أعلن المهدي عداوته للإنجليز وحقق انتصارات متوالية، وقد أغضب هذا الموقف سلطات الاحتلال الإنجليزي، وجعلها تضعه تحت مراقبة شديدة.

ــ 2 ــ

ولد الشيخ حسن الطويل في منية شهالة محافظة المنوفية على الأشهر عام 1834م، بينما يذكر الشيخ بشير الظافر في كتابه «اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة» أنه ولد سنة 1256هـ (= 1840م)، وتذكر مصادر أخرى تواريخ متعددة بين هذين التاريخين.

تلقى الشيخ حسن الطويل تعليما دينيا تقليديا بدأه بالكتاب حيث قرأ القرآن الكريم وحفظه، ثم انتقل إلى طنطا وهو صغير، وقضى في الدراسة بالمسجد الأحمدي نحو سنتين أو ثلاث سنوات ، وشارك في الحلقات التي كانت تعلم تجويد القرآن، كما حفظ عددا من المتون الأزهرية، وذلك على عادة نظام التعليم الأزهري في ذلك الوقت.

 ثم انتقل إلى القاهرة وانتظم في طلب العلم بالجامع الأزهر، وفيه درس على مجموعة من المشايخ الكبار كان منهم المشايخ: محمد عليش المالكي، وحسن العدوي الحمزاوي، وإبراهيم السقا، ومحمد الأشموني، ومحمد الإنبابي، وأحمد شرف الدين المرصفي، وقد ظهرت عليه النجابة، وكان يتمتع بحيوية فكرية وعلمية دفعته إلى مناقشة الشيوخ في الدروس.

ــ 3 ــ

ثم كان من حظ الشيخ حسن الطويل الحرج أن صادفه قانون من القوانين الهوائية الطارئة فقضى عليه هذا القانون بالانقطاع عن الدراسة في الأزهر، وهو القانون الذي وضع في عهد الوالي محمد سعيد باشا ، وكان يقضي بتجنيد أبناء العمد وأقاربهم، وهكذا طلب حسن الطويل للخدمة العسكرية وجند لأنه كان من أسرة ذات شأن في قريته، لكنه في أثناء وجوده بين الجند ظل حريصًا على المواظبة على الصلوات والأوراد، وكان الوالي يكره من الجند مَنْ يصلي، وحدث أن أرسل إليه شيخه الشيخ أحمد شرف الدين المرصفي رسالة ضمنها استغاثة يشير عليه بتلاوتها عقب كل صلاة، رجاء أن تفرّج كربه وتخلصه من الجندية، فوقعت الرسالة في أيدي قادته، وقرؤوها، وعدوه بسبب ذلك مذنبا، وكان عقاب المذنبين إهمال تعليمهم الفنون العسكرية وتشغيلهم في الأعمال الشاقة كإنشاء السكك الحديدية.

 وقد ظل حسن الطويل يشتغل في هذه الأعمال بهمة زائدة تأديبا لنفسه، لأنه اعتقد أن ما وقع عليه من ظلم كان عقابا على جراءته على مشايخه فيما مضى.

ــ 4 ــ

ويروى أن الوالي محمد سعيد باشا كان يلقب المطيعين من الجند بالفراعنة، والعامين المذنبين بالنماردة، وحدث أنه غضب ذات مرة على النماردة وأمر بطردهم نهائيًا من الجيش، فخرجوا منه، إلا أنهم بقوا تابعين على ذمة الجيش فيما يشبه الاحتياط، وكانوا يسمون في ذلك الحين «بالعساكر الإمدادية».

 وهكذا خرج حسن الطويل مع هؤلاء النماردة ليكون من الإمدادية، فأقام بقريته مدة، وحنّ، بعد فترة، إلي أن يجتمع مع الشيخ خالد أحد مشايخ الطرق، فرأي أن يسافر إليه، فسافر إلى بلدته المسماة بالسريرية التابعة لمدينة المنيا الحالية (وكانت في ذلك الحين تسمى منية ابن الخصيب) ولزمه بضعة أشهر عكف فيها على الاشتغال بالعلم والطرق الصوفية.

ــ 5 ــ

ثم حدث أن طُلب حسن الطويل إلى الجندية مرة ثانية وذهب إليه أبوه ليحضره من المنيا حيث كان يقيم عند الشيخ خالد، وحاول الشيخ خالد منعه لكنه عاد مع أبيه إلى قريته، وهناك تبين له أنهم أهملوا طلبه، وأمره والده بالبقاء معه في القرية وحظر عليه أن يعود إلى الصعيد، لكنه خرج من القرية بغير علم أبيه وهو لا يملك شيئا، وقصد القاهرة سائرا على قدميه، يبيت في أي بلدة تصادفه حتى وصل إلى القاهرة.

 وذهب إلى الأزهر فصادف الشيخ محمد السقاري في طريقه، فلما رآه الشيخ أسرع إليه وأخبره أنه يبحث عنه من مدة، وأنزله بداره وأقسم عليه أن يستضيفه شهرا لا يتكلف شيئا من عنده، وكان يريد منه أن ينظم قصيدة يمدح بها أحد الأمراء فنظمها له، على حين نال الشيخ السقاري عنها أربعين دينارا جائزة.

ــ 6 ــ

وبعد هذا عينه الشيخ حسن العدوي لمساعدته في تصحيح البخاري، وكان قد شرع في طبعه، فانتفع بمكافأة التصحيح.

ثم طلبه ديوان الجهادية لتصحيح ما يطبع به من المطبوعات الأميرية وتصادف أن أحمد عبيد بك رئيس قسم الترجمة هو الذي امتحنه فأعجب به وقال عنه: «هذا جوهرة خفيت علينا»، وعينه ليتولى وظيفة التصحيح في ديوان الجهادية، وسعى له حتى محوا اسمه من قوائم الجيش حتى لا يعاد طلبه.

وفي هذه المدة عاد الشيخ حسن الطويل لطلب العلم والاشتغال به، مع القيام بأعباء وظيفته، وظل طالبًا للعلم في الأزهر حتى أجازه شيوخه ، وكانت الإجازة تعني السماح له بالقيام بالتدريس فدّرس بالأزهر، وكان أول درس قرأه في شوال 1283 هـ (حوالي 1865 ميلادية)، وابتدأ فيه بالقراءة في متن الأزهرية، لكنه سرعان ما فرض شخصيته وأسلوبه في التدريس، ولم يقتصر على العلوم المتداولة بالأزهر.

ــ 7 ــ

وكان الشيخ حسن الطويل قد أهّل نفسه وأهلته حياته الصعبة بقدر كبير من المعارف العلمية والعامة ، وكان قد تلقى على الشيخ محمد أكرم الأفغاني ما كان يسمى: العلوم الحكمية، كما تلقي خلاصة الحساب لبهاء الدين العاملي، وكان ملما أيضا بعلوم الهندسة والجبر وسائر العلوم الرياضية.

و كان الشيخ الطويل قد قرأ التاريخ قراءة إمعان وتدبر، وطالع كتب اللغة والأدب، وكان لا يسمع عن أحد يعرف علما إلا سعى إليه ليتلقاه عنه كائنا مَنْ كان.

وكان له بالإضافة إلى علمه هذا ثقافة عامة هيأت له بُعد نظر في أمور السياسة، كما كان معروفا بسجايا حميدة تشهد له بأنه عالم ناضج يتميز بسعة العقل، وسلامة العقيدة، وشدة الإنكار على البدع المستحدثات في الدين، كما كان موهوبا : خطيبًا وكاتبًا و شاعراً، وقد عرف عنه أنه نظم الشعر السهل، وكتب الترسل البديع، وكان أيضًا أستاذا مبدعا مجيدًا للمحاضرة.

وقد درس عليه في الأزهر كثيرون من علمائه المشهورين، فكان منهم المشايخ: أحمد أبو خطوة (وهو أخص تلاميذه)، ومحمد عبده (وهو أشهر تلاميذه)، وأحمد الشريف، وإبراهيم اللقاني، ومحمد راضي البوليني وهؤلاء هم الطبقة الأولى من تلاميذه وهم قريبون منه في السن .

 ثم قرأت عليه طبقة ثانية منها الشيوخ: عبد الرحمن فودة، ومحمد الغريني، وعبد الرحمن قراعة، ومحمد بخيت، وداغر، ومحمد المغربي، وأحمد الزرقاني.

ــ 8 ــ

كان الشيخ حسن الطويل صاحب طريقة متميزة في الأستاذية، وكان لهذا حريصا على اصطفاء بعض التلاميذ النجباء والتدريس لهم في داره وتربيتهم على مبادئه وسلوكياته، وكان على رأس هؤلاء المقربين : أحمد أبو خطوة، وراضي البوليني، وعبد الرحمن فودة، وعبد الرحمن قراعة فكانوا يقرؤون عليه في داره دروسا غير الدروس الأزهرية.

وقد تمتع الشيخ حسن الطويل بسمعة عالية في الأستاذية والعلم، فتهيأ له بفضل السمعة العالية أن ينقل للعمل في نظارة المعارف، وعين للتفتيش فيها، ولما توفي الشيخ زين المرصفي مفتشها الأول (1300 هـ)، وخلفه الشيخ حمزة فتح الله المفتش الثاني عين الشيخ حسن الطويل مفتشا ثانيا.

ــ 9 ــ

وعندما قرر وزير المعارف علي مبارك باشا (1888) تعديل مناهج الدراسة بدار العلوم بحيث تتيح لطلابها التأهل لوظائف القضاء والإفتاء بالإضافة إلى وظائف التدريس التي كانت ميدان عملهم ، وقع الاختيار على الشيخ حسن الطويل ليكون مدرسا بمدرسة دار العلوم حيث كلف بتدريس الحديث والفقه.

 وسرعان ما أصبح من رموز مدرسة دار العلوم في ذلك العهد، بل كان في رأى البعض أبرز رموز عهدها الذهبي.

 وفي تلك المدرسة تخرج على يديه كثير من مشاهير الخريجين الدراعمة كان منهم: حسن منصور، ومحمد المهدي، و المؤرخان محمد الخضري، وعبد الوهاب النجار.

ــ 10 ــ

كان الشيخ حسن الطويل سني العقيدة، مالكي المذهب كما ذكرنا، لكنه كان أيضا صوفي المشرب، وقد أتقن تدريس العلوم العديدة التي تولى تدريسها، وكان مع هذه المكانة المرموقة يتمتع بالزهد، والورع، وعلو النفس، والتأدب بآداب الشرع، والتمسك بالكمالات.

 وقد ظل الشيخ حسن الطويل طيلة حياته زاهدا متصفا بعلو النفس عن الدنايا، والبعد عن الرياء، والتواضع مع كل إنسان، والبساطة في المطعم والملبس والمسكن، وكان لا ينفق على نفسه من مرتبه إلا القليل، ويتصدق بالباقي في الخفاء، وكان لا يحيد عن الشرع.

 وكان يأخذ بمذهب الإمام ابن تيمية في مسألة الاستغاثة بالقبور، والاستشفاء بالموتى، منكرا على المبتدعة أشد إنكار.

ــ 11 ــ

وصفه معاصروه بأنه كان آية من آيات الله في معرفة التفسير وحل مشكلات الكتاب المبين، متضلعا في الحديث، متحصنا بالشريعة في كل علم يقرؤه من كلام، أو حكمة، أو تصوف، أو رياضيات، أو طبيعيات، وكانت لديه قدرة فائقة على استحضار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الاستشهاد بها على حل المشكلات الدينية.

وقد كان من العلماء الذين عنوا بتربية النفوس، وبتعليم التالين لهم دون أن يشغلوا أنفسهم بالتأليف، ومع هذا بقي له أثر مهم هو كتاب «عنوان البيان» لم يطبع منه غير المقدمة، وذلك قبل وفاته بسنة (1898)، وكان سبب تأليفه أن نظارة المعارف كلفت كل مدرس بأن يجمع ما يلقيه من الدروس، وكان الشيخ حسن الطويل في ذلك الوقت يدرس التفسير بمدرسة دار العلوم.

ــ 12 ــ

وفيما ينقله الأزهريون عن بعضهم قصتان عظيمتان تدلان على الجو الذي غذاه الشيخ حسن الطويل من عزة النفس والثقة بالله .

القصة الأولى : دخل عليه رياض باشا رئيس الوزراء وهو يدرس لطلابه بدار العلوم، فما غير موقفه أو بدل جلسته، وحين هم الزائر بالخروج قال له الأستاذ: لماذا لا أكون وزيرًا معكم يا باشا؟! فدهش الزائر وقال: أي وزارة تريد؟ فقال: وزارة المالية لأستبيح من أموالها ما تستبيحون!!

وكانت لطمة أليمة تُوجه إلى حاكم أرستقراطي لم يألف التهكم والاستخفاف، فخرج ثائرًا مهتاجًا، واستدعى ناظر المعارف (علي مبارك) ليعجل بفصله من وظيفته، ولكن يدا أعلى من يد (رياض باشا) تقف في وجهه فيتراجع عن غطرسته العاتية مدحورًا، وقد آثر ألاَّ يزور مدرسة أو معهدًا بعد ذلك.

القصة الثانية : طلب منه أن يرتدي ملابس خاصة ليقابل بها الخديو توفيق، وحان الموعد المرتقب، فجاء بملابسه المعتادة ومعه منديل يضم الملابس الرسمية، ثم قدمها للخديو قائلًا في بساطة: إن كنت تريد الجبة والقفطان فهاهما، وإن كنت تريد حسن الطويل فهاأنذا حسن الطويل، ثم قال الشيخ لجلسائه: كيف أتجمل لتوفيق بلباس لا أتجمل به لربي في الصلاة؟

ــ 13 ــ

حكى العلامة أحمد تيمور باشا قصة تلمذته عليه، فذكر أنه لم يكن يعرفه، وأنه كان يسمع وصفه من قبل بعض الأزهريين بأنه زنديق، ولما كان تيمور باحثًا عن الحقيقة فإنه قال لنفسه:

«… إذا كنت لم أجد طلبتي عند مَنْ تسمونهم بالصلاح والورع، فلعلي أصيبها عند الزنادقة ، ثم سعيت في الاجتماع به ، وسألته القراءة عليه والاهتداء بهديه، فقرأت عليه العلوم العربية والمنطق، وأعدت عليه الصرف بتوسع، وعلوم البلاغة، ثم قرأت طرفا من الحكمة في شرح الدوائى على هياكل النور للسهروردي، وشرح «رسالة الزوراء» وغيرهما، ولما رآني مجدا في التحصيل قرر لي درسا ثانيا بعد العشاء كنا نقرأ فيه كتب الأدب ونحوها، وأنا في كل هذه المدة أستوضح منه ما أشكل علىّ فيحله لي، فكان اجتماعي به ومصاحبتي إياه من أكبر نعم الله علىّ في ديني».

ــ 14 ــ

توفي الشيخ حسن الطويل فجأة في القاهرة عام 1899م، ويروى أنه لما توفي أذن المؤذنون على المآذن وكانت هذه عادة عند وفاة كبار العلماء، وقد شارك في تشييع جنازته: شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن الشربيني، والشيخ محمد عبده مفتي الديار، والعلماء من تلاميذه في الأزهر ودار العلوم، وصُلى عليه في الأزهر، ودفن بمقابر المجاورين .

المصدر: موضوع المدونة بالتفصيل في كتاب الدكتور محمد الجوادي : الأزهر الشريف و الإصلاح الاجتماعي و المجتمعي ، دار الكلمة ، القاهرة ، ٢٠١٤

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com