الرئيسية / المكتبة الصحفية / قصة الاقتراح بتخصيص مفتاح للدلالة على نطق حرف الإمالة!

قصة الاقتراح بتخصيص مفتاح للدلالة على نطق حرف الإمالة!


يتعلق الاقتراح بمنطقة مشتركة بين علوم اللغة (أية لغة، وكل لغة) والموسيقى وتكنولوجيات تصوير الصوت بما نسميه الإملاء وبما كان قد اصطلح على تعريفه في الماضي بأنه صندوق الطباعة، وفي الحاضر بأنه لوحة المفاتيح. أبدأ مباشرة بمثل تبسيطي واضح لتقريب الفكرة من الأذهان حتى لا يتحرّج أحد من تصوّرها ولا من إدراك المقصود بها، فنحن نعرف فرقاً كبيراً بين نطق كلمتي “Male & Mal” أي بين نطق أول حروف اللغة الإنجليزية A حين يأتي بعده حرف ساكن فيُنطق كالألف العربية، وحين يأتي بعده حرف ساكن ثم الحرف الخامس من الأبجدية الإنجليزية E وعندئذ ننطقه كالألف العربية الممالة، التي هي كالألف الممالة في قراءة ورش عن نافع التي يُمكن للقارئ أن يسمعها مُسجلة على مُحركّات البحث وبخاصة بصوت الشيخ محمود خليل الحصري.

نذكر أمثلة سيستحضرها القارئ بكل سهولة وسيُدرك مدى الإلحاح في وجود تمييز لهذا الحرف الذي أتحدثُ عنه أو على الأقل أن يكون له مفتاح من المفاتيح في لوحة مفاتيح الكمبيوترات الحديثة على اختلاف ترتيب مفاتيحها، ما بين أجهزة الماكنتوش وأجهزة الحاسب الشخصي، وما بين النظم الحاكمة لهذا الترتيب أو ذاك، على نحو ما نراه الآن في الأجهزة اللوحية الآيباد التي يمكن التحكم في لوحات مفاتيحها من خلال البرمجيات المتحكمة في نظم التشغيل، أي لوحات المفاتيح المرنة والاختيارية التي يمكن تغييرها من اختيارات البرامج، وليس من خلال لوحة المفاتيح الثابتة المحسوبة من العتاد الكمبيوتري نفسه على نحو ما كان الأمر طيلة العقود الماضية.


فأما الألف العربية فإننا نجدها في كلمات معروفة ومتداولة من قبيل:
Man, Mal, Can, Fan, Dan, Jan,Van
وأما الألف الممالة فإننا نجدها أيضا في كلمات معروفة ومتداولة من قبيل:
Male, Sale, Pale, Tale
ولا يقتصر وجود هذه الألف الممالة في اللغة الإنجليزية على هذا وإنما هي تأتي تعبيرا عن اجتماع حرفين هما ai وذلك من قبيل الكلمات المشهورة:
Mail, Tail, Fail, Nail, Rail
كما أن هناك حرفين آخرين يُعطيان النطق نفسه وهما ay وذلك من قبيل الكلمات التالية:
Ray, Say, Day, Gay, May

ننظر الآن فيما كان ينبغي أن نبدأ به من أصل الفكرة طبيا وعمليا وعلميا، فنحن لا يمكن لنا من حيث وصف ما تحسه الأذن أن نزعم أن هذا الحرف الممال هو الياء كما أنه لا يمكن لنا من حيث وصف ما تحسه الأذن أن نزعم أن هذا الحرف الممال هو الألف وإنما هو حرف بين الحرفين، يأخذ منهما أو من كليهما أو هو متوسط بينهما في التعبير عن المد المطلوب فإذا تصورنا موسيقيا حريصا على تمثيل الحركة بيده فإنه يصعد مع الألف ويهبط مع الياء فإذا جاء للإمالة لم يذهب إلى الأمام على نحو ما يفعل مع الواو والضمة وإنما هو يضرب يده في الهواء بخط مائل يأتي من اليسار لليمين أو من اليمين إلى اليسار.

هل نحن بحاجة ماسة إلى هذا الحرف؟ بالطبع ومع استقرار الكتابة والنطق نحن لسنا في حاجة ماسة إليه، لكنها حاجة علمية وتعليمية كمالية إذا صح الوصف. فالإمالة بتبسيط المُصطلح العلمي هي الميل بالألف إلى أن يكون ياء، وبتبسيط أكثر هي التحرك من الفتح للكسر، فإذا اعتبرنا أن الفتح والكسر سيتقاسمان الحرف في حالة الإمالة فإننا نكون أمام نوعين من الإمالة:
النوع الأول: إمالة بسيطة أو صغرى يبقى للفتح (أو الألف) فيها ثلثان ويكون الكسر (أو الياء) فيها ثلث فقط.
النوع الثاني إمالة كبرى يبقى الفتح (أو الألف) فيها الثلث ويكون الكسر أو الياء الثلثان، وهي المسماة في علوم التجويد بالبطح أو الإضجاع.

من باب الطرافة الرياضية التي حان وقتها فإن الإمالة إذا بلغت حد الأثلاث الثلاثة فإنها تصبح هي القلب (قلب الألف ياء). المثل الوحيد للإمالة في القرآن الكريم في قراءة حفص عن عاصم الشائعة التي نقرأ بها القرآن الكريم يأتي في قول الحق جلّ جلاله “بسم الله مجراها ومرساها” واصطلح علماء ضبط المصحف أن يضعوا له علامة المعين المفرغ º وكانوا يُسمّونه “الصفر المستطيل”.

والآن نقفز من العربية الفصحى إلى العامية القاهرية فنجد أنفسنا نستخدم الإمالة كثيراً حينما نُحوّل الياء الساكنة في كلمات من قبيل العيْب والغيْب والريْب والجيْب، والشيْبة والغيْرة والحيْرة فكل هذه الكلمات التي تشيع بيننا مُمالة تتطلّبُ النطق بياء ساكنة إذا أردنا فُصحاها، ومن الطريف أن كثيراً من هذه الكلمات تبدو للكثيرين منا وكأنها كلمة مُختلفة عن الكلمة غير المُمالة، ومن ذلك الغيرة التي يتفاصح بعضنا فيظن (أو يدّعي) أن الغيرة بالإمالة هي مصطلح علم النفس، وأن الغيرة بالسكون تدل على مصطلح “الآخر”. والأكثر طرافة من هذا اللبس هو أن كتابة الكلمة في الحالين تكون بالياء وعليها سكون. لكن هذا النطق العامي للكلمات الممالة في القاهرية الدارجة يتطلّبُ اللجوء في معاجمها إلى الحرف الممال الذي أتحدثُ عنه، وذلك لسبب بسيط وهو أن الإمالة في النطق الدارج لهذه الكلمات في حقيقتها ليست إمالة وإنما هي أقربُ إلى ما يُسمّى في اللغة بالتسهيل، وهو شبيه بالتسهيل الكلاسيكي المعروف الذي يكون مع تحويل الهمزة إلى ياء من قبيل قولنا الرياسة عوضا عن الرئاسة.

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com