الرئيسية / المكتبة الصحفية / زعيم الأمة مصطفى النحاس وبناء الدولة الليبرالية ( 3 )

زعيم الأمة مصطفى النحاس وبناء الدولة الليبرالية ( 3 )

زعيم الأمة مصطفى النحاس/ الفصل الثالث

الفصل الثالث

خصائص شخصية النحاس

(1)

كان النحاس في حياته العامة والخاصة أكثر تدينا والتزاما من أولئك الذين رفعوا شعارات الدين في ممارستهم للسياسة، كما كان أكثر تدينا والتزاما من خلفائه الذين رفعوا شعارات إبعاد الدين عن السياسة، وربما جاز لنا أن نصف سلوك النحاس تجاه هذه القضية بأنه كان في جوهره إبعاد السياسة عن الدين، لا إبعاد الدين عن السياسة، وفي رأيي المتواضع أن أداء النحاس وآراء النحاس في هذه القضية تمثل النموذج الأمثل لممارسة العمل السياسي في بلد مثل مصر من حيث هي وطن متدين، أو محب للدين بطبعه وتراثه الوطني الممتد.

وقد كان الشعب المصري من الذكاء بحيث انتبه إلي ما كان يمثله النحاس باشا من صمام أمن في هذه القضية، ومن ثم فقد اقتدي به (في موقفه من هذه القضية الشائكة) السواد الأعظـم من قادة الفكر، وموجهي الرأي العام، ووجدت فيه الجماهير ملاذا آمنا لرغبتها في الجمع بين مزايا التدين والإيمان والسلوك القويم من ناحية، والرغبة في الديمقراطية والحرية والوطنية من ناحية أخري.

وقد كان تدين النحاس من ذلك النوع المحبب إلي العامة والخاصة علي حد سواء، فهو ملتزم بالشعائر الدينية، حريص عليها، مؤد لها بإخلاص وإتقان، وهو معز لرجال الدين، مقدر لهم ولدورهم، وهو منصف لغير المسلمين، حريص علي كل حقوقهم المدنية، وحريص علي ألا يمكن أحدا من الانحياز ضدهم، وهو حريص علي أحكام الشريعة دون تظاهر أو ادعاء، أما موقفه من بعض القضايا التقليدية التي تبدو في ظاهرها مخالفة للشريعة فموقف ينم عن ذكاء رجال القانون المدني الذي يعلم تمام العلم أن القانون نفسه بني علي الشريعة، واستمد بعض أحكامها فيما يبدو وكأنه مخالف لعموميات نصوصها، لكن القانون ومشرعيه، انحازوا إلي بعض مذاهب الشريعة وبعض اجتهادات فقهائها الذين تجاوبت اجتهاداتهم مع التقدم الاجتماعي.

وليس أدل علي هذا من موقف النحاس والوفد من تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، ومن قانون الوصية الواجبة الذي قنن توريث أبناء الابن المتوفي في حياة والده، وغير ذلك من القوانين التي صدرت إما في أثناء وجود الوفد في الحكم، أو في أثناء وجوده في الحياة السياسية بسطوته الممتدة إلي الأغلبية، وهي قوانين تقدمية كان يصعب إنجازها بغير وجود تيار الوفد وما يمثله من استنارة ورغبة في التقدم، ولست أبالغ إذا قلت إن إنجاز مثل هذه القوانين كان يستحيل علي الأنظمة ذات الحزب الواحد مهما أوتيت من قدرة علي فرض رؤيتها وإمضاء كلمتها!!

(2)

وقد بني الأستاذ محمد السوادي تقييمه لشخصية النحاس باشا علي عنصر الإيمان، وجعل هذا العنصر بمثابة مفتاح شخصية النحاس، وقد أفاض في حديث جميل عن هذه الجزئية، فكان مما قاله:

«… شب النحاس من صدر الفتوة ومطالع الشباب وملء قلبه الإيمان بالله، وكل نجاح أحرزه الرجل علي امتداد زعامته لا يفسره إلا هذا الإيمان، وكل خطأ تردي فيه كان مرده إلي الإيمان بسلامة هذا الخطأ».

«وكان هذا اللون من الإيمان زعيم كل الألوان فيه، ولقد صنع منه الإيمان بالله مخلوقا عفا ونظيفا، وشجاعا لا يتهيب محتلا، ولا ملكا، ولا أميرا، ولا وزيرا».

«عليه توكلنا.. لا أحد سواه».

«وبه استعنا.. لا بأحد سواه».

«وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.. والرحمة إذًا آتية لا شك فيها، ودبابات بريطانيا، ومطامع القصر، ومؤامرات الأحزاب، لا تستطيع أن تحرمه من رحمة كتبها الله له».

«وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وليس في وسع قوي الأرض كلها أن تعطيه رحمة أمسكها الله عنه، أو ترد عنه محنة كتبها الله عليه».

«هكذا كانت تمضي الحياة بالنحاس مرئية من كل الناس، لا سيما في الصدر الأول من زعامته».

«ظهر هذا المفتاح واضحا لنا علي طول امتداد زعامته كما قلت، فلم يتخلف النحاس عن الصلاة يوما، بل لم يتخلف عن صلاة الفجر مرة في حياته إلا مكرها، وكان له «ورد» يتلوه من صغره، وكان له مصحف يقرأ فيه بعد صلاة الفجر ما تيسر له، وكان إذا ضاق بدسائس الخصوم فكر في الله قبل أن يفكر في الوفد، وكان كما قال لي أحد المقربين يردد شعر العارف بالله إبراهيم الدسوقي لما نزل به خطب:

وعـدا العــادون وجـــارواورجـــونـا اللــه مجــــيرًا
وكـــفــي باللــه وليــــــاوكــفـي باللــه نصـــــيـرا

فإذا ضيق المتآمرون عليه الخناق صاح ويده إلي السماء:

إن أبطأت غـارة الأرحام وابتعدتفأقرب السير منا غــارة اللــه
يا غـارة اللـه جـدي السير مسرعـةفي حـل عقدتنا يا غـارة اللـه

(3)

ويؤسس الأستاذ السوادي علي فكرة إيمان النحاس بالله ما عرف عن هذا الزعيم من حماسه واندفاعه في قوة كاسحة، وهو يصور سلوك النحاس في ضوء هذا الشعور فيقول:

«كان يؤمن بالشيء فيندفع كالسيل، في قوة عارمة، تجرف أمامها كل عائق، فإذا انتصر سجل النصر لمصر والشكر لله، وإذا طوقوه وأقالوه من الحكم عاد إلي الشارع يستعدي الشعب علي الظالمين، فاستجابت له الجماهير حتي تعيده إلي الحكم بعد حين أو بعد سنين، أو عاد إلي مكتبه، مكتب سعد في بيت الأمة، يستقبل الزوار، ويحاضر الوافدين، ويكشف لهم أفاعيل الخصوم، ويمدهم من جديد بشعلة الغضب، أو بشحنة الثورة، فإذا جاء يوم الجمعة من كل أسبوع اختار مسجدا من المساجد يؤدي فيه الفريضة، فيهتز الكرسي من تحت وزير الداخلية، ويهرع رجال الأمن إلي المسجد يحاصرونه بحشود من الجند يخيل إليك معها أننا في ساحة حرب، فإذا دخل النحاس المسجد هلل المصلون وكبروا، فإذا انتهت الصلاة وبارح ركبه المسجد، هتف الشعب من حوله أمواجا تتلاطم، ورددت جنبات الحي هتافاتهم، وأعمل الجنود هراواتهم في أجساد المتظاهرين، وقد يسفر الالتحام عن دماء تجري، وإصابات لا حصر لها، ويظل الكفاح محتدما شهورا أو أعواما، حتي إذا رأي الإنجليز شبح الثورة يقترب أمروا القصر بإجراء انتخاب حر، وكان الانتخاب يعني عودة الوفد إلي الحكم».

(4)

ويتحدث الأستاذ السوادي عن قدرات النحاس الخطابية مرجعا تفوقه في الخطابة إلي عناصر وجدانية تتفوق علي العناصر الفنية، حتي إنه يكاد يصنفه علي أنه أقرب إلي الإمامة الصوفية منه إلي الزعامة الجماهيرية السياسية:

«كان النحاس خطيبا بالصدق والحرارة والإخلاص، ولم يكن خطيبا بالفصاحة أو بالبلاغة كما كان الخطيب مكرم، وكان الكثيرون يتندرون بصرخاته وهو يقطع خطابه ليأمر واقفًا بالجلوس، أو لاغطًا بالسكون، وكان الرجل مفتوح القلب، ولم يكن يحفل بأناقة العبارة. كان «درويشا» إن صح أن للزعامة «دروشة». كان يرسل ما في قلبه بطريقته، وكانت الجماهير مريدين لشيخها، مؤمنين بكل ما يقوله لها، ولم يكن تندر الخصوم بهذه «الدروشة» في الطريقة، أو في الأسلوب، ليجد مكانه إلا في نواديهم ومقاهيهم، وكان هذا التندر كل بضاعتهم، ولم يترك أبدا أي أثر في زعامة الرجل».

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

«… وبعد أن قامت الثورة في 23 يوليو، وحلت الأحزاب، نفض النحاس يده من السياسة بعد أن أدي الرسالة، وتسلم غيره الراية».

«وظل محل الإجلال كل السنوات التي عاشها بعد الثورة، لم يستطع أحد أن يوجه إليه اتهاما، ولا ارتضي حاكم أن يمس كرامته. كان الجميع يعرفون أن كرامة مصر ماثلة فيه.. وأنه عاش لها بكل جلاله، وبكل كفاحه، وبكل قطرة من دمه، بل وبكل أخطائه في سبيلها، وعلي طريقها».

«كل سياسي سئل.. وكل مَنْ اتهم حوكم.. حتي حرمه كانت موضع المساءلة.. وكانت تثور وتهدر محتمية بانتمائها إليه.. وكرم ذلك الانتماء.. وكفوا عنها المساءلة».

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

(5)

وتجمع الروايات والشهادات علي أن النحاس باشا كان رجلا صادقا مؤمنا إيمانا خالصا.. عجيبا.. لا يخالطه ريب أو انحراف. وقد لوحظ عليه في أثناء مرضه في رمضان أنه كان يستمر في الصيام.. وإذا أجبر علي تناول الدواء كان يتناوله دون ماء ولا يتناول أي طعام..

ويلقي الأستاذ السوادي ببعض الضوء علي ما اشتهر به النحاس من استقامة والتزام في حياته الشخصية:

«وتساءل الكثيرون عن سر الشباب الذي احتفظ به الزعيم الشيخ إلي آخر يوم من حياته، والمقطوع بصحته أن النحاس التزم العفة والاستقامة طوال أيام حياته، وكان حريصا علي سلامة بدنه، فكان يتردد دائما علي أطبائه ليطمئن إلي هذه السلامة، وكان حريصا علي الغذاء الصحي، وظل في سنواته العشر الأخيرة حريصا علي غدائه مكونا من دجاجة مسلوقة، وحساء، وفاكهة لا يزيد، ولم يعرف في حياته مكيفا، أو منبها، أو دخن لفافة».

«وكان من هواة رياضة المشي الطويل يوميا، وظلت هذه العادة تلازمه إلي آخر أيام حياته، وكان ينام في وقت مبكر ليصحو قبل صلاة الفجر، شتاء وصيفا».

«ولعل أهم سر في شبابه أن القلق لم يسيطر عليه يوما، ولم يستهلك جهازه العصبي حتي وهو يثور علي الخصوم، ثم يأتي المساء ويصلي العشاء، ويقول «عليه توكلنا»، وينام ملء جفنيه مؤمنا بأن الله ناصره وحاميه، وقد يكون لحب الجماهير أثر في الاحتفاظ بذلك الشباب، ولم يحدث بعد سعد أن سمع أحد من الهتاف باسمه قدر الذي سمعه مصطفي النحاس، ولا شك أن هتاف الجماهير كان يجدد فيه الخلايا، وكان يبعث فيه الشباب».

(6)

وقد وردت في المذكرات المنسوبة إلي مصطفي النحاس باشا فقرة عبر بها عن اعتزازه وفخره بأنه هو الذي سن سنة الاحتفال برأس السنة الهجرية:

«… وبينما كنت أتمشي ومعي كمال البنا إذ خطرت لي خاطرة فسألته أن العام الهجري يبدأ بعد أيام فحدثني شيئًا عن التاريخ الهجري وعن الهجرة وما صاحبها من أحداث، فحدثني طويلًا في كثير من المعلومات الشائعة فقلت له ماذا لو أقمنا حفلًا بمناسبة العام الهجري علي نمط ما تحتفل الطوائف المسيحية ببدء سنتها الميلادية ثم دعونا المقيمين في الفندق بصرف النظر عن عقيدتهم أو جنسيتهم وحدثناهم عن عامنا الهجري وذكرنا لهم فضائله».

«قال هذه فكرة موفقة، فعدلت عن المرور علي قصر السلطانة ملك وعدنا إلي الفندق، ورأيت أن العام الهجري يبدأن يوم الاثنين وهو أحد الأيام المحظور فيها بيع اللحم فاتصلت بمدير قنا «عطية الناظر» بأن يسمح لنا بنوع استثنائي بأن نذبح كبشًا بهذه المناسبة فوافق واتصل بمأمور الأقصر فجاء وأعطانا الإذن بالذبح فناديت كبير الطهاة بالفندق وكلفته أن يطبخ الكبش علي الطريقة الريفية وأن يصنع لنا من شربته ثريدًا وأرزًا ويقطعه قطعًا ويقدمه علي الطريقة العربية».

«كلفت السكرتارية بأن تمر علي جميع نزلاء الفندق مسلمين ومسيحيين مصريين وأجانب ووجهوا إليهم باسمي دعوة لتناول العشاء علي مائدتي غدًا «الاثنين» بمناسبة رأس السنة الهجرية، وطلبت من مدير الفندق أن يعد لنا الصالة الكبري للفندق حتي تتسع لجميع المدعوين».

«كانت ليلة أمس من أسعد الليالي التي صادفتني إذ نجحت الحفلة التي أقمتها بمناسبة بدء السنة الهجرية فقد حضر جميع نزلاء الفندق وجلسوا يتحدثون ويتسامرون وتساءل الأجانب منهم عن السبب الذي حدا بإقامة هذه الحفلة ولم يطل تساؤلهم إذ أنهم لم يكادوا يفرغون من تناول الطعام حتي قام أحد أطباء الأقصر «وهو مسيحي» اسمه الدكتور أبولس أبولس، وألقي زجلًا طريفًا بين فيه الغرض من الاحتفال وقيمة هذا العيد عند مسلمي العالم أجمع، وقد وقف شاعر الأقصر «الشيخ الأقصري» وألقي قصيدة عامرة بالأبيات حيا فيها صاحب الذكري والعام الجديد وتمني للعالم الإسلامي خاصة والإنسانية عامة النجاة من ويلات الحرب الضروس التي يقاسي الجميع ويلاتها».

وجاء دوري فوقفت بين حماسة المجتمعين وهتافاتهم بالعربية والإفرنجية وألقيت كلمة طويلة ذكرت فيها الفكرة من إقامة هذا الحفل، ولماذا يحتفل العالم الإسلامي به وماذا قدم رسول الإنسانية محمد ﷺ للعالم كله من خير وبر ورحمة وكيف أن الدعوة العالمية الحقة كانت فاتحة خير وبركة علي العالم كله.. ثم ختمت كلمتي بتحية عطرة أزجيتها إلي صاحب الذكري ودعاء من الأعماق إلي رب الكون أن يجزيه عنا ما يجزي نبيًا عن زمته وأن يكرمنا الله في هذه اليام العصيبة فينجينا ،ينجي سائر بلاد العالم مما يقاسون من بلاء ومصائب جرها عليهم الطامعون والجشعون الذين يمتصون دماء البشر ويستذلون المستضعفين الذين بشرهم الله في كتابه الكريم علي لسان نبيه العظيم بقوله: ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ وقوبلت هذه الكلمة بالحماسة والإعجاب حتي من الذين لا يعرفون اللغة العربية».

«وزاد من سروري أن جريدة «المصري» قد نشرت ملخصًا وافيًا للحفلة وذكرت هوية المدعوين كما نشرت في مكان بارز فقرات من الخطاب الذي ألقيته وعلقت عليه تعليقًا طيبًا، وفي هذا اليوم تلقيت مئات البرقيات تهنئ بعيد الهجرة وتعلن اغتباطها وإعجابها بالخطاب الذي ألقيته وتحبذ الفكرة وتزكيها».

«واستدعيت كامل البنا وشكرت له المجهود الذي بذله في تدوين الخطاب الذي ارتجلته في الاحتفال بالعام الهجري والسرعة التي نشر بها هذا الخطاب ووصف الحفلة في صبيحة اليوم التالي لاقامتها، فقال لي: استأذن في أن اقترح اقتراحًا وقال ما دام هذا الحفل المتواضع قد نجح إلي هذا الحد وهو أول حفل من نوعه فهل تعد بأن يكون تقليدًا متبعًا وخاصة إذا كنا في الحكم فتأمر بأن يحتفل به علي الصعيد الرسمي في قصر الزعفران يدعي إليه ممثلو الدول الإسلامية والهيئات الدينية، فقلت ولماذا انتظر حتي يتولي الوفد الحكم سنحتفل بهذه المناسبة وبكل مناسبة دينية تماثلها كمولد الرسول ﷺ سواء كنا في الحكم أم خارجه، وعندنا النادي السعدي يصلح لإقامة هذه الحفلات».

(7)

وفي مذكرات عام 1941 التي سجلها الأستاذ محمد كامل البنا يعبر النحاس عما كان يعتمل في نفسه من مشاعر المحبة للعلماء، وآل بيت النبي ﷺ فيقول:

«أحس في أعماق نفسي إحساسًا خاصًا نحو بعض العلماء والسادة الأولياء رضوان الله عليهم أجمعين وعلي رأس هؤلاء جميعًا أبو عبد الله الحسين سبط الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه أول من زرته حين أخذني المرحوم والدي وأنا طفل صغير لالتحق بالمدرسة الابتدائية بالقاهرة، وقال سلمتك مصطفي يا سيدي الحسين، وقد تعودت بعد هذا أن أزور أبا عبد الله رضي الله عنه كلما بارحت القاهرة أو عدت إليها، ولم انقطع عن هذه العادة منذ وعيت، كذلك أحس راحة نفسية حين أزور السيد أحمد البدوي في طنطا والسيد عبد الرحيم القنائي في قنا، وأبا العباس المرسي والإمام البوصيري في الإسكندرية».

«وقد لازمني هذا الشعور منذ بارحت طحانوب واتجهت إلي طنطا، فكنت فرحًا مسرورًا لأني سأزور ضريح ذلك الرجل صاحب التاريخ المضئ والكرامات المعروفة وأري جموع الستقبلين وحفاوة المحتفين حين أوعزت إلي عبد السلام فهمي جمعة الذي كان علي رأس المستقبلين أني أريد أن أبدأ بزيارة السيد البدوي، فأشار إلي السائق واتجهنا إلي الضريح، وهناك شعرت براحة نفسية وهدوء قلبي، وأنا أقف أمام المقصورة وأتلو فاتحة الكتاب وأدعو الله لمصر أن يحفظها وأن يأخذ بيدها إلي الخير».

«بعد انتهاء الاحتفال والاستقبال قصدنا إلي حيث نقضي ليلتنا وكان فيمن زارني بعض علماء المعهد الأحمدي، وجري الحديث عن الأولياء والعلماء وكراماتهم وتاريخهم، فذكر واحد منهم أن بلدة قريبة من طنطا فيها رجل من المتصوفين أصحاب التاريخ الحافل بالجهاد في سبيل نشر العلم والدعوة إلي الله سبحانه وتعالي، وأن كثيرًا من الذين يزورون المعهد الأحمدي يقصدون إلي زيارة ذلك المتصوف، فطلبت إليه أن يذكر شيئًا عن تاريخه».

«فأخذ يشرح ويتحدث فعرفت أن الصوفي الذي يقصده هو أبو اليزيد البسطامي وأن له ضريحًا في بلده بسطام التي تبعد عن طنطا نحو خمسين كيلو مترًا تقريبًا، وأن كثيرًا من العلماء المحققين كتبوا عن تاريخه، فإذا به رجل عالم حقًا ومتصوف صدقًا، فأبديت رغبتي في زيارته، وقام عبد السلام جمعة فأعد العدة لهذه الزيارة علي أن تبدأ غدًا ونعود إلي طنطا فنودع المواطنين قبل رجوعنا إلي القاهرة».

«هذه أول مرة تطأ فيها قدماي بلدة بسطام، فلم أكن رأيتها ولا عرفتها من قبل، وهي بلدة صغيرة هادئة، لكن قُصاد ضريح البسطامي عدد كبير لا ينقطعون كل يوم عن الحضور لزيارته، وقد وصلت إلي الضريح وتوجهت إلي الزيارة، وعرف الفلاحون أن النحاس باشا عندهم فلم يصدقوا وجاءوا ليشهدوا ضيفهم، ورأيت فيهم طبيعة الريف الطيبة فكانوا يسلمون عليّ ويرحبون بي في سذاجة لا تكلف فيها ولا تعسف، وتسابقوا في طلب زيارتهم وتناول القهوة في دورهم، حتي نساؤهم قد شاركوهم في الحفاوة والترحيب والدعوة إلي زيارة دورهم، وقد بششت في وجوههم وحييتهم علي طريقتهم وشكرتهم معتذرًا بضيق الوقت، فتمسكوا وقالوا كيف تأتي إلينا أول مرة في حياتنا ولن نقوم بالترحيب نحوك؟».

«فأجبتهم أن حضوركم للتسليم علي أمام ضريح هذا الرجل الصالح أحسن تكريم وأعظم ضيافة، وأنا اعتبر أني زرتكم جميعًا، وبينما نحن في الحديث إذ حضر عمدة البلد ومشايخها وعدد من سراتها فقالوا إنا مهددون من رجال الحكومة ولكنك في بلدنا وعار علينا أن تبرحها قبل أن نقوم لك بواجب الضيافة فإننا نفعل هذا مع الناس العاديين فكيف بزعيم البلاد وخليفة سعد العظيم؟».

«تأثرت بهذه الكلمات وقلت لهم اختاروا مكانًا أزوركم فيه وتجتمعون كلكم، فقال العمدة في دواري، فقلت لا حتي لا يكون ذلك سببًا في إيذائك من رؤسائك الموظفين، فقال لا تهمني الوظيفة إذا كانت تتعارض مع ما تعودنا عليه من الحفاوة بالضيوف، ولكني تمسكت وظللت أتلطف معه حتي قبل أن أزور الجميع في دار أحد الأعيان الذي ليس للحكومة سلطان عليه».

(8)

أما علاقة النحاس باشا بأولياء الله ورجال التصوف فقد كانت ملمحًا بارزًا من ملامح شخصيته، وفي المذكرات التي سجلها عنه الأستاذ محمد كامل البنا فقرة ناطقة بالتعبير الحي عن هذه العلاقة:

«قصدت أمس إلي أداء صلاة الجمعة في مسجد مولانا الحسين – رضي الله عنه – وأنا دائمًا أتبرك بالحسين وبزيارته وبالصلاة فيه منذ سلمني إليه المرحوم والدي وأنا طفل صغير وقد دخلت المسجد في الدقائق الأخيرة وكان غاصًا بالمئات من المصلين الذين كبروا وهللوا عند مدخلي وأفسحوا لي مكانًا في الصف الأول خلف الإمام وبعد انتهاء الصلاة أخذ المصلون يعيدون التكبير والتهليل ولكني اتجهت إلي القبلة وأشرت إليهم فسكتوا جميعًا وخيم علي المسجد الوقار والروحانية ورفعت يدي إلي الله سبحانه وتعالي في خشوع وخضوع وأخذت أتلو آيات من القرآن الكريم ثم علا صوتي بدعوات خالصات خارجات من القلب بكل إخلاص وإيمان واتجهت إلي رب الكون القهار الجبار أن يقصم ظهر الجبارين، وأن يخلص البلاد من ظلم الظالمين، وعسف الطغاة السفاكين وأن يرحم عباده الضعفاء من أولئك الظلمة الأقوياء الذين يظنون أنهم آلهة متحكمون، وسادة أشداء، وغيرهم عبيد أرقاء، وظللت أدعو بصوت منتحب متأثر والمصلون جميعًا يؤمنون علي دعواتي بأصوات مجلجلة، وزفرات حارة، ثم ختمت دعائي بقولي اللهم من كاد للأمة فكده، ومن ظلم الشعب فخذه، ومن أرادنا بسوء فانتقم يا ذا العزة والجبروت، يا حي يا قيوم يا من تمهل ولا تهمل وتقضي ولا يقضي عليك وطلبت إلي الحاضرين في ختام كلمتي تلاوة فاتحة الكتاب أن يخلصنا الله المنتقم الجبار العادل القهار من صدقي وعهده المملوء بالمظالم الفياض بالجرائم، وكانت الأصوات تجلل والدعوات ترتفع والزفرات تصعد إلي السماء… وخرجت وسط مظاهرة قوية عنيفة تلاشت فيها كل قوي البوليس ورجاله ولم يستطيعوا أن يفعلوا مع تلك المئات المتراصة شيئًا، وأحسست وأنا في طريقي إلي داري براحة عميقة داخلية، وهدوء ملأ حنايا قلبي وسري في جميع أجزاء جسدي».

(9)

وتوحي المذكرات في هدوء ذكي بالربط بين هذا الدعاء وهذه المظاهر، وبين ما أصاب صدقي باشا بعدها:

«علمت أن صدقي لازم داره من أيام، ولم يصل إلي مكتبه وقالت الصحف الموالية له إنه يشكو من إرهاق بسيط لا يلبث أن يزول، ولكن العالمين ببواطن الأمور كما يسمون أنفسهم يقولون إنه مريض وأن الأطباء أشاروا عليه بملازمة الفراش».

«وصل الطبيب الإنجليزي الذي استدعي لعلاج صدقي وانضم إلي الأطباء المصريين وأعلن بصفة رسمية أن رئيس الوزراء أصيب داء الفالج ولا بد من منعه من مباشرة أي عمل لأنه لا يستطيع الحركة ولا مبارحة الفراش. علي أثر إعلان إصابة صدقي بداء الفالج أصيبت الإدارة الحكومية كذلك بشلل كلي فقد عطلت الأعمال وكاد نشاط الحكومة كلها يقف ودولاب العمل يتعطل، وأصبح حديث المجالس وكتبت الصحف في صراحة أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه آن للجبابرة أن يخضعوا لقوة الله، وللطغاة أن يعتبروا بما يرون وما يشهدون، قلت بيني وبين نفسي اللهم لا شماتة ولا تشفي، ولولا أن صدقي سام البلاد الخسف وخرب عديدًا من البيوت وشرد كثيرًا من العائلات وحبس وعذب، لولا هذا كله لأسفت علي مرضه، بل لاستفسرت عن صحته… ولكنها عدالة السماء حين يستبطئها الناس تأتي علي غير موعد وبغير مقدمات».

(10)

كان النحاس باشا يصرح برأيه المعارض لفكرة استخدام الجن وادعاء معرفة الغيب.. إلخ. ويصفها بالخزعبلات، وهذه فقرة معبرة من مذكراته في أثناء حديثه عن وقائع عام 1941 حين كان الناس يتمنون معرفة إلي أين تتجه الأمور:

«جاء لزيارتي الأستاذ يوسف عبد اللطيف المحامي ومعه شخص قال إنه يستخدم الجان ويستطيع أن يتنبأ بنتيجة الحرب ومستقبل البلاد، وأنه عالم في علم الكف وطلب أن يقرأ لي كفي فرفضت، وقلت ليوسف إن كان يريد أن يخبرني عن الماضي فأنا أعرفه، وإن كان يبتغي أن يحدثني عن الحاضر فأنا أعيش فيه، وإن كان يدعي أنه يعرف الغيب فقد خدعك لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي. فليس ثمة داع لقراءة الكف أو استخدام الجان».

«وبالمناسبة أحب أقول لك إن هذه الخزعبلات من الأسباب التي أخرت الشرق وجعلت المسلمين في حالة لا يحسدون عليها مع أن دين الإسلام دين عقل وعبادة، وهو أقرب الأديان إلي العقل والمنطق وإذا تركنا الغيبيات التي اختص الله نفسه بها تجد أن جميع التعاليم الإسلامية تتفق مع طبيعة الحياة وتصلح لكل زمان ومكان فما بالنا ندخل في ديننا ما ليس فيه، وما بالنا نجري وراء الخرافات التي لا تورثنا إلا التأخر والعجز والكسل».

(11)

كان النحاس زعيما عظيما، لكنه كان إنسانا عظيما أيضًا، وهو ما لم يتوافر لكثيرين ممن خلفوه، وربما كان أبرز المواقف التي اتضحت فيها صورة الإنسان في شخصية النحاس باشا كان هو موقفه حين دفعته سليقته الإنسانية ونخوته ذات يوم إلي أن يضرب أحد الضباط بعصاه ظنا منه أن هذا الضابط يحول بينه وبين الجماهير التي جاءت لاستقباله في محطة السكة الحديد، وقد قدم فــؤاد سراج الدين استقالته من منصبه كوزير للداخلية بسبب هذه الواقعة، لكن النحاس باشا عالج الموقف في مجلس الوزراء وأبدي اعتذاره للضابط، وطلب إلي سراج الدين أن يرتب في صباح الغد زيارة للضباط في مكتبه ومن بينهم الضابط الذي تعرض لعصا النحاس، وفي اللقاء سأل النحاس عن الضابط، وما زال الضابط يتقدم خطوة بعد الأخري والخوف يتملكه حتي إذا ما أصبح بين يديه أخذه النحاس باشا فضمه إلي صدره وقبله في جبينه وطيب خاطره واعتذر له عما صدر منه.. وعندئذ بكي الضابط تأثرا.. واغرورقت عيون زملائه بالدموع.

ثم راح النحاس باشا يسأل اللواء سليم باشا زكي والضابط في لهجة كلها أبوة وحنان: «هل ما زلتم متأثرين مما وقع مني بالأمس».

فرد سليم باشا زكي والعبرات تختلط بصوته: «أبدا يا رفعة الباشا».

(12)

لم يكن من العجيب أن تكون نزاهة النحاس وسموه الخلقي من أرفع درجة، حقيقة لا مجازا، ومع هذا فإن الحمقي من معارضيه ظلوا يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يصيبوا هذين الجانبين بأية خدوش وفي أي موضع، ولو أن الظروف ساعدتهم علي أن يخدشوا هذه الصورة لكان نجاحهم عظيما ولبقيت آثاره إلي اليوم، فقد كانت الصورة التي تكونت عن هذين الجانبين من أخلاق النحاس صورة جميلة متماسكة نقية، ووصل نقاؤها إلي حدود قصوي من النقاء، وهو أمر خطر بل وشديد الخطورة كما نعرف، فالثوب الأبيض ناصع البياض يتعرض للتلوث بأسرع من أي ثوب آخر يحمل نسبة من الألوان الأخري التي قد تستر التلوث.

وكلما مضي الزمن كانت صورة النحاس تزداد نقاء وهذا أمر حقيقي.

ومن أجل هذا كان أعداؤه (الذين لا نجد لهم وصفا في هذه الجزئية إلا الحمق) يتصورون سهولة تلويث الصورة، لكن سوء حظهم تمثل في أن الصورة كانت قد وصلت إلي مرحلة لا تقبل فيها أي تلويث؛ لأنها كانت تتمتع بخاصية أخري وهي أنها تنضو عن نفسها أي تلوث عارض، وكانت في هذا كأنسجة الووتربروف حين تنضو الماء، وأنسجة البلاك أوت حين تعكس الضوء، ولم يأت هذا النجاح النحاسي من فراغ، وإنما لأن النحاس ظل بالفعل نزيها طاهرا، وظل يحافظ علي النزاهة والطهارة حتي وهو قادر علي التجاوز، وحتي وهو مباح له أن يسمح بالتجاوز.. ولا يدلنا علي مدي طهارة النحاس ونزاهته أكثر من الكتاب الأسود نفسه، ومن التقرير الذي نشر عن لجنة التحقيق بعنوان «تقرير اللجنة الوزارية عن التصرفات الماسة بنزاهة الحكم في عهد الوزارة النحاسية الأخيرة» وهو تقرير ضخم فخم لكن المخالفات التي يرصدها تستحي من الجهد الذي بذل في تسجيلها.

ولا يدلنا علي مدي الالتزام الخلقي قدر التزامه بأن يسلم لحكومة الثورة كل أرصدة الوفد في البنوك وفي غير البنوك بعدما قررت الثورة حل الأحزاب في يناير ١٩٥٣.

(13)

وقد عاش النحاس فقيرا ومات فقيرا، وكانت حملات خصومه عليه من السذاجة بحيث ارتدت إلي صدور مهاجميه، وعلي سبيل المثال فإن قصر النحاس المعروف في جاردن سيتي (الذي يشغله الآن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية) قد استأجره وبقي مستأجرا له دون أن يتملكه!!

ومن المعروف أيضًا أنه لما اضطر إلي استئجار مسكن جاردن سيتي كان لا يزال في حاجة إلي الاحتفاظ بمسكنه في مصر الجديدة، ولعدم قدرته علي الإنفاق علي مسكنين، فقد فكر في تأجير داره في مصر الجديدة من الباطن، وذلك حسب قوله «لأكمل مصاريفي عن طريق الحلال المشروع»، فاستأذن في ذلك شركة مصر الجديدة، التي أذنت له «ناظرة في ذلك إلي منزلتي في الأمة، وخدماتي للبلاد وسكانها، علما منهم بأن لا مطمع لي في ابتزاز أموال، أو ابتغاء ثراء من وراء رئاسة شركة، أو قبول عضوية في المصارف والبيوت المالية، إنما يعرفون عني كما يعرف المصريون جميعا أنني أعيش من كسبي الحلال، عف النفس، طاهر اليد، فلا تمتد إلي حرام».

(14)

وقد ظل النحاس محافظًا علي أقصي الحدود فيما يتعلق بكرامته، وليس أدل علي هذا مما يرويه الدكتور السيد أبو النجا (وغيره من مصادر أخري) من أنه لم يقبل أبدًا مالًا من الرئيس عبد الناصر إلا أن يكون بشيك لاسمه مسحوبًا علي الخزانة العامة للدولة:

وهذه فقرة الدكتور السيد أبو النجا في كتابه «السيد أبو النجا وهؤلاء»:

«وقبع مصطفي النحاس في بيته لا يزور أحدًا ولا يزار حتي أمم جمال عبد الناصر قناة السويس فوجد النحاس من واجبه أن يهنئه بما فعل وأرسل له برقية تهنئة فقدر عبد الناصر هذه الوطنية العالية وكان قد علم أن النحاس يعاني من قلة المال وقسوة المرض».

«وقد ذكر لي الأستاذ هيكل أن عبد الناصر أرسله ليقدم للنحاس أربعمائة جنيه فلم يقبل النحاس أن يأخذها من المصاريف الخاصة، وأصر علي أن تكون بشيك علي الخزانة العامة فكان له ما أراد».

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

هكذا كان مصطفي النحاس في تعامله صارما في الحق. نظيف اليد، واضحا في تصرفاته، علي قدر كبير من الذكاء والإحساس بالتاريخ، وبالصورة الذهنية.

(15)

وهذه فقرة من فقرات مذكرات النحاس باشا التي سجلها الأستاذ محمد كامل البنا يتحدث فيها النحاس ببساطة وعفوية وصدق وكرامة عن المحنة التي واجهها حين أمر رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا بتخفيض معاشه، وكيف دبر أمر تمويل نفقاته بقرض من بنك مصر ساعده علي الحصول عليه الاقتصادي العظيم طلعت حرب باشا:

«فوجئت مفاجأة تتعلق هذه المرة بشخصي وهي حربي في رزقي فقد أُخبرت أن صدقي باشا أصدر قرارًا بتخفيض معاشي من 125 جنيهًا إلي 67 جنيهًا، وهذا المعاش هو كل ما أحصل عليه وليس عندي سواه فلقد أنفقت كل مدخراتي من المحاماة أيام كنت أشتغل بها في شئوني وشئون عائلتي المكونة من تسعة أشخاص هم شقيقتي الأرمل وأولادها الثمانية، أربعة منهم ذكور وأربع إناث أتولي شئونهم من تعليم وكل مطالب الحياة، وكان المعاش يكفي بالكاد إذ كان عندي سيدة إيطالية تعهدت الصغار من طفولتهم وتولتهم، وكنت أعطيها المعاش لتنفقه علينا وتكفينا حسبما يكون، فلما جاءني هذا النبأ وجمت وتألمت وقلت سبحان الله ألم يكف هذا الرجل الفاجر أن يحاربنا من الناحية الوطنية فيعمد إلي أحط أنواع الحرب في الرزق ورزق من؟ رزق أطفال صغار وأرمل مسكينة».

«وأخذت أفكر ماذا أصنع في هذه الكارثة.. لم أتأثر من الناحية العامة ولكني تألمت من ناحية الأسرة التي في عنقي ثم أخذت أفكر كيف السبيل إلي حل هذا الإشكال دون أن أظهر ضعفًا أو تأثرًا أمام خصومي حتي لا يشمتوا ولا يظنوا أني ضعفت أو استكنت، وقضيت ليلة لم أذق فيها طعم النوم، وفي الصباح الباكر ارتديت ملابسي، ونزلت إلي حديقة المنزل علي غير عادتي وأخذت أتمشي ذهابًا وجيئة، ودخل عليّ سكرتيري الصحفي وأنا في هذه الحال من الاضطراب، فسألني خيرًا قلت إن صدقي خفض المعاش، بحيث لا أستطيع مواجهة المطالب الضرورية، فقال ألا تكلم أعضاء الوفد من الموسرين أمثال حفني باشا الطرزي أو محمد الوكيل باشا أو سيد بهنس أو بولس حنا باشا أو سينوت حنا وهم والحمد لله موسرون ولا أظن أحدًا يتردد في أن يقرضك مبلغًا تحل به هذه الأزمة مؤقتًا حتي تدير الأمر، فقلت له لا يمكن يا بني أن أتحدث مع أي واحد من هؤلاء في مسألة من أخص خصائصي كهذه».

«وظللت أتمشي في الحديقة والأفكار تتزاحم في ذهني بعد فترة من الوقت طرأت علي ذهني فكرة فابتسمت، وقلت يا بني ناد سائق السيارة وهيا بنا إلي بنك مصر وسأقابل طلعت حرب باشا وأتحدث معه في أن يقرضني سلفة أغطي مصاريفي حتي أرفع الأمر للقضاء، وأنا مطمئن بعون الله إلي أن الحكم سيكون في صالحي، لأن قرار الحكومة قرار جائر لا يستند إلي قانون، ولكن بقي شيء، البنك عادة يطلب ضامنًا ولست أدري من يضمنني فقال سكرتيري أن أي عضو من أعضاء الوفد يضمن وما خلته يرفض فقلت هيا بنا والله يفعل ما يريد».

(16)

وهو يتحدث بامتنان وتقدير عن لقاء طلعت حرب به، وكأنه مواطن عادي قدره رئيس بنك وسهل له أمره:

«وصلت إلي بنك مصر فاستقبلني فؤاد سلطان بك وكيل البنك، وقابلني طلعت باشا علي الفور وتحدثت معه في الموضوع وفي أني أفكر في حالة موافقتك علي السلفة أن آتي لك بشخص من الموسرين ليضمناني طبقًا لقانون البنك، فابتسم طلعت باشا وقال يا باشا هذا كلام لا يصح.. إذا كانت مصر كلها ونحن من أبنائها ائتمناك علي قضيتنا، أفلا أئتمنك علي عدة آلاف من الجنيهات ثم نادي سكرتيره وقاله له حول الآن مبلغ خمسة آلاف جنيه إلي حساب الباشا الجاري في البنك ليكون تحت تصرفه فإذا أوشك هذا المبلغ علي الانتهاء فحول له مبلغًا اخر حتي تنتهي هذه المحنة بسلام والتفت إليَّ وقال يا باشا البنك ورئيسه ومجلس إدارته في خدمتك وودعنا حتي السلم الخارجي وخرجت مسرورًا شاكرًا لله أنعمه أن وفق ويسر حل هذه الأزمة التي ظن صدقي أنها ستنال مني أو تلهيني عن الجهاد في سبيل تحقيق آمال البلاد».

«انتشر خبر تخفيض المعاش بين الأوساط كلها فجاء أعضاء الهيئة الوفدية وعدد كبير من الأغنياء والموسرين يعرضون عليّ أموالهم، فاعتذرت شاكرًا وقلت لهم إن المسألة انتهت، وإن طلعت باشا حرب أكرمه الله قد حلها علي أحسن وجه وأكمله، وتجاذبنا أطراف الحديث في مروءة طلعت باشا وشهامته وكرم نفسه، وصرحت أمامهم بأن هذا جميل لن أنساه لطلعت حرب طيلة حياتي، ثم كلفت بعض الأساتذة المحامين برفع الدعوي ضد هذا القرار الجائر».

(17)

وربما كان موقف النحاس من الانشقاقات التي حدثت في الوفد علي عهده بمثابة أبرز دليل علي طبيعة الزعيم القوي الواثق الذي لا يحاصر أتباعه بالطاعة، ولا بالخوف من مخالفته، كما أن هذا الموقف دليل علي أن العامل الشخصي كان أبعد ما يكون عن تسبيب الخلاف من ناحية النحاس حتي إذا وجد المبرر في الناحية الأخري، وهنا يجب أن نفرق بين انشقاق الأفراد وانشقاق المجموعة، لكننا نري صورة النحاس السامية تفرض نفسها هنا وهناك، ورأيي أن الانشقاق الوحيد الذي كان ذا قيمة هو انشقاق مجموعة النقراشي وأحمد ماهر اللذين سموا أنفسهم بالسعديين أو بالهيئة السعدية، أما ما عدا هذا فلا يعدو في نظري أن يكون انشقاق أفراد، فلم يكن انشقاق مكرم عبيد في ١٩٤٢ إلا انشقاق فرد، سواء أكان هذا الفرد عظيما أم لم يكن. صحيح أنه جمع عددا محدودا من أنصاره، ولكن أحدا منهم لم يكن ليمثل قيمة سياسية في حد ذاته، إنما هم ثانويون تماما، وقد كان أهم المنشقين مع مكرم مجموعة من الشباب المثقف الطموح لكنهم كانوا شبابا تماما يتمتعون بكل ما هو ممكن ومحتمل ومتوقع من حسن النية، وسهولة الانخداع بمعسول الكلام، وقد كانوا في الأصل معجبين ببلاغة مكرم ورطانته، وهكذا فإنهم انصرفوا معه ثم انصرفوا عنه حيث انصرفت البلاغة والرطانة، ولم يكن هذا تعبيرًا عن عيب في شخصياتهم ولا في توجههم، ولكنه طابع السن والسن وحدها.

ويدلنا علي ضعف قيمة الانشقاق المكرمي هذا ما حدث بعد الانشقاق بعامين حين فرض الملك والقصر علي أحمد ماهر استرضاء مكرم عبيد وضمه هو وحزبه إلي الحكومة التي خلفت حكومة النحاس باشا (أكتوبر ١٩٤٤)، وكان مكرم عبيد جديرا بكل إرضاء من القصر بعد دوره في الكتاب الأسود وفي غير الكتاب الأسود، ولهذا أيد القصر مطلبه في الحصول علي أربعة مقاعد وزارية في الحكومة، ولكن السياسيين المشاركين يومها تعجبوا وشكوا في أن يجد مكرم عبيد في شيعته أربعة يستحقون منصب الوزارة أو يرقون إليه!!

(18)

ويتصل بالحديث عن أخلاق النحاس باشا واكتمال زعامته ومقومات هذه الزعامة ما تدل عليه مواقفه الصلبة في الدفاع عن الوفديين والحفاظ علي كرامتهم، ومن هذا ما روته المذكرات التي سجلها الأستاذ محمد كامل البنا علي لسان النحاس باشا من حرصه المفرط علي كرامة الوفد وكرامة الأستاذ العقاد:

«جاءني الأستاذ حسن صبري وبعد أن تحدثنا عن جرائم الوزارة وبطشها وإمعانها في التنكيل دون رقيب ولا حسيب ولا وازع من ضمير.. قال لي حسن صبري فجأة، أما آن لهذا الإجرام أن يوضع له حد فقلت له إننا نجاهد وسنظل نجاهد حتي يأذن الله بالفرج. فقال والله يا باشا عندي مسألة أعرضها لعلك لو وافقت عليها يكون فرج من هذه الأزمة الطاحنة التي أضرت بجميع طبقات الأمة ولم ينج منها إلا أنصار الوزارة والمطبلون لها، قلت له وما هي.. قال إن جلاله الملك متأثر جدًا من الوفد ومنك علي وجه الخصوص لأنك زرت العقاد في داره مهنئًا بالخروج من السجن، مع أنه أهان الملك وعرض به. وحكم القضاء بإدانته، فقلت له يا حسن أنت محام وتعرف مبلغ التلفيقات، ولعلك لم تنس بعد ما فعلته السراي معي أنا وويصا وواصف بك وجعفر بك، وقد كنت أحد المحامين المترافعين فيها.. والعقاد لم يقل شيئًا يمس الملك إلا إذا كان الملك يعلن صراحة أنه ليس ملكًا دستوريًا ولا يحب الدستور الذي وقعه باسمه وكان السبب في أن رفعه من لقب عظمة السلطان إلي جلاله الملك، فقال يا باشا أنت سيد العارفين وسأصارحك بما جئت من أجله اليوم».

«قلت هات ما عندك، قال إن الملك صرح لبعض خاصته بل بصراحة كلفني أن أقابلك وأعرض عليك أنه مستعد لأن يعيد دستور 23 ويشكل وزارة محايدة تجري انتخابات حرة، وطبيعي سيكون الوفد صاحب الأغلبية فتشكل الوزارة وتعود الحياة إلي مجاريها وتنتهي مهزلة الانتخابات التي يعد لها صدقي باشا والبرلمان والذي ينوي أن يفتتحه باسم دستوره الجديد. كل هذا مقابل مطلب واحد يريده الملك منك، قلت ما هو قال أن تفصل عباس العقاد من الهيئة الوفدية ومن الصحف الوفدية لأنه أهان الملك من غير داع وتطاول عليه بلا سبب، فأجبته كاظمًا غيظي لأنه صديق وقلت يا حسن بك أنت زميل ولك عليّ حق ولولا هذا لغضبت منك إذ تحمل إليَّ مثل هذا الخبر، بلغ الملك أن مصطفي النحاس لا يقبل بحال من الأحوال أن يفرط في فراش من فراشي بيت الأمة أو النادي السعدي، فضلًا عن الكاتب الأستاذ عباس العقاد الذي سجن وعذب وحوكم ولم يجن ذنبًا أكثر من أنه قال إننا مستعدون لأن نحطم أكبر رأس تحاول أن تعبث بالدستور أو تعطل الحياة النيابية، وما أظن الملك الدستوري يحمل هذا القول علي نفسه إلا إذا كان يكره البرلمان، وأنت تقول إنه مستعد أن يعيد الدستور فكيف ذلك، علي أنني أحب أن أضع لك النقط علي الحروف فأقول لك بكل صراحة لن أفرط في العقاد ولا في أقل من العقاد لأن هذه سابقة خطيرة لها نتائجها وأثارها علي الوفد، وعلي الأخلاق وعلي الكرامة الوطنية».

(19)

ويتصل بتقدير النحاس للأدباء والمفكرين ما رواه الأستاذ محمد كامل البنا في مذكرات النحاس باشا من تقديره لأمير الشعراء أحمد شوقي:

«قرأت نعي الشاعر أحمد شوقي وبالرغم من أنه صهر الأحرار الدستوريين وصديق شخصي لصدقي إلا أنني أرسلت مندوبًا عني ليشيع جنازته نظرًا لمنزلته الأدبية وتاريخه في حرب الإنجليز، وإشادته بسعد باشا في عديد من قصائده».

*    *    *

وشبيه بهذا ما يرويه إبراهيم فرج من تقدير النحاس للمازني الذي عاش حياته معاديًا للوفد:

«… عندما مات إبراهيم عبد القادر المازني، رحمه الله، وكان سليط اللسان علي النحاس وعلي الوفد في الجرائد المعادية له.. جاء طه حسين وهو وزير للمعارف في وزارة الوفد سنة ١٩٥٠ إلي النحاس باشا.. يقدم رجلا ويؤخر أخري ويطلب معاشا استثنائيا لأولاد المازني».

«قال له: عاوز كام؟».

«فقال طه حسين: أربعون جنيها في الشهر».

«فرد النحاس باشا: لا.. مجلس الوزراء قرر منحهم خمسين جنيها».

(20)

وانظر أيضًا إلي ما يرويه النحاس باشا نفسه عن لقائه بخليل مطران في 1941:

«… دعيت اليوم إلي حفلة شاي عند جرجس انطون باشا في منزله فلبيت دعوته، وقد التقيت هناك بإخوان من جاليات مختلفة، كما عرفت لأول مرة شاعر القطرين خليل مطران وقد رأيت فيه دماثة خلق وأدبًا جمًا، وجرنا إلي الحديث عن محنة سوريا وإلي طائفة الدروز وأثار بعض الحاضرين أن الدروز وعلي رأسهم زعيمهم سلطان باشا الأطرش منحرفون عن الدين الإسلامي شأنهم شأن الشيعة والأباضية والإسماعيلية والقاديانية وباقي الطوائف التي تدعي كل طائفة أنها هي المؤمنة صحيحة الإيمان وغيرها في عقيدتهم زيغ».

«وقد تحدث الشاعر مطران عن قبيلة الدروز، فقال عنهم إنهم غير ما يري الناس وأنهم قوم مؤمنون إيمانًا صحيحًا لا زيغ فيه، وأن فيهم من الصفات والخلال ما يؤهلهم لأن يكونوا سادة محبوبين لدي مواطنيهم، فهم وطنيون متطرفون لا يسمحون لغريب أو دخيل أن يساكنهم في جبلهم الذي يسمي باسمهم وتعيش فيه قبيلتهم وأنهم يعبدون الله عبادة لا شبهة فيها، ولعل شوقي أمير الشعراء رحمه الله كان أعلم الناس بهم، فحين زار دمشق بعد محنتها الشديدة التي أصابتها في العشرينيات وقصد جبل الدروز والتقي بزعيمهم وكبار الرجال فيهم عاد مقتنعًا بأنهم ليسوا كما قيل عنهم عصابة شر أو جماعة غدر أو قبيلة خارجة علي إجماع بلادهم، فقال فيهم في قصيدته التي أنشأها بعد عودته من دمشق:

ومـا كـان الـدروز قبيـل شــر                    وإن أخـذوا بـمـا لـم يستحـقـــوا

ولكـن ســادة وأبــاة ضـيــم                       كجلمـود الصـفـا خشنـوا ورقــوا

«وقد أعجب كثير من الحاضرين وطلبوا إلي مطران أن يذكر لهم شيئًا من هذه القصيدة إن كان يذكر، فأجاب أنها محفوظة في ذاكرته كأكثر شعر شوقي وأنشد لهم مطلعها:

ســلام مـن صـبـا بــردي أرق                   ودمــع لا يـرقــرق يــا دمشـــق

ومـقـدرة البـراعــة والقـوافـي                    جـلال الرزء عـن وصـف يــدق

«وقد ثارت مناقشة اشترك فيها عدد من الحاضرين منهم مَنْ انتقد القصيدة وقال إن الرزء لا يدق بل يجل، ومنهم من تحمس لها وقال إنها من عيون الشعر، وكانت محاورة لطيفة أنستنا الحرب وأنباءها والغارات وفظاعتها والقتلي وأشلاءهم، وبعد انتهاء الحفلة شكرت للداعي أن أتاح لنا فرصة الاجتماع بطائفة مثقفة من أبناء البلاد وإخوة من صفوة البلاد الشقيقة».

(21)

ويروي النحاس في مذكراته ببساطة آسرة كيف أتيح له أن يلتقي بالمقرئ العظيم الشيخ محمد رفعت:

«قصدت إلي أداء صلاة الجمعة في مسجد فاضل باشا لأنهم أخبروني إنه مسجد يقع بجوار المدرسة الخديوية وهي المدرسة التي كنا نتعلم فيها التعليم الثانوي وأن به قارئًا ممتازًا يرتل القرآن ترتيلًا متقنًا، وفي الطريق مررت علي نادي المدارس العليا فتذكرت ماضي الشباب أيام كنا نجتمع فيه نخطط للقيام بأعمال سرية ضد جيش الاحتلال، ووصلت إلي المسجد قبل الصلاة بدقائق، فسمعت شيخًا مكفوف البصر يرتل من آيات الذكر الحكيم قول الله عز من قائل﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ بصوت رخيم جميل فيه خشوع وفيه جلال، واهتزت نفسي عند هذا وسألت عن اسم القارئ فقالوا أن اسمه الشيخ محمد رفعت، فلما انتهت الصلاة بين تكبير المصلين ودعواتهم قصدت إلي حيث الشيخ فشددت علي يديه وحييته تحية الإعجاب والتقدير فكانت مفاجأة له حين عرفني، فقام يهلل ويكبر وظهرت علي وجهه سيماء الفرح والسرور وأخذ يدعو بدعوات طيبات والمصلون يؤمنون عليه».

(22)

وعلي صعيد آخر فقد كان النحاس مشجعًا للفن الرفيع إلي أقصي حد، حريصًا علي أن يأخذ الفن مكانه في الحركة الوطنية، وفي مذكراته يروي، فيقول:

«حضرت ماتيلدا عبد المسيح ومعها زوجها وقد رحبت بهما وأخذ زوجها يحدثني عن النشيد الذي أعدته لتعزفه علي البيانو بمساعدة فرقة من الفتيات أعدتها لذلك وأن بعض تلميذات جمعية المعارف حفظنه كذلك وسيشتركن في إلقائه، وقد استمعت إلي كلمات النشيد فوجدته نشيدًا وطنيًا طيبًا لا بأس بإلقائه في الحفلة، فشكرت لها وطنيتها وشجعتها بكلمات طيبة».

(23)

وهذه قصة كاشفة عن مدي ما كان النحاس يتمتع به من إنسانية عالية، وما حفلت به سمعته من تقدير واعتراف بهذه الإنسانية الهادرة:

«وصلت رسالة إليَّ باللغة الفارسية من بلدة اسمها [راشت] بإيران فطلبت الصديق مهدي رفيع مشكي وعرضتها عليه لترجمتها فأفاد بأن مرسلها رجل اسمه عبده الكاظمي وهو يقول إنه أرسل إليك هذا الخطاب بصفتك زعيمًا مسلمًا من زعماء الشرق، وبصفتك زعيم مصر السياسي يطلب إليك أن تبحث عن أخ له يسمي عبد المحسن حتي نستطيع أن نرد علي مرسل الرسالة، ووعد بأن يوافيني بالنتيجة علي وجه السرعة».

«التقيت اليوم بالشيخ البنا وجاء ذكر الرسالة التي تلقيتها من بلدة راشت بإيران بشأن البحث عن شخص يسمي عبد المحسن الكاظمي فقال لي إنه يعرف أنه كان في مصر رجل يسمي عبد المحسن الكاظمي مكفوف البصر وهو شاعر معروف في الوسط الأدبي صديق لشاعر النيل حافظ إبراهيم وغيره من الأدباء لكنه لا يعرف أهو لا يزال مقيمًا في مصر أم رحل عنها، وأنه سيسأل أصدقاءه الأدباء عنه».

«فقلت له أبحث من ناحيتك وسيبحث مهدي رفيع مشكي وهو إيراني الجنسية من ناحيته وأيكما يأتيني بنبأ هذا الرجل، سأكتب إلي أخيه في إيران بنتيجة تحرياتنا».

«اتصل بي مهدي رفيع مشكي، وأخبرني بأنه تحري عن الشيخ الكاظمي فوجده في القاهرة ولكنه ملازم داره لا يبرحها لأنه أصيب بشلل في يده اليمني لكن حالته المعنوية طيبة وقد أخبره بأن سبب امتناعه عن مراسلة أهله في مدينة راشت هو أنه لا يعرف طريقة لتوصيل الخطابات إليهم ورجا أنه إذا كتبنا إلي أسرته أن نطمئنهم عليه وأنه بصحة جيدة. ولما كان لا يمكن إرسال الرسائل إلي الخارج إلا بواسطة الصليب الأحمر فقد اتصلت بممثله في القاهرة واتفقت معه علي قبول الرسالة التي حررتها لشقيق الكاظمي».

(24)

وقد لقي النحاس باشا كثيرًا من عنت المؤرخين والكتاب بسبب المساحة الكبيرة من حرية الحركة الاجتماعية التي تمتعت بها زوجه السيدة زينب الوكيل، وهو أمر مفهوم بالطبع في ظل المساحات الضئيلة والهامشية التي لم تتح من قبل هذه السيدة لمثل من كانت في موقعها، ونحن نعرف أن نشاط السيدة صفية زغلول لم يتعد بيت الأمة إلا بالكاد، كما أن الملكة نازلي كانت أسيرة القصر بأكثر مما كانت سيدته.

وقد صادفت الجهود الاجتماعية التي تبنتها السيدة زينب الوكيل أو بذلتها حظًا سيئًا علي مستويات متعددة. فلما جاء عهد الثورة كان عبد الناصر حريصًا بكل ما أوتي من قوة علي وأد أي دور لزوجه.. دعك من أن زوجته الجليلة لم تكن علي استعداد لمثل هذا الدور.. وكانت سياسة عهد الثورة المبكرة في تحجيم دور المرأة تصب بالطبع في هجوم مكثف علي السيدة زينب الوكيل التي ماتت محرومة من أملاكها، حتي أن بيتها اتخذ في حياتها (وظل) معتقلًا للرئيس محمد نجيب.

وربما يأتي وقت تتاح فيه الفرصة لدراسة أكاديمية تتناول جهود هذه السيدة بالتحليل والإنصاف.

علي أن ما يعنينا في هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو أن نلقي الضوء علي طبيعة تفكير النحاس نفسه فيما يتعلق بمساحة النفوذ التي كان يري أن تتاح لزوجه. ومن قبل هذا تفكيره في الشمائل التي ينبغي أن تتحلي بها من تشغل هذه المكانة.

وهو علي سبيل المثال فيما رواه الأستاذ محمد كامل البنا من مذكراته سنة 1932 يتحدث عن مشروع زواج معروف تناولته الكتابات الصحفية في وقتها وفيما بعد مرور أكثر من نصف قرن (علي يد الأستاذ مصطفي أمين أو بقلمه) وهو يتناول موقفه أو تفكيره الذي حدا به إلي وقف هذا المشروع في بداياته فيقول:

«كنت قد فكرت في الزواج بعد أن كبر أولاد شقيقتي وتزوج بعض بناتها فحدثوني عن سيدة من أسرة الشيخ بالإسكندرية فأعجبني شكلها مبدئيًا وانتويت أن التقي بها لنتحدث في مسألة الزواج وفعلًا كلفت بعض الوسطاء في أن يعد لنا لقاء لإنهاء هذا الموضوع، وبينما استعد لمقابلة السيدة المذكورة جاء إليّ من يخبرني بألا أفعل لأن الحكومة تنصب لي كمينًا وبثت جواسيسها وبوليسها لمراقبتي ومداهمتي وأنا مجتمع بالسيدة المذكورة، فعجبت لهذا الإجرام وهذه التصرفات القذرة وأرجأت هذا الموضوع إلي فرصة آخري».

«زارني الدكتور محمد فاضل رئيس لجنة الوفد بالرمل وزوجته السيدة إجلال وتحدثا معي بخصوص الزواج، وقال لي الدكتور فاضل أن أعدل عن هذا الزواج نهائيًا لأن السيدة المشار إليها تجلس علي الشاطئ يحيط بها عدد كبير من السيدات والفتيات وتجاهر بأنها ستتزوج الزعيم، وأنه هو الذي يلح عليها في هذا الزواج، وإن كانت غير راغبة فيه، فضلًا عن أن المعارضة والحكومة تريد أن تستخدمها لمعرفة أسرار الوفد ونقلها إليهم وأن زوجته إجلال قد سمعت عن هذه الحكايات من أقرب المتصلين إليها ومن أفراد أسرة الشيخ نفسها، وعند سماع هذه الأنباء تأكد لي أن تلك الزوجة لا تصلح شريكة حياتي. وحمدت الله الذي أدركني في أول الشوط».

(25)

ويتصل بتفكير النحاس في زواجه هو نفسه والعوامل الحاكمة لاختيار أنسبائه ما نراه من تفكير آخر له عند الحديث عمن كان سيصبح عديلًا له، وهو ما يتضح بجلاء شديد في فقرتين لا تعوزهما الصراحة، وردتا في مذكراته التي سجلها محمد كامل البنا عن عام 1941:

«… كلمني عبد الواحد الوكيل بك (هو كما نعرف والد زوجه السيدة زينب الوكيل) بأن شابًا من أسرة محسن باشا بالإسكندرية طلب إليه يد كريمته الصغري وقد أرجأه حتي يأخذ رأيي، فقلت له هات لي اسمه وصناعته وعنوانه حتي يمكن التحري».

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

«تحريت عن الشاب الذي طلب يد شقيقة حرمي، وقد علمت أنه ورث عدة عمارات في الإسكندرية تدر عليه إيرادًا سنويا كبيرًا وهو بعد عاطل من التعليم ومن الثقافة فأبديت رأيي لصهري بأني لا أوافق علي هذا الزواج لأنه مقضي عليه بالفشل إذ أن تحرياتي دلت علي أن الشاب المذكور يجلس كل ليلة علي موائد الميسر وقتًا طويلًا ويمكث مع جلساء السوء أكثر وقته ولا يصلح أن يكون زوجًا ولا عديلًا بأي حال من الأحوال، وقد أقرتني أسرة صهري علي رأيي وقررت العدول عن هذا الزواج، وعهدت إليّ أن أطلب ذلك الشاب وأرفضه».

(26)

ومما يحسب للنحاس باشا أنه شجع زوجه السيدة زينب الوكيل علي القيام بدور اجتماعي وإنساني رائد، وقد كانت هذه السيدة تتمتع بقدرات إنسانية مكنتها من النجاح في هذا النشاط الذي ارتادته، وهي في المقام الأول ليست إلا واحدة من أبناء الشعب، حتي وإن انتمت إلي طبقته المتوسطة، وحين بدأت نشاطها الاجتماعي باعتبارها زوجة الزعيم، كانت السيدتان صفية زغلول، وهدي شعراوي لا تزالان علي قيد الحياة والنشاط، لكن نشاطها استطاع أن يفرض نفسه من خلال «مشروع البر» الذي تبنته وأظهرت نشاطها ونجاحها فيه.

لكن انتماء السيدة زينب الوكيل إلي عائلة كبيرة العدد يشتغل كثير منهم بالتجارة والأعمال، كان بمثابة سيف إرهاب فُرض بقسوة علي نشاطها منذ بدأ مكرم عبيد نزاعاته «الصغيرة» مع النحاس باشا، وقد كان من المحتم علي مكرم أن يلجأ إلي هذا السبيل لأنه لم تكن هناك قضية كبري اختلفت فيها توجهاته المعلنة مع توجهات النحاس، وهو الذي عاش حياته مدافعًا عن سياسات النحاس والوفد، ومن ثمَّ لم يكن أمامه إلا اللجوء إلي قضية مفتعلة كقضية نزاهة الحكم، ولم يكن أمامه إلا عائلة أو أصهار «الرئيس الجليل» كي يكون تأثيره بالغا في عداوته.

وقد بدأت متاعب السيدة زينب الوكيل (في تشويه صورة عائلتها والقول بسعي بعض أفرادها إلي التربح) علي يد مكرم عبيد في الكتاب الأسود الذي تخطي الحدود المتعارف عليها في التعامل مع الأسر والسيدات والبيوت، وكان هذا هو أقصي ما يمكن لمكرم عبيد أن يخوض به معركة ظنها مصيرية في وصوله إلي هدفه، لكنها كانت مصيرية في القضاء عليه.

ولما كان أحمد نجيب الهلالي (منذ 1942) قد لعب دور سلاح الوفد البلاغي في الرد علي هجوم مكرم، فإنه حين وصل إلي رياسة الوزارة بعد انشقاقه علي الوفد وجد في ذاكرته وفي مكتبه ما يساعده علي البدء في مناوئة الوفد وزعامته، بما سبق له هو نفسه أن رد فيه علي مكرم عبيد، وهكذا كرر الهلالي اتهامات مكرم للزعامة الوفدية حين خرج علي هذه الزعامة علي نحو ما خرج مكرم من قبل.

وهكذا كانت صيحة الهلالي بالتطهير قبل التحرير تصب مباشرة في الهجوم علي السيدة زينب الوكيل كمدخل تقليدي وغير مباشر للهجوم علي النحاس.

وفي عهد وزارة نجيب الهلالي الأولي (مارس 1952)، استصدر وزير الشئون الاجتماعية راضي أبو سيف راضي قرارا بعزل السيدة زينب هانم الوكيل من المسئولية عن «مشروع البر»، وتم إعلانها بالقرار، وقد رفع الوفد قضية بالطعن في القرار وطلب إلغاءه أمام محكمة مصر واستمرت القضية ثلاثة أشهر، وقدم الوفد (حسب رواية إبراهيم فرج) الأدلة علي براءة هذه السيدة وحسن تصرفها، وبأن «أسبوع البر» زادت أمواله ولم تنقص، وقام بأعمال إنسانية كثيرة وكبيرة ولا يوجد مليم ليس محسوبا أو مقيدا ومرصودا في حسابات البنك والحسابات المقدمة إلي ديوان المحاسبة، واطلعت المحكمة علي المستندات ودرستها بدقة بالغة وأصدرت حكما في 39 صفحة فولسكاب، ردت فيه اعتبار السيدة زينب الوكيل وأنصفتها، وعتبت علي وزير الشئون الذي صدر عنه هذا التصرف، وأثنت علي السيدة زينب الوكيل وأشادت بحسن تصرفها وقضت بإلغاء القرار وكافة آثاره.

واستأنفت الحكومة هذا الحكم وقضت المحكمة برفض الاستئناف.

ثم لجأت الحكومة إلي محكمة النقض التي قضت برفض الدعوي أيضا.

وبعد هذه الأحكام التي صدرت لصالح زينب هانم استقالت من مشروع البر لتريح وتستريح [علي حد تعبير إبراهيم فرج].

(27)

وقد حوكمت السيدة زينب الوكيل أمام محكمة الثورة، وكانت التهمة التي وجهتها إليه محكمة الثورة أنها «أتت أفعالا ساعدت علي إفساد الحكم وكان من شأنها إفساد الحياة السياسية، وذلك خلال سنة 1950 و1951 وما قبلهما بتدخلها في شئون الحكم في البلاد مستغلة صلتها بزوجها السيد مصطفي النحاس رئيس الوزراء الأسبق واستغلالها للنفوذ من 4 فبراير سنة 1942 وما بعدها غير مراعية إلا مصالحها الخاصة ومصالح أفراد أسرتها بطرق غير مشروعة، وقد أفادوا جميعا من ذلك ثروة ضخمة، والتدخل سنة 1950 ـ 1951 في عمليات القطن».

وقد حكم عليها بإعفائها من عقوبة السجن لمرضها ومصادرة كل ما زاد من أموالها وممتلكاتها عما ورثته شرعا لصالح الشعب فيما عدا مبلغ عشرة آلاف جنيه الذي تنازل لها عنه زوجها السيد مصطفي النحاس، وهو ثمن منزله بسمنود، ومصادرة كل ما زاد من أموال وممتلكات أحمد الوكيل عما ورثه شرعا، وعبد الواحد الوكيل عما كان لديه قبل يناير سنة 1950. وكتبت المحكمة في حكمها (ولا نقول: سجلت) أنها تأسف أشد الأسف لموقف السيد مصطفي النحاس إزاء تصرفات زوجته وسماحه لها بالتدخل في شئون الحكم والسياسة واستغلال مركزه هي وعائلتها للإثراء.

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

(28)

وقد ظل النحاس حتي في أحلك لحظات حياته متمتعًا بطبيعة النبل وطول النظر في ممارسته للسياسة وتصديه لتقلباتها، ويتضح هذا بصورة بارزة من مثل رواه صلاح الشاهد عن موقف النحاس من رغبته (أي رغبة صلاح الشاهد) في الشهادة لصالح حرم النحاس، علي حين كان النحاس باشا أبعد نظرا، وكان يعرف أنه لا جدوي من شهادة لن تقدم ولن تؤخر:

«… وأذكر أنه أثناء قضية زينب هانم الوكيل ـ حرم الزعيم مصطفي النحاس باشا ـ رحمها الله ـ أن طلبت زينب هانم من المحكمة سماع أقوالي في واقعة تتعلق بالقضية».

«وقد نشرت مجلة التحرير ـ وكانت تعبر عن رأي مجلس قيادة الثورة ويصدرها ضباط ـ هذا الخبر».

«وقد كنت علي استعداد لأن أدلي بشهادتي، إيمانا مني بإظهار الحقيقة عل الملأ، كما أني عملت وقتا طويلا بالقرب من مصطفي النحاس واتصلت به منذ شبابي، وكان الرجل وزوجته ـ غفر الله لهما ـ أثيرين إلي نفسي، ولم يكن من المعقول ـ وأنا رجل عام ـ أن أتخلي عن ذكر الحقيقة أيا كان الموضع الذي كنت أشغله، كما يقول الله سبحانه وتعالي: ﴿ﭨ ﭩ ﭪ﴾».

«وقد أبديت رغبتي في التوجه إلي المحكمة للسيد الرئيس اللواء محمد نجيب فأبدي شيئا من الحذر، خشية أن يؤول الأمر باعتباره معاداة للثورة.. ولكني لم أتردد».

«واتصل بي المحامي الكبير الأستاذ أحمد رشدي بك، وكان مدافعا عن السيدة الجليلة زينب هانم ودعاني لمقابلة السيدة زينب هانم، فلبيت، والتقينا في منزل مصطفي النحاس وأبديت بجلاء استعدادي للشهادة وليكن ما يكون».

«ولكن مصطفي النحاس باشا رفض ذلك وقال بالحرف الواحد للأستاذ أحمد رشدي: يا أحمد بك، لا تتعب نفسك فالحكم مكتوب قبل المحكمة، وكل شيء معد مقدما ولا داعي لإحراج صلاح، وأنا شايف إن بقاءه في هذا المنصب خير لنا من إحراجه في وقائع لن تسمعها المحكمة».

«وفي اليوم التالي سحب الأستاذ (أحمد) رشدي (المحامي) طلبه باستدعائي للشهادة.. وصدر الحكم».

(29)

وقد أخذ علي النحاس اهتمامه البالغ بشعبيته وحب الجماهير لكن أحدًا ممن أخذوا عليه هذا لم يصل إلي اتهامه بأنه كان مفتونًا بنفسه ولا بزعامته، وإن كان معتزا بها أشد الاعتزاز، وقد كان في مقدمة مَنْ أشاروا إلي هذا المعني السفير البريطاني مايلز لامبسون (اللورد كيلرن).

وقد لاحظ المستشار طارق البشري في تأمله لمذكرات النحاس باشا كيف اهتم النحاس بشعبيته الفائقة، ولخص هذا المؤرخ العظيم انطباعه المنصف عن هذه الجزئية تلخيصًا دقيقًا وموحيًا حيث قال:

«… ونحن نلحظ في المذكرات علي طولها واتساع مساحتها الزمنية مدي اهتمام النحاس الفائق بشعبيته وشعبية التنظيم الذي يقف علي رأسه، وهو دائم الوصف لما يلقاه عند سفره وترحاله وزياراته للأقاليم من احتفاء وتجمهر شعبي، لا يمل ولا يكل من ذكر ذلك، ووصفه حماس الجماهير وحسن استقبالهم، وعلي كثرة ما وصف ذلك فهو في كل مرة يصفه كما لو يحدث لأول مرة، وهو يذكرها دائمًا كما لو كان فوجئ بهذه الاستقبالات وبالحشود وتنظيمها وأن الأمر يجري بتلقائيات الأوضاع وعفويتها، وكان النحاس يقضي شهور الصيف بما يجاوز الأربعة أشهر في الإسكندرية وبعض أسابيع طويلة من الشتاء في الصعيد، والمذكرات تكشف أن الأمر لم يكن أمر نزهة فقط، فهو في كل من هذه الأماكن يستقبل الوفود من المناطق المجاورة ويرتحل إلي الأقاليم المحيطة، سواء الوجه البحري آو في الصعيد، وهو في كل من هذه اللقاءات والمواكب ترد الخطب السياسية منه ومن غيره ويجري التعليق علي الأحداث، ويختبر شعبيته ويزكيها.. وهكذا».

(30)

وقد لخص كاتب صحفي مخضرم هو الدكتور فتحي عبد الفتاح رؤيته للفارق بين زعامتي النحاس وعبد الناصر في مقال بعنوان «عبد الناصر والنحاس!» نشر في عدد «الجمهورية» الأسبوعي في 28 سبتمبر 2002، وفيه يقول ما نصه:

«جمال عبد الناصر.. مصطفي النحاس.. زعيمان من أبرز إن لم يكونا أبرز زعماء مصر الراحلين.. وهل هناك مَنْ ينكر ذلك؟! ماذا يجمع بينهما هذه الأيام سوي أن مصطفي النحاس حانت ذكراه الخامسة والثلاثون (توفي في أغسطس سنة 1965)، وجمال عبد الناصر تحين ذكراه الثلاثون (توفي في سبتمبر سنة 1970)».

«وهل هناك ما يجمع بين الزعيمين؟ نعم هناك الكثير وأكثر مما يتصور الناصريون والوفديون المعاصرون، علي الأقل بالنسبة لجيلنا الذي عرف الاثنين وعاش العهدين. وربما كان مصطفي النحاس وجمال عبد الناصر هما أكثر زعماء مصر الراحلين اللذان تميزا بربط البعد الوطني بالبعد الاجتماعي في تناولهما لقضايا الوطن».

«وحين نتحدث عن البعد الوطني، سنجد أمامنا قائمة طويلة من الزعماء الذين زادوا عن حمي الوطن ورفعوا لواء الاستقلال ابتداء من أحمد عرابي ومصطفي كامل حتي سعد زغلول وأنور السادات، وكان الفارق بين زعيم وآخر في هذا البعد الوطني هو طبيعة المرحلة نفسها التي تفسر لنا لماذا عني أحمد عرابي في المقام الأول بتمصير الجيش والسلطة، وكان مفهوم الاستقلال عند مصطفي كامل يتوقف عند العودة إلي السيادة العثمانية، بينما كان سعد زغلول يضع شعار الاستقلال بعيدا عن أي مزايدات اجتماعية أو طبقية حسب تعبيره».

«أما مصطفي النحاس ومن بعده جمال عبد الناصر فقد كان البعد الاجتماعي متداخلا ومتواكبا مع البعد الوطني. فالنحاس كان يري الوطن المستقل في خدمة الأغلبية الساحقة والطبقات الكادحة والمظلومة من العمال والفلاحين والموظفين، وفي أثناء الفترة التي حكم فيها كرئيس منتخب للوزراء (أقل من ست سنوات) كانت التشريعات والقوانين التي تخدم مصالح هذه الطبقات والشرائح الاجتماعية تصدر علي التوالي ابتداء من وضع حد أدني لأجور العمال، والسماح بتشكيل النقابات العمالية، وحق الإضراب والتظاهر.. إلي قوانين الإنصاف، ورفع مرتبات الموظفين.. إلي مجانية التعليم حتي نهاية المرحلة الثانوية، إلي تزويد القري بمياه الشرب، ورفع الضريبة التصاعدية علي الملكيات الزراعية الكبيرة».

«أما عبد الناصر فكان الاستقلال يعني بالنسبة له سيادة قوي الشعب العامل مثلما حددها في الميثاق «العمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية». وخرجت كل القوانين من الإصلاح الزراعي، إلي التأميمات الواسعة، إلي قوانين التأمين والمعاشات، إلي مجانية التعليم والعلاج.. وكلها استهدفت إقامة شكل من أشكال العدالة الاجتماعية المفتقدة».

«لذلك كله ذهبت آراء عدد من المؤرخين وعلماء الاجتماع المنصفين إلي القول بأن الشعارات التي جاءت بها ثورة يوليو في هذه المجالات الاجتماعية كانت في واقع الأمر امتدادا وتطويرا لبرامج الوفد القديم وانحيازه الاجتماعي».

«وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، بالنسبة للبعدين الوطني والاجتماعي، فماذا عن البعد الثالث.. الديمقراطية؟».

«هنا نجد نقاط الاختلاف أو الافتراق بين النحاس ومفهومه وتطبيقاته عن الديمقراطية.. وبين عبد الناصر ومفهومه وتعليقاته، ولست أريد أن أدخل في جدل نظري حول مفهوم الديمقراطية بمضمونها الليبرالي ومفهومها بالمضمون الاجتماعي والاقتصادي (الاشتراكي)، فأنا ممن يعتقدون أن الديمقراطية وحدة متكاملة، وهي كل لا يتجزأ ولا يمكن تقسيمها بشكل مصطنع إلي ديمقراطية ليبرالية تتعلق بحرية الرأي والقول والتنظيم، وديمقراطية اجتماعية واقتصادية توفر حقوق العمل والصحة والتعليم والمسكن».

ولعلي أهرب من ذلك الجدل العقيم ولعلي أحاول أن أشرحه بطريقتي الخاصة حين أروي حادثة واحدة شهدتها بنفسي مع الزعيمين النحاس وعبد الناصر ويفصل بينهما 15 عاما:

«الحادثة الأولي في نوفمبر سنة 1951 بعد أن قام مصطفي النحاس رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت بإلغاء معاهدة 1936 وقال كلماته الخالدة أمام البرلمان: «من أجل مصر عقدت هذه المعاهدة، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها»، وتفجر الحماس الوطني في مصر كلها من أسوان حتي الإسكندرية، واشتعلت منطقة القناة حيث قوات الاحتلال البريطانية».

«قام النحاس أيامها بجولة في قطار خاص من القاهرة إلي الإسكندرية كجزء من استعراض الحماس الجماهيري لهذا القرار الوطني، وازدحمت المحطات علي طول الطريق بمئات الآلاف من الجماهير التي احتشدت تحيي الزعيم».

«كنت أيامها طالبا بالمدارس الثانوية وخرجت مع المدرسة إلي محطة طنطا نشارك في هذا المهرجان الشعبي الفريد، ونظرا للزحام الشديد فقد اخترت أحد الأعمدة بجوار الرصيف الذي سيقف عليه قطار الزعيم وتسلقته لكي لا تفوتني رؤياه».

«وجاء القطار وامتلأت المحطة بهتافات الجماهير الهادرة والمتحمسة للنحاس سيد الناس وهو يقف في شرفة العربة المفتوحة يلوح لهم ويصافح الذين اصطفوا علي الرصيف، وبعد فترة بدأ القطار يتحرك متجها إلي الإسكندرية وسط الهتافات الصارخة والصادقة».

«ويبدو أن فتي في نفس عمري في ذلك الوقت (13 عاما) حاول أن يصافح الزعيم وسط الزحام ولكن قدمه تعثرت ورأيت وسمعت الزعيم الجليل في أغرب صورة لم تفارق ذهني حتي الآن وهو يمسك بيد الصبي ويصرخ طالبا من سائق القطار بأن يتوقف. ولا أدري هل استمر هذا الوضع دقيقة أم دقيقتين ولكن القطار توقف ورأيت النحاس يخرج من العربة ويحتضن الغلام علي رصيف المحطة يتحسسه ويطمئن عليه، بينما يؤكد له الجميع أن الواد بخير، ولم يصدق النحاس إلا بعد أن رأي الولد يقف علي قدميه ويجري وهو يهتف لزعيم الأمة النحاس.. وتحرك القطار».

«أما المشهد الثاني فقد جاء بعد ذلك بحوالي 15 عاما وتحديدا مع بداية خريف سنة 1966 حيث كان الرئيس جمال عبد الناصر قادما من رحلة له في موسكو واكتسبت الرحلة أبعادا مهمة حيث جاءت في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي جونسون مقاطعة مصر اقتصاديا وعدم تزويدها بالقمح الذي كانت مصر قد تعاقدت عليه بالفعل».

«وتقرر أن يكون استقبال الرئيس عبد الناصر استقبالا شعبيا حافلا ردا علي الوقاحة الأمريكية وتأكيدا لالتفاف الجماهير حول الزعيم، وخرجت النقابات المهنية والعمالية واصطفت الجماهير من مطار القاهرة وشارع العروبة حتي منشية البكري».

«وكان موقع نقابة الصحفيين بجانب قصر البارون، ووقفت يومها مع زملاء كثيرين أمد الله في عمرهم لتحية الزعيم العائد من موسكو وهو يركب عربة مكشوفة ويحيي الجماهير بينما اصطف رجال الأمن علي الجانبين».

«وخرجت الهتافات تحيي الزعيم ومواقفه الوطنية: ولا يهمك يا ريس من الأمريكان يا ريس.. بالروح بالدم نفديك!».

«وفجأة انفلت من بين الصفوف صبي لا يتجاوز عمره الثالثة عشرة واندفع نحو عربة الزعيم وهو يهتف بحماس: «ناصر.. ناصر» ولعل الفتي بعواطفه الجامحة طمح في أن يقترب من الزعيم الذي أحبه ويسلم عليه».

«لكن وجدت مجموعة من رجال الأمن يطبقون علي الصبي الصغير ويوسعونه ضربا بعد أن وقع طريحا علي الأرض، بينما مضي الزعيم في عربته المكشوفة يحيي الجماهير علي الجانبين».

ويصل الدكتور فتحي عبد الفتاح إلي قوله:

«نحن في الحادثين أمام ولدين في نفس العمر كلاهما أحب الزعيم، وكلاهما أراد أن يعبر عن مشاعره، لكن أسلوب التعامل اختلف في الحالتين.. تري هل أكون قد تحدثت عن البعد الديمقراطي؟!».

(31)

كان النحاس متسامحًا عطوفًا علي كل من يعمل معه وتحت قيادته، والأمثلة علي ذلك كثيرة جدًا، لكني اكتفي بقصة واحدة قصها الدكتور السيد أبو النجا في كتابه «السيد أبو النجا وهؤلاء»، وتتعلق هذه القصة بالنزاع الذي نشب بين محمود أبو الفتح (صاحب المصري) والدكتور محمد مندور رئيس التحرير، ومع أن الحق علي نحو ما صوره أبو النجا كان في صف أبو الفتح، وكان أستاذنا الدكتور مندور مخطئًا في البداية والنهاية، فإن النحاس باشا انحاز له انحيازًا لم يعرف الدكتور أبو النجا سببًا له إلا في شخصية النحاس:

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

«أسرّ لي محمود أبو الفتح بأنه علم من مصدر لصيق بالنحاس باشا أن الدكتور مندور أخبره بأن المصري في طريقه إلي الخروج علي الوفد فهاج النحاس وقال: إنه سيعلن أن الجريدة لم تعد تمثل الوفد فتموت قبل أن تغير جلدها».

«وأشار عليّ صاحب المصري أن أكتب للدكتور مندور خطابًا مسجلًا بهذا الذي سمعه فإن تلقيت منه تكذيبًا رفعناه للنحاس وإلا حقّ لنا أن نفصله بعد مهلة ما دام يعمل للإضرار بالجريدة التي يشتغل فيها، ولم يرد الدكتور مندور وإنما قدم في القضية خطابا من النحاس باشا بأن الدكتور مندور لم يحدثه في هذا الأمر.. وكسب مندور القضية وحصل علي تعويض كبير».

«هل كان مصدر الخبر غير دقيق؟ أو كان النحاس باشا حريصًا علي حماية مندور؟ لست أدري».

«لقد كان الدكتور زهير جرانة هو محامي مندور، وسابا حبشي باشا هو محامينا، ولكن مندور قاطع محاميه وترافع عن نفسه فقال:

«يا حضرات المستشارين:

هذه القضية مضت عليها أعوام دون أن أحصل فيها علي حكم. محمود أبو الفتح يتنقل في مغاني أوربا وأمريكا وأنا لا أجد هنا ما يكفي لطعامي.. ومن الأسف أني حاصل علي الدكتوراه في الآداب، وليسانس في القانون، ولكن مهنتي الكتابة فليس في استطاعتي أن اشتغل بالبقالة، وزوجتي خريجة الآداب وهي شاعرة، فليس في وسعها أن تعمل غسالة. إنني منذ شهرين لم أجد ما آكله فاقترضت من حسين أبو الفتح ـ وهو جالس أمامي هنا ـ خمسين جنيهًا لولاها لتسولت. واستمر في حديثه حتي بكي فبكي أحد المستشارين ولذلك رد نفسه عن الحكم، ورفعت الجلسة، ثم عادت بعد أن استبدلت به سواه».

«ومن الغريب أن النحاس باشا سارع بعد الجلسة فعين مندور بنفس مرتبه في جريدة الوفد المصري».

(32)

كان النحاس محبًا للرياضة والرياضيين علي نحو ما كان ممارسا لها وكان يري أهمية كبيرة للرياضة في الحياة السياسية وقد روي صلاح الشاهد في مذكراته واقعة دالة علي حجم هذا الحب:

«… وأثناء عبور البطل المصري المعروف حسن عبد الرحيم وحصوله علي جائزة الديلي ميل (أغسطس سنة 1950) كان النحاس باشا يترقب الأخبار وهو في طريقه من الإسكندرية إلي القاهرة بعد أن أمر بإبلاغه نتائج المباراة أولا بأول من نظار المحطات».

«وعندما دخل القطار القاهرة كانت أنباء انتصار حسن عبد الرحيم قد وصلت، وفرح النحاس باشا فرحا شديدا، وكان وهو يسير ممسكا بعصاه من منتصفها يختال زهوا، وكأنه هو الذي حقق لمصر هذا الفوز العظيم».

«وطلب مني أن أرسل برقية للسفير المصري بلندن لتهنئة السباحين والبعثة وإعطائهم أي مبلغ هم في حاجة إليه».

«وعند رجوع البعثة إلي القاهرة قابلها مصطفي النحاس باشا في سان استيفانو مهنئا، ودعا أفرادها لتناول الشاي، ووقف فيهم خطيبا ومشيدا ببطولتهم، ثم قال: إنه يري أن الدعاية عن طريق الرياضة خير وأبقي وأكثر ثمارا من الدعاية الدبلوماسية الباردة».

(33)

وتحفل كثير من أدبيات التاريخ المصري الحديث والمعاصر بالحديث الجميل المحبب إلي النفس عن تلقائية النحاس وبساطته وصراحته، ولا يتسع المقام لكثير من هذه الروايات، لكننا نكتفي بأن نورد من ذكريات إبراهيم فرج ما يدلنا علي أن النحاس ظل علي هذا الخلق حتي مع السفراء الأجانب، وهذه وقائع مقابلات السفراء الأسباني والبريطاني والأمريكي معه، وتدلنا الواقعة الأخيرة أن مهابة النحاس كانت محفوظة وسامقة رغم كل هذه التلقائية والبساطة:

«حدثت واقعتان في وزارة ١٩٥٠ ـ ١٩٥٢، الأولي مع سفير أسبانيا في القاهرة، وكان رجلا متقدما في السن وأرستقراطي المنبت. قابل النحاس باشا، وكنت حاضرا هذه المقابلة، وتطرق حديثه إلي ثورة الريف المراكشي، والأمير عبد الكريم الخطابي، وكان لاجئا وقتها في مصر فقال السفير:

«إن الفرنسيين ما زالوا حتي الآن يحملون أسبانيا أسباب عدم القضاء علي الأمير عبد الكريم».

فبادر النحاس باشا بالرد عليه بعنف:

«أنت بتقول الحكاية دي ليه، أنت عايزني أسلم لكم عبد الكريم الخطابي؟ ده راجل أنا بأساعده علشان يطردكم من بلده».

فارتبك السفير وأراد إصلاح الموقف فقال للنحاس باشا:

«إنني أقول إن فرنسا هي التي تقول ذلك».

فرد عليه النحاس: «دع فرنسا لي».

وعند خروج السفير قال لي وهو مرتبك:«ما معني دع فرنسا لي؟».

فقلت له: «إن النحاس باشا زعيم كبير، وهو يريد أن يقول لك إنه يستطيع أن يتعامل مع فرنسا».. طبعًا كان النحاس باشا بتعبيره «دع فرنسا لي» يعني أنه لا شأن لكم بفرنسا.. أنا أستطيع التفاهم معها إذا كان لها رأي في ذلك. وكانت فرنسا مستاءة وقتها من تأييد وتدعيم حكومة الوفد لقضايا الشعوب العربية في شمال أفريقيا.

(34)

وننتقل مع إبراهيم فرج إلي الحادثة الأخري وهي خاصة بالسفير البريطاني والسفير الأمريكي:

«طلب السفير البريطاني مقابلة النحاس باشا علي انفراد.. وحدد له موعدا في بيته.. وعندما دخل الصالون فوجئ بي جالسا.. فقال للنحاس باشا إنه طلب أن يقابله بمفرده دون وجود أي مسئول آخر. فاستأذنت من النحاس باشا في الخروج، وقلت له: إن هذا من حق السفير ما دام قد طلبه».

لكن النحاس باشا قال لي: اقعد.

وقال للسفير: «إن إبراهيم فرج له صفتان: الأولي أنه وزير، والثانية أنه سكرتيري، وهو الآن يجلس معنا بصفته سكرتيري». وقد أحرج السفير لأنه طلب أن يقابل النحاس باشا بمفرده ليشكو له من عنف التصريحات التي يدلي بها المسئولون في الوزارة ضد إنجلترا.. وأنا علي رأسهم، لأنها تعكر صفو العلاقات بين الدولتين. ولم يجد السفير بدا من الحديث.. لكن بلطف، فرد عليه النحاس باشا بطريقة أحرجته.. وقال له:

«إن المسئولين الذين تقصدهم يتحدثون بأقل مما ينبغي من اللوم الذي يجب أن يتحدثوا به عن موقفكم من المفاوضات التي لم تسفر عن شيء حتي الآن».

«وخرج السفير البريطاني.. وذهب إلي السفير الأمريكي وطلب منه أن ينقل للنحاس باشا استياء الحكومة البريطانية من التصريحات العنيفة التي يدلي بها المسئولون المصريون ضد بريطانيا لأنه لم يستطع الحديث بحرية مع النحاس في هذا الشأن».

«وبالفعل حضر السفير الأمريكي لمقابلة النحاس باشا وكنت حاضرا وطلب من النحاس أن يخفف من حدة تصريحات المسئولين المصريين التي تندد بأمريكا، لأنها تعرقل رغبته في مساعدة مصر، وقال إنه يتحدث في هذا الطلب بصفته الشخصية.. وبناء علي ما طلبه منه السفير البريطاني».

«وكان النحاس باشا قد طلب قهوة لكافري، وكان لا يشربها أبدا، فمال عليّ وقال لي:

أنا لا أريد أن أشرب القهوة.. ماذا أفعل؟

فقلت له: إذا كنت لا تريدها فلا تشربها.

ورآنا النحاس باشا ونحن نتهامس، فقال لكافري: خذ القهوة.

فأسرع كافري وتناول فنجان القهوة وشربه علي مضض، وفي اليوم التالي أخبرني أنه أصيب بمغص.. وأنه اضطر لشرب القهوة خوفا من النحاس باشا».

…. …. …. …. …. …. …. …. …. …. ….

هكذا كان الرجل.. وهكذا كان الزعيم..

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com