الرئيسية / المكتبة الصحفية / يوم أعلنت فرنسا استسلامها واشتعل اللوم علنا بين ديجول وبيتان

يوم أعلنت فرنسا استسلامها واشتعل اللوم علنا بين ديجول وبيتان

كان المارشال بيتان ١٨٥٦ – ١٩٥١ شخصية عسكرية فرنسية مرموقة حقق انتصارات فرنسية في الحرب العالمية الأولى ولقب بلقب بطل فردان لأنه قاد تلك المعركة الفاصلة التي تحقق بها النصر لفرنسا، وتولى بعد هذا قيادة الجيش ووزارة الحربية ورئاسة الوزارة ورئاسة الدولة، وبلغ تكريم فرنسا له أقصاه حين انتخب ١٩٢٩ عضوا في الأكاديمية الفرنسية ليشغل المقعد الثامن عشر في مجمع الخالدين، كان هذا الجنرال الذي أصبح سيء الحظ هو القائد الذي أعلن ١٩٤٠ استسلام فرنسا لألمانيا مقدما مبرراته المنطقية التي قد نستمتع ببلاغة ألفاظها وصدق وقائعها في بيانه الذي ننشره في هذه المدونة.

أما الجنرال شارل ديجول ١٨٩٠- ١٩٧٠ فكان لا يزال بعيدا عن المجد في ذلك اليوم، لكنه سرعان ما أمسك بزمام الأمور وقاد المقاومة الفرنسية ضد النازي، وقد بدأ هذه المقاومة ببانه الواضح الذي بين أيدينا في هذه المدونة، وفيه هاجم بيتان وحمله كل المسئولية عن الأوضاع التي أدت للاستسلام، والحق أن بيان الجنرال ديجول بيان بليغ ولا يقل بلاغة عن بلاغة بيان المارشال بيتان مع الاختلاف المتوقع أو الطبيعي بين بلاغة أو مقتضيات الحماسة (التي سماها النقاد العرب شعر الحماسة ) وبين بلاغة الأمر الواقع بثقله وصدقه وتبريراته.

بيان استسلام فرنسا
أذاع المارشال بيتان الكلمة الآتية عندما هزمت فرنسا في الحرب العالمية الثانية: ” أيها الفرنسيون في فرنسا وفيما وراء البحار، أخاطبكم اليوم لأوضح لكم الأسباب التي دعتنا إلى عقد اتفاقيتي الهدنة الأول مع ألمانيا منذ ثلاثة أيام والثانية مع إيطاليا أمس. ” إن الأمر الذي يجب التنويه به قبل كل شيء هو الوهم الخادع الذي بنت عليه فرنسا وحلفاؤها آمالهم بشأن قواتهم العسكرية الحقيقية وأثر السلاح الاقتصادي وحرية البحار والحصار والموارد التي كانوا يستطيعون الحصول عليها. فاليوم – كما في الأمس – لا تُكسب الحرب بواسطة الذهب والمواد الأولية فقط.إن النصر يتوقف على القوات والمعدات وكيفية استخدامهما. وقد دلت الحوادث على أن ألمانيا كانت متفوقة في هذا الميدان في مايو سنة 1940 تفوقاً ساحقاً كنا لا نستطيع أن نواجهه عند ما دارت رحى المعركة إلا بعبارات التشجيع والأمل.

“وقد انتهت معركة الفلندر بتسليم الجيش البلجيكي وسط القتال ومحاصرة الفرق الإنجليزية والفرنسية. وقد قاتلت هذه الفرق الأخيرة قتال الأبطال، وكانت مؤلفة من خيرة قوات جيشنا. وبالرغم من مقدرتها لم نتمكن من إنقاذ جانب من رجالها إلا بالتخلي عن معداتها”. “ودارت المعركة الثانية على نهري الراين والسوم، وللثبات في هذا الخط قاتلت 60 فرقة فرنسية لا تحميها التحصينات، ولا تؤيدها الدبابات – تقريباً 150 فرقة ألمانية من فرق المشاة و11 فرقة من الفرق المصفحة، فاخترق العدو خطوطنا في بعضة أيام، وجعل قواتنا أربعة أجزاء واجتاح القسم الأكبر من الأراضي الفرنسية، وكانت ألمانيا في حكم المنتصرة عندما دخلت إيطاليا الحرب، وأقامت ضد فرنسا جبهة جديدة صمد لها جيش الألب. وعندئذ اتخذ نزوح اللاجئين شكلا يفوق ما يتصوره العقل، فقد انضمت عشرة ملايين من الفرنسيين إلى مليون ونصف مليون من البلجيكيين وأخذوا يتدفقون على مؤخرة جبهتنا في أحوال اختل فيها النظام وسادها بؤس لا يوصف”.

“وابتداء من 15 يونيه اجتاز العدو نهر اللوار وانتشر في بقية أنحاء فرنسا. فأمام مثل هذه المحنة كان يجب أن تكف مقاومة الجيش، وكان على الحكومة أن تختار بين أحد أمرين: إما البقاء في مكانها أو مغادرة البلاد. فتداولت في الأمر وقررت البقاء في فرنسا للمحافظة على وحدة شعبنا وتمثيله أمام العدو، ذلك لأنها رأت أن وأجبها في مثل هذه الأحوال يقضي بالحصول على هدنة مقبولة باستثارة روح الشرف والعقل لدى العدو. وقد عقدت الهدنة وانتهى القتال”. “وفي يوم الحداد الوطني هذا تتجه أفكاري إلى جميع القتلى، وإلى جميع أولئك الذين تألموا في أجسادهم وعواطفهم من جراء هذه الحرب. إن تضحيتهم قد احتفظت بسمو علم فرنسا وطهارته فهم لا يزالون أحياء في ذكرياتنا وقلوبنا”.

“أما الشروط التي اضطررنا إلى قبولها فهي قاسية. فسيحتل جزء كبير من أراضينا مؤقتاً وتقيم ألمانيا حاميات في شمال بلادنا وغربه من بحيرة جنيف حتى تور، ثم على طول الساحل من تور، حتى جبال البيرينيه. ويجب أن تُسرح جيوشنا وأن تُسلم معداتنا وتحصيناتنا وأن يُجرد أسطولنا من سلاحه في موانينا. وستُجرد القواعد البحرية من سلاحها في البحر الأبيض المتوسط أما الشرف فلا يزال سليما. فلن يستخدم أحد طائراتنا ولا أسطولنا. ونحن نحتفظ بالوحدات البرية والبحرية اللازمة للمحافظة على النظام في فرنسا ومستعمراتها، وستظل الحكومة حرة، ولن يدير شؤون فرنسا إلا الفرنسيون” “لقد كنتم على استعداد لمواصلة القتال – إني أعلم ذلك – ولكن الحرب كانت لا محالة خاسرة في فرنسا” “لا تنتظروا كثيراً من الدولة فهي لا تستطيع أن تعطي إلا ما تتلقاه. “اعتمدوا في الوقت الحاضر على أنفسكم وفي المستقبل على الأبناء الذي ستربونهم؛ وعلينا أن نجدد فرنسا، فأظهروها للعالم وهي ترقب خصمها وتعمل في هدوء وكرامة.” ” لقد أتت الهزيمة من الانحلال فدمرت روح الملذات واللهو ما شيدته روح التضحية، فإني أدعوكم قبل كل شيء أن تنهضوا بأخلاقكم”. “أيها الفرنسيون، إنكم لقادرون، وإني أقسم لكم أنكم سوف ترون فرنسا جديدة تنبعث من حرارة إيمانكم”.


رد الجنرال ديجول الصاعق والقاسي على المارشال بيتان
قال الجنرال ديجول في حديثه الإذاعي الذي قدمه للفرنسيين رداً على بيان المارشال بيتان:
“في ساعات الخجل والغضب هذه، يجب أن يرتفع صوت واحد للرد عليك”.
“لقد ضربت فرنسا بقوات العدو الميكانيكية، فإذا كانت فرنسا لا تملك هذه القوات الميكانيكية، فغلطة من هذه؟”
“لقد كنت ترأس هيئاتنا الحربية بعد انتهاء الحرب في عام 1918، وكنت قائداً عاماً حتى 1932، وكنت وزيراً للحربية في عام 1935، وكنت أكبر شخصياتنا العسكرية. ولكنك لم تطلب أبداً إدخال الإصلاح اللازم لهذا النظام البالي”.
“إن قبول العبودية لم يكن يتطلب بطل فردون [ يشير ديجول إلى اللقب المشرف الذي كان بيتان قد أحرزه ]، بل أي إنسان كان يستطيع عمل هذا”.
“إنك رفضت موارد الإمبراطورية البريطانية والمساعدة الأمريكية الكبيرة، وقد لعبت لعبة فاشلة وألقيت بالأوراق وكأنه لم يبق في أيدينا أية ورقة نافعة”.

“كيف تنتظر من فرنسا النهوض مرة أخرى، وهي تحت أحذية الألمان الثقيلة، وأحذية الرقص الإيطالية؟”
“ألا إن فرنسا ستنهض مرة أخرى في الحرية والنصر”.
” إن أسلحتنا منضمة إلى أسلحة حلفائنا ستعود بالنصر، وسنعيد خلق فرنسا. “.

 

 


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com