الرئيسية / المكتبة الصحفية / زعيم الأمة مصطفى النحاس وبناء الدولة الليبرالية ( 1 )

زعيم الأمة مصطفى النحاس وبناء الدولة الليبرالية ( 1 )

زعيم الأمة مصطفى النحاس/ الفصل الأول

الفصل الأول

مكانة النحاس في تاريخ أمته

)1(

لعل أصدق ما توصف به مكانة مصطفى النحاس باشا في عصره أنه كان أكبر وأعظم

مما يحتاج إليه عصره، فقد كان هذا الرجل يتمتع بمثاليات وكفايات خلقية وسياسية

تفوق ما هو مطلوب من رئيس وزراء أو رئيس جماعة وطنية كبيرة كالوفد، ولو أن

النحاس كان أقل مما كان عليه بالفعل لكان أكثر نجاحا وحظا عند معاصريه، وإن كان

مواطنوه البسطاء لم يبخلوا عليه بكل ما يستحقه من حب وتأييد وإخلاص، ودليلي

على هذا ناصع ساطع كالشمس وهو خلاصة كتابات كل الذين ينتقدون النحاس بما

ليس فيه، والذين يضخمون ما يتصورونه عيوبا في شخصيته أو في أدائه. فإن هؤلاء

وهؤلاء يختمون كتاباتهم بالقول بأن هذا لا يمنع الإقرار بأن الرجل كان وطنيا عظيما،

أو بأنه كان مخلصا ونزيها، أو بأنه عاش حياته من أجل وطنه وقضية بلاده دون أن يفتر

له عزم أو تلين له قناة.

)2(

وقد وصل النحاس في مثالياته إلى الحد الذي جعل الأستاذ محمد التابعي يهاجمه،

ويدعوه ألا يكون ديمقراطيا مع أعداء الديمقراطية، وكان التابعي محقا في هذا الهجوم

حين كان يطالبه بأن يغضب مرة واحدة من أجل الدستور، وأن يثأر مرة واحدة من أجل

الشعب.

وليس من شك أن النحاس بسلوكه المثالي الفذ النادر قد أحرج كل من جاء بعده،

ولعل هذا يمثل السبب الذي كان يجعل كثيرًا من قادة الثورة أسرى كراهية قديمة

للنحاس، ومع كل المجد والعظمة التي حققها الرئيس السادات والتي دخل بها

التاريخ من أوسع أبوابه، فإنه لم يستطع أن يتخلص من شبح عظمة النحاس، وحين

وجد نفسه مضطرا )ذات مرة( إلى تبرير موقفه منه ذكر أنه لا يغفر له موقفه حين سافر

النقراشي كي يعرض قضية مصر على مجلس الأمن، فقال إن النقراشي لا يمثل مصر!

وهذا نموذج واضح لأقصى ما يمكن أن يوجه إلى النحاس من نقد.

وقد أدرك الشعب المصري بفطنته الحضارية أن العناية الإلهية تحرس النحاس

باشا من كيد المتربصين به، وللشعب الحق في أن يدرك مثل هذا المعنى العظيم،

لكني بكل عقلانيتي وموضوعيتي وكل ما تعلمت أقف حائرًا وخاشعًا ومشدوهًا أمام

عناية الله التي تحفظ كذلك سيرة النحاس بعد وفاته، فما من مغرض أراد بالنحاس

وسيرته سوءًا إلا ردّ الله سهامه إلى نحره، وكشف المستور من خبيئة نفسه، وهذا في

حد ذاته أمر يصعب فهمه إلا بقدر من الإيمان، ويصعب تصوره إلا بقدر أكبر من

الإيمان، ويبدو أن إدراكه يحتاج إلى قدر ثالث من الإيمان يفوق القدرين المطلوبين

لفهمه ولتصوره.

)3(

ولست ميالا إلى أن أصور النحاس في صورة الملاك، ولا في صورة البشر

الملائكيين، ولكني أحسبه يمثل النموذج السامي أو المتسامي من بين السياسيين، ولا

أقول من بين البشر، فإن ممارسة السياسة في حد ذاتها تقلل من إنسانية الإنسان دون أن

يدري الإنسان أنه يفقد من إنسانيته بعضها، إلا أن يكون هذا الإنسان من ندرة النوادر

الذين أتيح لهم أن يمارسوا السياسة مبكرا وأن يبتعدوا عنها مبكرا أيضًا، وأن يتأملوا

الحياة من علٍ.

لهذا فإن تقييم النحاس ينبغي أن يتم في إطار الصورة التي رأينا فيها كثيرًا من

السياسيين المصريين والعرب على مدى الفترة التي امتدت إلى نصف قرن من قبله

ونصف قرن من بعده، ولست أظن أحدا يستطيع أن يماري في صعوبة أن يجد للنحاس

مثيلا من بين كل هؤلاء الذين تبوءوا ما تبوأه من مقاعد.

)4(

وقد كان من دلائل عظمة الزعامة في شخصية مصطفى النحاس أن دور زعامته

للوفد قد ازداد تألقا بعد عقد معاهدة 1936 على خلاف ما كان يتوقعه البعض ويروج

له من أن توقيع معاهدة 1936 يعتبر نهاية لمهمة الوفد التي تشكل من أجلها في 1918 ،

وكان إفراط النحاس في الفخر بمعاهدة 1936 بمثابة أداة يبني عليها أعداؤه وجهة

نظرهم في نهاية دور الوفد، وذلك بتوقيع ما سماه النحاس باشا نفسه «معاهدة الشرف

والاستقلال »، لكن النحاس كان من الذكاء بحيث رد بقوله بأن مهمته لا تنتهي بتوقيع

المعاهدة، وإنما تنتهي بتنفيذها، لأن التنفيذ في الحقيقة هو الذي يحقق الاستقلال،

أما التوقيع وحده فلا يؤدي إلى شيء، ولأن العبرة بالتنفيذ وليست بالتوقيع.

)5(

والحق أن النحاس كان من القوة بحيث خلق المناخات الليبرالية والاجتماعية

التي هيأت مصر لما أنجزته ثورة 1952 من إيجابيات مهمة وما حققته من تحولات

اجتماعية متعددة، ولنأخذ على سبيل المثال إنجازا شكليا من قبيل إلغاء الألقاب، ففي

أكتوبر ١٩٣٦ نادى فكري أباظة صراحة بضرورة إلغاء الألقاب، وكان المناخ الذي

أوجده الوفد مناسبا لذلك، فحين عاد الوفد إلى الحكم على إثر انتخابات ١٩٣٦

اختار النحاس لرئاسة الهيئة التشريعية للبلاد اثنين من الأفندية: أحمد ماهر «أفندي »

رئيسا لمجلس النواب، ومحمود بسيوني «أفندي » رئيسا لمجلس الشيوخ.

وقد ظل النحاس على هذا النهج طيلة زعامته السياسية التي استمرت تؤدي دورها

المرموق طيلة ربع قرن من الزمان.

)6(

وقد أدرك الأديب العظيم نجيب محفوظ حقيقة عظمة النحاس وعرضها بطريقة

أدبية على أبدع ما يكون التصوير والتعبير في كتابه «أمام العرش »، وفي حقيقة الأمر

فإن نجيب محفوظ ارتفع بقيمة النحاس إلى أرفع مكانة u1576 بين زعماء مصر، وكان

نجيب محفوظ موفقا في هذا الذي توصل إليه بعد طول تأمل، وربما يجدر بنا أن

20

نذكر أن نجيب محفوظ وصل إلى هذا الحكم الصائب وهو في قمة تألقه على حين

كان التراب لا يزال يحاول أن يهال بعنف وافتراء على سيرة النحاس.

ولم يكن توفيق الحكيم هو الآخر بعيدا عن إدراك عظمة النحاس، ونحن نراه فيما

رواه حين أراد تصوير ذكرياته عن المثقفين والسلطة واعيا كل الوعي لقيمة النحاس

وقيم النحاس، وقد قص بطريقته الأثيرة الآسرة في مرات عديدة مواقف طريفة في

هذا الشأن.

)7(

أما طه حسين فلم يكن هو الثالث غافلا عن قيمة النحاس حتى في بواكير حياته،

ورغم كل مراهنات طه حسين على أحزاب الأقلية مرة بعد أخرى، ورغم عداواته

الظاهرة لسعد زغلول وأداء سعد زغلول، ورغم بعده التام عن الوفد، فإنه أقبل على

الوفد إقبالا واثقا في عهد مصطفى النحاس، كذلك فإن التاريخ ينبئنا بأن طه حسين لم

يجد الفرصة الحقيقية لعرض أفكاره وتنفيذها إلا من خلال وزارات الوفد حين عمل

مستشارا فنيا لوزارة المعارف في عهد الوفد، ثم كان أن تحقق لطه حسين الإنجاز

التاريخي الذي رفع اسمه وقيمته للأبد حين دخل وزارة الوفد الأخيرة التي هيأت له

أن يعلن الدعوة التي خلدت اسمه بأن «التعليم كالماء والهواء »، وبالإضافة إلى هذا

فنحن نراه فيما روي من مذكرات وأحاديث يشيد بكل صراحة بفضل الوفد والنحاس

على هذه الدعوة تبنيا وتشجيعا وتنفيذا.

)8(

ولست من أنصار الذين ينسبون الأستاذ العقاد كلية إلى الموقف المعادي للنحاس،

لا هو ولا التابعي ولا روزاليوسف ولا حتى مصطفى وعلي أمين، وإنما أميل إلى

أن أعتبر كل تصرفات هؤلاء في إطار الاختلاف الذي يصحبه عقوق الأبناء الذي لا

بد منه مع كل أب عظيم، وحين يبلغ الأبناء من العمر والخبرة القدر الذي يؤهلهم

لشجاعة الاعتراف فإنهم يندمون على هذا الذي مضوا فيه في شرخ شبابهم.. وهذا

ما حدث بالفعل. ومن حسن الحظ أن أغلب هؤلاء قد عادوا بالفعل إلى الحق بعدما

مضوا في طرق كثيرة أخرى، وليس هذا هو بيت القصيد في هذه الجزئية، وإنما الأهم

هو أن هؤلاء وهم يهاجمون مصطفى النحاس كانوا يهاجمونه كما صورنا على نحو

ما يهاجم الأبناء العاقون آباءهم المتسامحين، ويؤيد رأيي أنهم لم يكونوا يحتاطون

أو يتحرزون في هذا الهجوم، ولم يكونوا يحسبون حسابا لبطش الظالمين وعسف

الطغاة، وإنما كانوا يهاجمون الرجل وهم مطمئنون تمام الاطمئنان إلى طيبة قلب

الأب وسلامة نيته وميله إلى التسامح والغفران وترفعه عن الصغائر والأحقاد.

)9(

ولم يذكر التاريخ أن النحاس بطش بأي من معارضيه بأي نوع من البطش، وأقصى

ما وصلت إليه وزارته من تقييد للحريات في ظل الحرب العالمية الثانية )وقلق الحلفاء

وإلحاحهم( لم يتعد الاعتقال في أماكن لائقة )علي ماهر باشا في القصر الأخضر(،

أو مهيأة للهروب منها )على نحو ما قرأنا في قصص هروب السادات وموسى صبري

وجلال الحمامصي وغيرهم(.

وقد كتب مصطفى أمين في كتابه «سنة أولى سجن » يصف سماحة النحاس وموقفه

من خصومه:

«من حق النحاس أن أشيد به وأنا مسجون، وأن أذكره كرجل قاد كفاح هذه الأمة،

وضحى في سبيلها، ونفي من أجلها، وحمل الزعامة بعد سعد زغلول، وكانت نهايته

هي نهاية الديمقراطية »

«… لو كنت كتبت اليوم عن سكرتير أحد الوزراء ما كتبت عن رئيس الحكومة

مصطفى النحاس، لشنقوني، أو أعدموني رميا بالرصاص! ولقد قبض عليّ في عهد

النحاس سنة ١٩٥١ ستا وعشرين مرة، ولكني كنت أدفع كفالة، وأخرج من السجن،

ولم يفكر النحاس أن يدبر لي تهمة، أو يحاكمني على جريمة أنا بريء منها .»

)10(

وقد شهدت روز اليوسف في كتاب ذكرياتها للنحاس ببعض أخلاقه النبيلة:

«… وكان مصطفى النحاس هو الوحيد تقريبا الذي لا يتحدث في مجالسه عن

الآخرين، )بمَنْ( فيهم أعنف خصومه، فإذا تعرض لواحد من خصومه لم يزد على أن

يقول: دا راجل غير وطني! .»

)11(

أما شاعر العراق الكبير الجواهري فقد هنأ النحاس بفوز الوفد في انتخابات

1950 بقصيدة طويلة سميت «القصيدة الوفدية » نقتطف منها هذه الأبيات:

سر في جهادك يحتضنك لواءُ نثرت عليه قلوبها الشهداء

أزعيم مصر.. وللشعوب أمانة ما انفك يحمل ثقلها الأمناء

الصامدون على وعورة دربهم ما مسهم ضجر ولا إعياء

سر في جهادك تمش خلفك أمة هي بالطموح منيعة عصماء

)12(

ولو أن النحاس حكم مصر بصفة متصلة منذ ١٩٢٧ وحتى ١٩٥٢ أو حتى ١٩٤٢

أو ١٩٤٧ فقط لكانت مصر قد تبوأت مقعدها بين الدول الكبري في العالم كله،

ولكانت مكانتها في تقرير التنمية البشرية قد حفظت لها مكانا بين الدول العشرين

الأوائل على مستوى العالم بد من المكانة التي وصلت إليها بفضل ممارسات

ومهاترات مستمرة ومتكررة حيث أصبحت للأسف الشديد في نهاية القرن العشرين

ما بين المكانة 120 والمكانة 119 .

ولكن يبدو أن العصر السياسي في تلك الفترة لم يكن يستأهل وجود النحاس بكل

عظمته.

)13(

عاش مصطفى النحاس حياته من أجل الحرية، ومن أجل الدستور، ومن أجل

حكم الشعب، ومن أجل الرأي العام.

والواقع أن النحاس قد نجح نجاحا ساحقا في أن يحافظ على شعلة الوطنية متقدة

متأججة، وعقب الحياة u1601 في جوانب الحضارة المختلفة، وقاد شعبه إلى تقدم مدروس

ورقي محسوس.

وقد اختلف الكتاب والمؤرخون في أكبر إنجازاته. ربما يكون أكبر إنجازاته هو

معاهدة ١٩٣٦، وربما يكون إلغاء هذه المعاهدة في ١٩٥١، وربما يكون قيادته

وتوجيهه للكفاح الشعبي عقب إلغاء المعاهدة ومعركة القنال، وربما يكون إلغاؤه

الامتيازات الأجنبية من خلال مؤتمر مونتريه ١٩٣٧، وربما يكون هو معركة الشرطة

في ١٩٥٢، بل ربما تكون الثورة ) ١٩٥٢( نفسها من إنجازاته، فهو الذي جهز كوادرها

بمعاهدة ١٩٣٦ في الكلية الحربية، ومهد لها الأرض بإلغاء المعاهدة، وأجرى في

دماء الشعب وشبابه الوطنية التي كفلت التجاوب مع الثورة ونجاحها.

)14(

وقد ظل النحاس باشا حتى في شيخوخته واعيا لكل حقائق التاريخ، فهو في رواية

صلاح الشاهد رفض أن يتسلم معونة مالية قررها الرئيس عبد الناصر من المصروفات

السرية، وأبى أن يتقبلها إلا أن تكون مسحوبة بشيك من حسابات الحكومة.

وقد ظل النحاس على مدى تاريخه السياسي متمتعا بحب الشعب، وثقته المتجددة،

وكانت انتخابات ١٩٤٩ التي أعلنت نتائجها مع مطلع ١٩٥٠ بمثابة الاستفتاء

الانتخابي الأخير الذي أثبت للناس جميعا أن النحاس كان لا يزال في قلوب الشعب

وأفئدته، ولو أن الظنون والأراجيف التي انتشرت قبل الانتخابات كانت تصدر عن أي

قدر من الصواب لما كان الوفد قد حصل على خمسين في المائة من مقاعد البرلمان

على أكثر تقدير، لكنه لحسن الحظ حصل على ما يقرب من المائة في المائة من هذه

المقاعد، وهو إعجاز كبير لا يدل على عظمة النحاس فحسب، لكنه قبل هذا يدل بكل

وضوح على عظمة الشعب.

أما الاستفتاء الشعبي الأخير الذي أعلن عن حب الشعب للنحاس فكان هو جنازته

التي لم تشهد القاهرة حتى وقتها مثي لها.

)15(

ومع أن انتخابات ١٩٣٨و 1944 التي ابتعد عنها الوفد وقاطعها قد أسفرت عن

برلمانات غير وفدية، فإن هذه البرلمانات نفسها كانت تعلم علم اليقين أنها قد استلبت

الوفد والشعب حقوقهما، ومع أني لا أقلل أبدا من شأن هذه البرلمانات ورجالها

وقراراتها، فإن الحق الذي لا مرية فيه أن افتقاد هذه البرلمانات للتمثيل الوفدي كان

نقطة ضعف خطيرة في تكوينها مهما قيل عن نجاحها في أداء وظيفتها البرلمانية،

سواء في الرقابة والتشريع، والأمر بهذا عندي شبيه بالأطراف التكميلية والأجهزة

التعويضية التي تستكمل الشكل وتؤدي بعض الوظيفة باقتدار لكنها تفتقد الطبيعة

والتكوين الحي الذي لا بد منه إذا ما أردنا حياة جيدة سليمة.

)16(

وعلى الرغم من السطوة التي كان يمارس بها رجال القصر الملكي نفوذهم على

رؤساء الوزارات المتعاقبة فإن النحاس باشا استطاع على الدوام أن يضع هؤلاء في

حجمهم الطبيعي دون أن ينخدع في توددهم المبكر، أو في محاولتهم استدراج الوفد

إلى قبول مبدأ مشاركة القصر في الحكم، وعلى سبيل المثال فإن النحاس كان يجيد

التعامل الأبي والذكي مع محمد توفيق نسيم في عهد الملك فؤاد، كما أنه وقف لعلي

ماهر بالمرصاد طيلة الفترة التي عمل فيها رئيسا للديوان، أما أحمد حسنين فكان أذكى

وأضعف )معًا( من أن يصور نفسه خصما مباشرا للنحاس وزعامته، وهكذا اقتصرت

أدواره على العمل في الخفاء، حتى وإن كان هو الخفاء المعلن، أما حسين سري فقد

رأس الديوان في فترة كان الملك فاروق نفسه أقرب ما يكون إلى بنوة النحاس الذي

حاول بكل ما يستطيع أن يحل له مشكلاته مع والدته، ومع شقيقاته، وأما حافظ عفيفي

فقد جاء حين كانت شمس القصر قد آذنت بالمغيب! لكن علاقته بالنحاس في تلك

الفترة المحدودة كانت أقرب ما تكون إلى الاحترام المتبادل. أما رجال القصر الملكي

فكانوا قريبين بوجدانهم من النحاس باشا، ومن هؤلاء عبد الوهاب طلعت وحسن

يوسف وعبد اللطيف طلعت، بل إن رجا من طبقة محمد حيدر وكريم ثابت كانوا

كذلك. أما الملكة نازلي فقد كانت وفدية الهوى في البداية والنهاية. وأما الملكة فريدة

فكانت تعرف قدر النحاس وزعامته وتكن له كل الاحترام.

)17(

وقد تحمل النحاس طوال حياته سخافات لم يكن غيره ليتحملها من زعماء الأقليات

المختلفة، وكانت الجماهير تعي حجم مثل هذه المواقف وتصور زعيمها النحاس على

أنه جبل قادر على تحمل كل هذا، ولا يتسع المقام لذكر قصص كثيرة دالة على ما عاناه

النحاس على مدى تاريخه، لكننا نكتفي بهذا المقام أن نروي أن النحاس كان من باب

اللياقة قد رأى دعوة كل من إسماعيل صدقي باشا، ومحمد محمود باشا، وعبد الفتاح

يحيى باشا إلى حضور الاجتماع الذي دعا إليه أعضاء الجبهة الوطنية، للنظر في موضوع

مؤتمر الامتيازات وموقف الأعضاء المصريين، لكن هؤلاء الزعماء الثلاثة رأوا الفرصة

مواتية لهم ليظهروا ضيقهم من أداء الوزارة الوفدية، وليؤججوا الخصومة بينها وبين

المعارضة فآثروا أن يظهروا أنفسهم غير راغبين في التعاون مع النحاس والوزارة الوفدية

ورأوا أن يأخذ هذا الرفض صورة سخيفة، فأرسلوا بردهم على دعوة النحاس باشا مع

سائق سيارة محمد محمود باشا. لكن تصرفات كهذه جعلت أصحابها يبدون في صورة

السائق، على حين بقيت للنحاس صورة الزعيم الخالد لا القائد العظيم فحسب.

)18(

وقد أشرنا في كتابنا «نحو حكم الفرد » إلى أن الرئىس محمد نجىب قد ذكر رأىه في

حرىق القاهرة بكل الوضوح، و أنه كان ىنحاز للرأي القائل بأن الحرىق كان مؤامرة دبرها

الملك بالاشتراك مع عملاء الإنجلىز للتخلص من الوفد، وهو رأي حصىف، ولكن

عهدا الملكىة والثورة اجتمعا  للأسف  على عدم الانتصار له.

وبوسع القارئ أن ىعود إلى مذكرات مرتضى المراغي التي تناولناها في كتابنا «على

مشارف الثورة » لىتأمل أدلة قوىة، وقرائن حقىقىة ىقدمها المراغي  وهو وزىر الداخلىة

في أعقاب الحرىق  للتدلىل على صواب هذا الرأي الذي كان الرئيس نجىب ىمىل إلىه

بحكم فهمه  هو الآخر  لما حدث، وقد روى المراغي ذكرىاته عن ذلك الىوم ثم قال:

«… أعتقد أن الملك وحاشىته بالاشتراك مع عملاء الإنجلىز حاولوا خلق موقف

حرج للوفد حتى ىتمكنوا من طرد النحاس وحكومته وىعطلوا البرلمان، وتع ىىن وزارة

تطىع الملك .»

«وهذا ما حدث فع .»ًال

«فقد كان ىوم حرىق القاهرة.. ىوم السبت الأسود، هو ىوم نهاىة الوفد والنحاس

وسراج الدىن.. لكنه.. كان أىضًا ىوم نهاىة الملك فاروق .»

«فىوم الحرىق كان بداىة العد التنازلي لانهىار حكمه.. الذي انتهى بطرده من البلاد

في 26 ىولىو من نفس العام.. أي بعد 6 شهور بالضبط من حرىق القاهرة .»

)19(

ومن الإنصاف أن نشىر هنا إلى تعلىقات خالد محىي الدىن على موقف الثورة

في أول عهدها من النحاس باشا، وهي تعلىقات تنصف النحاس وتدمغ الثورة، وقد

وصل خالد محىي الدىن في مذكراته أن وصف اعتراض سلىمان حافظ على النحاس

وزعامته للوفد بأنه كان «خطوة مبالغا فىها، فقد كان مصطفى النحاس بكل المعا ىىر

زعىما وطنىا مرموقا .»

)20(

وفي مذكرات القطب الناصري ضىاء الدىن داود فقرة ىترحم فىها، وهو واحد من

أقطاب عهد الثورة، على دىمقراطىة النحاس، بعد أن ىروي ما حدث في مجلس الأمة

)في مايو 1971 ( من إسقاط العضوىة عنه وعن زملائه على مدى صفحات لىست

بالقصىرة، وهو ىقول:

«… وبذلك اعتقل وحددت إقامة عشرات الأعضاء بمجلس الأمة بإرادة السادات

وحده، وأسقطت عضوىة هذا العدد الكبىر من الأعضاء مع سمو مواقعهم وأدوارهم

التارىخىة وبإجراءات تعسفىة مختلقة ومزورة وبغىر أدنى حد من الضمانات.. وتجري

تحقىقات ومحاكمات تفتقد كل أسباب الحىدة والنزاهة والعدل .»

«ولقد عاصرت الحىاة البرلمانىة قبل الثورة متابعا وبعد الثورة مشاركا منذ سنة

1964 فلم أر أو أسمع بمثل ما حدث، ولعله ما زال ماث في الذاكرة أن مكرم عبىد

حىن قدم الكتاب الأسود ضد الرئىس السابق مصطفى u1575 النحاس ورجال حكمه، وكان

البرلمان وقتذاك مكونا من أغلبىة ساحقة وفدىة وكان النحاس مؤىدًا تأ ىىدًا كاسحًا من

الشعب بحىث كان المجلس ىملك اتخاذ أي قرار ىراه .»

«ومع قسوة ما تضمنه الكتاب الأسود من اتهامات فقد ظلت المناقشات طوىلة

ومثىرة بالبرلمان أىاما تحدث خلالها مكرم عبىد ومؤىدوه بأكثر مما تضمنه كتابه

الأسود، وذلك قبل أن ىتخذ المجلس قرارًا بإسقاط عضوىته، ولكنه لم ىتخذ إجراء

فىه من الانحراف بالحىاة البرلمانىة والاستخفاف بالعقول، كإجراء إسقاط عضوىتنا

من المجلس الذي سوف تلاحق لعنته كل من ساهم فىه على مدى التارىخ .»

)21(

بل إن ضياء الدين داود في موقع آخر ىعترف بمدى صعوبة موقفه حىن عمل

على تأييد مرشح غير وفدي، فبدأ وكأنه، على حد تعبيره، وقد تورط في الخروج عن

الإجماع الوطني في دائرته، حيث كان التيار الشعبي الجارف شديد الحماس للوفد

والنحاس باشا:

«… وفي أواخر سنة 1949 ولم تمض شهور على تخرجي واشتغالي بالمحاماة

بدأ الإعداد لانتخابات مجلس النواب، وكان حسىن سري قد شكل وزارة لتجري

انتخابات بعد فترة من حكم أحزاب الأقلىة وإبعاد الوفد صاحب الأغلبىة عن الحكم،

ووجدت نفسي متورطًا في معركة انتخابىة أساعد فىها زمىلا من المحامىن المرشحىن

في دائرة فارسكور حىث تقع بلدتي الروضة، وكان الزمىل المرشح منتمىا للحزب

السعدي، وكان التىار الشعبي جارفا وشدىد الحماس للوفد، ولمصطفى النحاس

باشا، وبالتالى لمرشحي حزب الوفد، وقاسىت محنة شدىدة وتجربة قاسىة بالوقوف

ضد هذا التىار الجارف الشعبي بحىث كان ىصعب علىّ إقناع أقرب الناس وكأنني

أدعوه لتغ ىىر دىنه .»

)22(

هكذا عبر ضياء الدين داود بصدق عن مدى حب الجماهير لهذا الزعيم، بحيث

بدا له وهو يحاور أقرب الناس إليه وكأنه يدعوه لتغيير دينه.. ثم هو يزيد هذا المعنى

إيضاحًا فيقول، وهو القطب الناصري، إن كل الأساليب لم تفلح في إيقاف تيار الوفد

الجارف، وهي شهادة لم يعطها ضياء الدين داود نفسه لعهد عبد الناصر:

«وفي تلك الانتخابات احتككت عن قرب بأسالىب الانتخابات قبل الثورة حىث

كانت تستعمل الأموال بكثرة لرشوة الناخبىن، وكان هذا أمرا مألوفا ومقدورا علىه

بحكم انتماء المرشحىن إلى الطبقات الثرىة والمالكة، ولكن كل تلك الأسالىب لم

تفلح في التصدي للتىار الجارف لصالح مرشحي حزب الوفد .»

)23(

ومع أن هذا الكتاب سوف يعرض لإنجازات وزارات النحاس في المجالات

المختلفة في أبوابه المتعددة، فإننا نرى من باب الإنصاف أن ننقل عن الأستاذ

عبد u1575 الرحمن الرافعي، وهو المؤرخ المعروف بتحامله على الوفد، ما بلور به إنجازات

وزارات النحاس المختلفة، على نحو ما كان يفعل في سياق كتبه مع معظم الوزارات

المتعاقبة.

وفي هذا الصدد لخص الأستاذ الرافعي إنجازات وزارة النحاس الثانية ) 1930 (

فقال:

«ومن أهم أعمال هذه الوزارة أنها وضعت مشروع قانون إنشاء محكمة النقض

والإبرام في صىغته النهائىة، وقد رفعته إلى القصر لصدور المرسوم بإحالته إلى البرلمان،

فتعطل في السراي .»

«ووضعت أىضا مشروع قانون بإنشاء بنك التسلىف الزراعي، لكنها استقالت

قبل أن ىرفع إلى القصر، وكان هذا المشروع مما أثار نقمة الدوائر المالىة الأجنبىة أو

المتمصرة التي رأت فىه ما ىغل ىدها عن استغلال البلاد وأهلها عن طرىق القروض

الربوىة، فانضمت هذه الدوائر إلى الساعىن لإسقاط الوزارة .»

«من أهم أعمال البرلمان في هذه الدورة إقرار قانون التعرىفة الجمركىة الجدىدة،

والغرض منها حماىة الإنتاج المحلى، وقد نفذت هذه التعرىفة منذ 17 فبراىر سنة

1930 فكان فىها حماىة لنهضة الصناعات المحلىة، وزادت من إىرادات الجمارك

زىادة مطردة، وىعد هذا القانون من أهم العوامل في نهضة مصر الصناعىة .»

)24(

وقد تحدث الرافعي عن إنجازات وزارة النحاس الثالثة ) 1936  1937 ( حديثًا

مجم :ًال

«من أعمال هذه الوزارة إلغاء ضريبة الخفير في القرى وما في حكمها من المدن

غير المفروضة فيها عوايد الأملاك المبنية وذلك ابتداءً من أول مايو سنة 1936 ، وقد

كانت هذه الضريبة عبئًا ثقي يبهظ كاهل الفلاح. وتقسيط المتأخرات على الممولين

لغاية ديسمبر سنة 1935 على أقساط سنوية خمسة، وتنازل الحكومة لمديني البنوك

العقارية الذي حلت محلها عن أرباحها من هذه الحلول وتخفيض سعر الفائدة،

والتنازل عن 20 ٪ من أصل الدين .»

«وإصدار قانون بالعفو الشامل عن الجرائم السياسية التي ارتكبت منذ 19 يونيه

سنة 1930 إلى 8 مايو سنة 1936 ، عدا القتل العمد. وإلغاء قانون حماية الموظفين

الذي كان يمنع رفع الدعوى عليهم مباشرة أمام محاكم الجنح من المدعين بالحق

المدني. وصدور قانون تعويض العمال من إصابات العمل .»

«وفي عهدها )يناير 1937 ( اعتزل العمل الفريق اسبنكس باشا المفتش العام

البريطاني للجيش المصري الذي كان يمثابة السردار، ولم تمد مدة خدمته، وتسلم

المصريون قيادة الجيش المصري لأول مرة منذ سنة 1882 بتعيين اللواء محمود

شكري باشا رئيسًا لأركان حرب الجيش .»

«وفي الوقت نفسه وصلت البعثة العسكرية البريطانية إلى مصر، وهي البعثة

المخول لها بموجب معاهدة 1936 تدريب الجيش المصري، وقد حلت في الواقع

محل المفتش العام البريطاني، وكأنه بها لا يزال باقيا .»

«وفي يناير أيضًا قدم السير مايلز لامبسون )لورد كيلرن( السفير البريطاني أوراق

اعتماده إلى مجلس الوصاية .»

«وفي فبراير سنة 1937 أفرج عن المحكوم عليهم من المجالس العسكرية

البريطانية إبان ثورة .»1919

«ومن أعمال البرلمان في عهد هذه الوزارة إقرار قانون بنقل رفات سعد زغلول

إلى الضريح الذي بني له، وتخصيص هذا الضريح له ولحرمه، وكان قد خصص في

عهد وزارة إسماعيل صدقي لملوك مصر في عهد الفراعنة، ونقل رفاتهم إليه، فأعيدوا

إلى المتحف، ونقل رفات سعد إلى الضريح في احتفال كبير يوم الجمعة 19 يونيه

سنة .»1936

«وزيدة المكافأة البرلمانية من ثلاثين جنيها إلى أربعين مع استمرار عدم جواز

الحجز عليها، وقد كانت المكافأة كما قررها البرلمان سنة 1924 خمسين جنيها، ثم

خفضها إلى أربعين. وفي عهد وزارة صدقي باشا خفضت إلى ثلاثين مع عدم جواز

الحجز عليها، ثم أعيدت أربعين واستمرت كذلك .»

«وتنفيذًا لبرنامج الوزارة صدر مرسوم في يونيه سنة 1936 بإنشاء وظائف وكلاء

وزارات برلمانيين، أي من بين أعضاء البرلمان، مع الجمع بين الوظيفة والعضوية في

هذه الحالة، على أن يعتزل الوكيل وظيفته عند زوال صفة عضوية البرلمان عنه أو

باستقالة الوزارة التي عُين في عهدها، وقد عُين في هذه المناصب كل من : الدكتور

حامد محمود وكي برلمانيًا لوزارة الصحة، ويوسف الجندي وكي برلمانيًا لوزارة

الداخلية، ومحمد صبري أبو علم وكي برلمانيًا لوزارة الحقانية )العدل(، وممدوح

رياض وكي برلمانيًا لوزارة الخارجية .»

)25(

ونحن نعرف أنه كان من برنامج هذه الوزارة إنشاء وزارة للقصر، على أنها في رأي

الأستاذ الرافعي لم تنجح في اتخاذ هذه الخطوة، بسبب تعنت القصر، واكتفت بتعيين

وكيل وزارة برلماني لشئون القصر، واختارت عبد الفتاح الطويل لهذا المنصب،

وجاء في مذكرة تعيينه ما يلي:

«لم يكن المقصود بوزير هذه الوزارة أن يحل محل أحد من كبار رجال القصر بل

أن يكون واسطة الاتصال بين القصر وجهات الحكومة المختلفة التي يكون لها شأن

مع القصر فيما يخص ذلك الشأن، لتتركز بذلك بين يديه جميع العلاقات الإدارية بين

القصر والحكومة، ثم إنه يحتاج إليه لضمان حسن التناسق في الأعمال الحكومية

التي ترتبط بالقصر والتوفيق بين مقتضياتها المختلفة .»

«وقد صدر مرسوم بتعيين عبد الفتاح الطويل في هذا المنصب من مجلس الوصاية

في يونيه سنة 1936 وجاء فيه أنه: وكيل وزارة برلماني لشؤون القصر ويلحق برياسة

مجلس الوزراء، ويكون له فيما يتعلق بالشؤون الإدارية فيما بين القصر الملكي

والوزارات ما لغيره من وكلاء الوزارات البرلمانيين من الاختصاصات، ويجوز أن يعهد

له الوزراء ذوو الشأن بمعالجة هذه الشؤون وفي تنفيذ ما يتخذ فيها من التدابير .»

)26(

كذلك لخص الأستاذ الرافعي إنجازات وزارة النحاس الرابعة ) 1937 ( فأشار

إلى مجموعة إيجابيات:

«في عهد هذه الوزارة أفرج عن الضابط البطل السوداني علي عبد اللطيف )أكتوبر

سنة .»)1937

«احتفل في 15 أكتوبر بدار محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية ببدء فترة

الانتقال للنظام القضائي تنفيذًا لاتفاقية مونترو، وحضر الحفل جلالة الملك .»

«عادت الأورطة السابعة من الجيش المصري إلى السودان )ديسمبر سنة 1937 (،

بعد أن ظل الجيش المصري مبعدًا عن السودان منذ أواخر سنة 1924 على أثر مقتل

السردار، وكان سفر رجال هذه الأورطة من محطة العاصمة إلى السودان يومًا مشهودًا،

إذ أقلهم قطار خاص وودعوا عند سفرهم باحتفال كبير .»

«وأنشئت مدرسة المهندسين العسكريين في مسطرد، ومدرسة أركان حرب، ومدرسة

ضباط الصف، ومدرسة الطيران، ومدرسة الصناعات الميكانيكية للجيش .»

)27(

وقد لخص الأستاذ الرافعي إيجابيات وزارتي النحاس الخامسة والسادسة معتبرًا

إياهما وزارة واحدة ) 1942  1944 ( فأشار إلى مجموعة من الإنجازات:

«ومن أعمالها النافعة إنشاء ديوان المحاسبة سنة 1942 ، وقد عهد إليه الإشراف

على تحصيل الإيرادات وإنفاق الأموال في الأغراض المخصصة لها، وكان إنشاؤه

استجابة لرغبة برلمانية قديمة أبداها مجلس النواب الأول سنة 1924 ، وقد أظهرت

التجارب أن هذا الديوان أدى ويؤدي للدولة أجل الخدمات بمراقبته الوزارات فيما

تنفقه من الأموال العامة وكشف كثير من التصرفات غير القويمة التي ترتكب في

مختلف الوزارات والدواوين، وهو كذلك يحد من سريان الفساد فيها.

ومن الأعمال النافعة لهذه الوزارة أنها وضعت قانون نظام هيئات البوليس.

وجعلت التعليم الابتدائي بالمجان.

وأصدرت قانون استعمال اللغة العربية في مكاتبات الشركات ومحرراتها وسجلاتها

ودفاترها.

وقانون تحويل الدين العام. وقد أقبل المصريون على الاكتتاب في سندات الدين

بعد تحويله اقبالا عظيما.

وقانون استقلال القضاء الذي كفل للقاضي مبدأ عدم العزل.

وقانون تخفيض الضريبة عن صغار الملاك الزراعيين وذلك بإعفاء من لا تتجاوز

الضريبة المربوطة على جميع أطيانه خمسين قرشا من هذه الضريبة إعفاءً كام ،ًال

وزيادة نسب التخفيض عما عدا هؤلاء من صغار الملاك وهم الذين لا تتجاوز

الضريبة المربوطة على أطيانهم عشرة جنيهات في السنة.

وقانون عقد العمل الفردي.

وأقرت قانون نقابات العمال، وكان متعثرًا في سيره.

ووضعت قانون البلديات.

ووضعت قانونا جديدا للتعاون يكفل لمنشآته العون والمساعدة، وجعلت

الحكومة جمعيات التعاون واسطة لإيصال مواد التموين إلى أعضائها فساعد ذلك

على انتشارها.

وأنشأت مدرسة ثانوية بالخرطوم.

وأنشأت مشروع المجموعات الصحية الذي وضعه الدكتور عبد الواحد الوكيل

وأصدرت من أجل ذلك قانون تحسين الصحة القروية، ودخل هذا القانون في دور

التنفيذ في عهد هذه الوزارة، والمجموعة الصحية تشمل عيادة طبية مجانية أشبه

بمستشفى، ودارًا للخدمة الصحية، ودارًا لرعاية الأمومة والطفولة ومغسل ثياب وما

إلى ذلك .»

)28(

ويرتبط بمكانة النحاس أن نتحدث عن موقفه العاقل والحكيم والوطني من

محاولات الاغتيالات المتتالية التي تعرض لها.

وننقل عن الأستاذ علي سلامة ما يسرده عن تسلسل الاعتداءات على النحاس

باشا على النحو التالي:

«أو :ًال الاعتداء الأول: عام ١٩٣٠، في عهد وزارة إسماعيل صدقي باشا، وبينما

الزعيم مصطفى النحاس في زيارة سياسية للمنصورة عاصمة مديرية الدقهلية إحدى

قلاع الوفد الحصينة يوم ٨ يوليو ١٩٣٠، سدد أحد جنود الشرطة إلى صدر مصطفى

النحاس ضربة سونكي مسمومة أبت وطنية المجاهد العظيم سينوت بك حنا عضو

الوفد المصري إلا أن يفتدي مصطفى النحاس فتلقاها عنه في ذراعه، ونجا الزعيم

ولم يبرأ سينوت بك من جراحه التي مات متأثرا بها .»

«ثانيًا: الاعتداء الثاني: عام ١٩٣٧، وفيه أطلق عز الدين عبد القادر أحد شباب

حزب مصر الفتاة الرصاص على سيارة الزعيم بمصر الجديدة، حينما كان في طريقه

لحضور مؤتمر وطني ببولاق مصر، وكان وقتها رئيسا للوزارة، فأخطأه الرصاص

ونجا الزعيم من هلاك محقق .»

«ثالثًا: الاعتداء الثالث: عام ١٩٣٨، وفيه لجأ المتآمرون إلى وضع متفجرات في

موتور سيارة الزعيم، ولكن يد الله كانت أسبق من يد المدبرين، فاكتشف أمرها وتم

انتزاعها ونجا الزعيم بفضل من ربه .»

«رابعًا: الاعتداء الرابع: عام ١٩٤٥، وفيه اهتدى المتآمرون إلى طريقة جديدة

للخلاص من حياة الزعيم، فألقى أحد العسكريين من أعوان الملك قنبلة على سيارة

الزعيم وهي تخترق شارع قصر العيني وهو في طريقه إلى النادي السعدي لحضور

أحد الاجتماعات الكبيرة، وشاءت إرادة الله أن تخطئه ولم يصب أحد من المحيطين

به بسوء .»

«خامسًا: الاعتداء الخامس: عام 1948 ، وقد تم بصورة أعظم وأخطر من u1578 تلك

الصور السابقة، فقد تم وضع شحنة ناسفة من الديناميت في إحدى السيارات وتركوها

في مفترق الطرق مواجهة لمنزل الزعيم بجاردن سيتي، وكان لانفجارها دوي هائل

أيقظ القاهرة والجيزة، وقد دمرت واجهة المنزل واقتلعت أبوابه ونوافذه،واخترقت

قطعة ضخمة من الحديد نافذة حجرة نوم الزعيم وتعلقت بناموسية سريره، وحال

هذا النسيج الواهي بينها وبين الزعيم فلم يصب بسوء، وصدق الله القائل في محكم

كتابه: ﴿ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ﴾، وقد اعترف أحد العسكريين المشار

إليه في الاعتداء السابق باشتراكه في هذه الجريمة النكراء.. والاعتراف سيد الأدلة .»

«سادسًا: الاعتداء السادس: في نوڤمبر سنة 1948 ، وبينما الزعيم مصطفى النحاس

وفؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام الوفد المصري، يغادران السيارة التي كانت

تقلهما أمام باب منزل الزعيم بجاردن سيتي، وبينما هما في طريقهما إلى داخل الدار،

انهال الرصاص عليهما من مدفع رشاش سريع الطلقات من إحدى السيارات التي

كانت تقل المجرمين الآثمين فافتدى الله الزعيم بثلاثة من حراسه الخصوصيين الذين

يقومون على خدمته لقوا مصرعهم في الحال وكتب الله للزعيم ولسراج الدين النجاة،

وانطلق المجرم الآثم بسيارته تاركا خلفه ضحاياه الذين تركوا وراءهم أولادهم

وذويهم .»

)29(

وقد وصف النحاس باشا نفسه في المذكرات التي سجلها الأستاذ محمد كامل

البنا محاولة الاغتيال بنسف منزله وصفًا عاطفيًا دقيقًا فقال:

«… وبينما كنا نجاهد في سبيل بلادنا والبلاد الصديقة التي تلجأ إلينا وبينما نحن

نقف موقفًا صلبًا لا نلين أمام تحديات داخلية ولا نتزحزح عن مكاننا قيد أنملة بينما

أنا كذلك إذا بي في ليلة مظلمة وساعة متأخرة من الليل وأنا نائم في فراشي، بوغت

بصوت انفجار هائل مدمر وقع على منزلي وهدم أركانه وأطار زجاج النوافذ وهدم

الجدران ووقعت قنابل الديناميت على المنزل في كل مكان، فاستيقظت مذعورًا

وسمعت صراخ حرمي فذهبت إلى حجرتها فوجدت شظايا الزجاج قد ملأت يديها،

ونظرت إلى الدور الأول للمنزل فإذا بي أفاجأ ببواب المنزل وأسرته صرعى تسيل

دماؤهم وتفارقهم أرواحهم .»

«لقد ارتج حي جاردن سيتي كله وما حوله واستيقظت عدة أحياء مجاورة على

صوت الديناميت الذي روع الآمنين وهرع أعضاء الوفد والشباب والصحافة حين

سمعوا بالنبأ وامتلأ البيت بالوافدين الذين كانوا يسيرون على الزجاج المتناثر في أرجاء

المنزل وقطع الديناميت الواقعة في كل ناحية من نواحيه وحجرة من حجراته .»

«لقد أستيقظت من نومي على دوي الانفجار وأبلغت النائب العام وتركت كل

شيء على حاله فلم تمتد يدي إليه، وكانت قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمة جلاله

ورحمته بعبد يعرف له حقه ويؤدي واجبه لم تطلق في عهده رصاصة على وطني ولا

سعى في ضرر إنسان ولا فرط في حق من حقوق ربه أو حقوق وطنه، وشاءت قدرة

الله أن تنزل قطعتان كبيرتان من الديناميت الذي نسف المنزل على الكلة «الناموسية »

التي كنت أنام تحتها وأمامي كتاب الله على الكومودينو سقطت هاتان القطعتان من

الشظايا فتعلقت إحداهما بخيط الناموسية الرقيق ولم تسقط على رأسي ولم تود

بحياتي، ولو سقطت لأصابتني في مقتل .»

«وحضر الذين حضروا من محققين وجمهور، ورأوا هذا المنظر العجيب فرددوا

قول الشاعر القديم:

وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الإصَم

ورددت أنا قول الله العظيم في كتابه الكريم ﴿ ڀ ٺ ٺٺ ٺ ٿ ٿ﴾.

«وبدأ النائب العام )محمود منصور( التحقيق وكان خبر الحرس الحديدي الذي

تحدثت عنه من قبل معروفًا لديّ، ثم جاءني من يقول لي أنهم أرادوا قتلك فنجاك الله،

وإن ذلك الحرس يعمل لحساب الملك، وإن قوامه ضابطان من الجيش المصري

أحدهما يسمى محمد أنور السادات والآخر اسمه عبد الرؤوف نور الدين ومعهم

أخرون، ولا يستبعد أن يعاودوا الكرة ويحاولوا ارتكاب جريمة القتل وما يماثلها مرة

أخرى .»

«كانت هذه المعلومات لدي حين سألني محمود منصور النائب العام عمن أتهم،

فقلت له على الرغم من أني أعرف أسماء ضباط من الحرس الحديدي هم في نفس

الوقت ضباط في الجيش المصري يعملون لحساب فاروق، على الرغم من هذا

كله فإنني لو ذكرت لك أنهم هم المجرمون فستحفظ التحقيق وحتى لو قدمت لك

الدليل المادي، لأني أعلم أنكم كلكم خدم مطيعون وتستبيحون كل شيء في سبيل

إرضائه .»

)30(

وقد لخص إبراهيم فرج لحسنين كروم المحاولات التي جرت لاغتيال النحاس

باشا مع التركيز على دور الرئيس أنور السادات في بعض هذه المحاولات، وسنجد

إبراهيم فرج ذكيا في تعامله مع أصداء هذه الاغتيالات، فهو يثبت بإصرار آراء الجماهير

في حماية الله للنحاس واستجابته لدعائه مع محاولة موازية لإثبات تحفظه كرجل

علماني، لكنه في نهاية الرواية الأخيرة يظهر نفسه أكثر إيمانا من أنور السادات:

«أول محاولة وقعت عام ١٩٣٢ )يقصد: 1930 ( إبان وزارة إسماعيل صدقي

في مدينة المنصورة.. وكان النحاس باشا يركب سيارة مكشوفة وبجانبه سينوت حنا

وسط مظاهرة هائلة عجز الجيش عن تفريقها فأعطيت التعليمات للخلاص منه، فإذا

بأحد الجنود الفرسان يتجه نحو النحاس باشا بسرعة u1608 ويسدد حربة لظهره.. لكن

سينوت حنا كان واقفا بجواره في السيارة المكشوفة فأسرع باحتضانه وتلقي الضربة

في ذراعه ونجا النحاس. وبعد أن عاد من رحلته بالمنصورة ذهب يوم الجمعة ليصلي

في مسجد سيدنا الحسين.. وجاءت مظاهرات حاشدة تستقبله عند خروجه من

المسجد. لكن البوليس هاجم الناس وأخذ يضربهم بالعصي والكرابيج بغلظة فتأثر

النحاس لما يلقاه الناس، فرفع يديه للسماء وقال:

«الله أكبر على من طغى وتجبر.. الله أكبر على من طغى وتجبر.. الله أكبر على

من طغى وتجبر. ».. ثلاث مرات.

«وفي اليوم التالي أعلن أن إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء أصيب بالشلل..

طبعًا تلك إرادة الله.. ولكن الجماهير بإيمانها وبساطتها اعتقدت أن الله استجاب

لدعاء النحاس باشا ضد ظلم صدقي.. وقال الناس: إن النحاس باشا رجل مبروك

وطاهر.. إنما كل شيء بإرادة الله .»

«أما المحاولة الثانية فوقعت سنة ١٩٣٧ وارتكبها عز الدين عبد القادر من حزب

مصر الفتاة، ووقعت في ضاحية مصر الجديدة عندما ألقيت قنبلة على سيارته قرب

فندق هليوبوليس في طريقه إلى داره لم تصبه.. إنما حطمت زجاج السيارة والباب

الأيمن.. وحكم على الجاني بالسجن عشر سنوات .»

«أما باقي المحاولات فقد قام تنظيم الحرس الحديدي بارتكابها .»

«وعدد هذه المحاولات )أي التي قام بها الحرس الحديدي( وصل إلى ثلاث..

في المرة الأولى )هذه هي المحاولة الخامسة حسب ترتيب علي سلامة( وضعت

سيارة جيب مملوءة بالديناميت بجوار منزل النحاس وانفجرت.. وكان النحاس باشا

نائما في سريره وقتها.. وتطاير الزجاج وتصدعت حوائط الغرفة.. لكنه ظل في السرير

حتى تم تنظيفها من الزجاج وقرر خبراء المفرقعات أن تلك السيارة لو وضعت في

الحارة الخلفية لنسفت نصف جاردن سيتي ولكن الله سلم .»

«والمرة الثانية )هذه هي المحاولة السادسة حسب ترتيب علي سلامة( أطلق فيها

مصطفى كمال صدقي والسادات المدافع الرشاشة على النحاس باشا أمام باب منزله

في أثناء دخوله بالسيارة، لكنهما لم يصيباه بل قتلا فريقا من البوابين والخفراء الذين

كانوا يحرسون المنزل وكان معه بالسيارة في تلك الليلة فؤاد باشا سراج الدين ونجا

الاثنان وخاب فأل المجرمين .»

«أما المرة الثالثة )هذه هي المحاولة الرابعة حسب ترتيب علي سلامة( فكانت

عندما ألقى أنور السادات قنبلة يدوية على سيارة النحاس باشا وهي متجهة به إلى

النادي السعدي .»

«وقد اعترف فيما بعد بهذه المحاولة.. كما أشار إليها في كتابه «البحث عن

الذات »، وفيه أيضًا شرح دوره في الاشتراك في قتل أمين عثمان:

حسنين كروم : «متى اعترف؟ .»

«إبراهيم فرج: عام 1956 لفؤاد باشا سراج الدين.. فقد زاره في منزله وكان

واسطة اللقاء عبد الحميد سراج الدين شقيق فؤاد باشا.. وكانت تربطه بالسادات

صداقة خاصة.. وسبب الزيارة رغبة السادات أن يؤكد لفؤاد باشا، بعد الإفراج عنه

صحيا، أن الحكم عليه من محكمة الثورة والسنوات الثلاث المنصرمة التي قضاها

في السجن كانت إجراء سياسيا لا يمت بأي نوايا سيئة للإساءة إليه. فدعاه فؤاد باشا

لتناول الغداء عنده.. وبعد الغداء توجها لغرفة الاستقبال واستأنفا الحديث في الأمور

العامة.. وإذا بالسادات يفاجئه دون مناسبة وهو يرتشف فنجان القهوة قائلا:

«أنا كنت على وشك اغتيال النحاس باشا لكنك أنت الذي أنقذته من يدي .»

فاستغرب فؤاد باشا وسأل السادات عن هذه القصة.

«فقال السادات إنه ترصد للنحاس في شارع قصر العيني بالقرب من النادي

السعدي.. فإذا بالسيارة التي يستقلها تقترب مني، وفي الوقت ذاته كان الترام القادم

من ناحية مستشفى قصر العيني يقترب مني بسرعة فائقة جعلتني أعتقد تماما أن الصيد

وشيك الوقوع، وأن السيارة ستقف حتما حتى يمر الترام، إذ كان لا يبعد عنها أكثر من

ثلاثة أمتار في تلك اللحظة.. فإذا بي أجد سائق السيارة يواصل اندفاعه بسرعة مذهلة

وكاد أن يصطدم بالترام وأفلت مني، وأفلت الصيد أيضًا.. ولكني ألقيت القنبلة ولم

تصب النحاس رغم أنها أحدثت تلفا بالسيارة.. وقد علمت فيما بعد أن تلك كانت

تعليماتك للسائق بألا يقف عند أية إشارة مرور مهما حدث.. وهكذا نجا النحاس

بفضل تعليماتك.. «ونسي أن يقول بفضل عناية الله تعالت قدرته .»

* * *

بقي أن نشير إلى أن إبراهيم فرج لم يشر فيما رواه إلى المحاولة الثالثة حسب

ترتيب علي سلامة السابق النقل عنه.

)31(

أما الأستاذ الرافعي فقد أشار إلى بعض هذه المحاولات في أثناء سياق حديثه

التاريخي المتواصل.. وهذا هو ما يرويه عبد الرحمن الرافعي في تصوير محاولة

الاغتيال الأولى التي تعرض لها لنحاس:

«وحدث حادث يؤسف له يوم 28 نوڤمبر سنة 1937 ، إذ أطلق شاب متهوس من

39

أعضاء مصر الفتاة يدعى عز الدين عبد القادر الرصاص على النحاس حين كان ذاهبًا

من منزله بمصر الجديدة إلى دار رئاسة الوزراء، فأخطأته الرصاصة وأصابت السيارة

التي كانت تقله، فكان لهذا الاعتداء أثر عميق من الاستياء في مختلف الأوساط، كما

كان موضع الاستنكار لدى الناس جميعًا، لأن القتل ليس من أساليب النضج السياسي

وتقدم الأفكار، بل هو أداة إرهاب وتقهقر في الحياة السياسية والاجتماعية .»

* * *

وهذا هو وصف الرافعي لمحاولة اغتيال النحاس في أبريل 1948 :

«وفي ليلة 25 أبريل سنة 1948 شرع جماعة من الجناة في نسف دار النحاس

بجاردن سيتي بواسطة انفجار سيارة مملوءة بقنابل الديناميت بجوار الدار، وكان

لانفجار هذه القنابل دوي هائل روّع أهل الحي جميعًا ونسف جزءًا من الدار، وأتلف

جانبًا من محتوياتها، ونجا النحاس من هذا الحادث ولم يعرف الجناة .»

* * *

وهذا هو وصفه لمحاولة اغتيال النحاس في نوڤمبر سنة 1948 ، وهي المحاولة

التي سبقت اغتيال كل من النقراشي وحسن البنا مباشرة:

«هاجمت سيارة مسلحة دار النحاس لي حين عودته من النادي السعدي ودخوله

الدار، وأطلقت عليه عدة مقذوفات نارية قضت على حياة اثنين من حراسه، وأصابت

حارسين آخرين، ولاذت السيارة بالفرار ونجا النحاس من هذا الاعتداء .»

)32(

وأخيرًا فمن المهم أن نشير إلى أنه كان من حسن حظ النحاس أنه كان من القلائل

الذين جمعوا كما نعرف بين الانتماء إلى الحزب الوطني ثم الانتماء إلى الوفد، وهكذا

فإنه )على خلاف سعد زغلول نفسه( كان مثال الوطنية المتجسد في نفوس الجماهير

في كل مراحل حياته. وقد كان لهذا الانتماء المبكر للحزب الوطني أثره في نظرة كثير

من زعماء ذلك العصر إلى النحاس وتقديرهم أن شخصيته أقرب إلى الثورية منها إلى

الاعتدال والتعقل.. لكننا لا نستطيع أن نطالب زعيمًا مثله بأن يصنع من زعامته صورًا

تتواءم مع زعامات الآخرين.

بيد أن الإنصاف يقتضينا أن نشير إلى حقيقة مهمة وجوهرية تتعلق بهذا الانتماء

وهي أن الأدبيات التي شارك النحاس نفسه بطريقة أو بأخرى في كتابتها عن تاريخه

قد آثرت إضعاف صورة النشاط النحاسي في الحزب الوطني مندفعة في هذا الاتجاه

تحت تأثير العداء السافر الذي كان الحزب الوطني يواجه به الوفد وتاريخه

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com