الرئيسية / المكتبة الصحفية / د. حلمي بهجت بدوي أول مصري رأس مجلس إدارة قناة السويس

د. حلمي بهجت بدوي أول مصري رأس مجلس إدارة قناة السويس

www.gwady.net

مكانته التاريخية

حلمي بهجت بدوي (1904 ـ 1957) مفكر قانوني و سياسي متميز توفي مبكرا (53 عاما) بعد أن حقق نجاحات بارزة في حياته السياسية و المهنية . 

نشأته

ولد الدكتور حلمي بهجت بدوي في الثالث عشر من نوفمبر (1904) بالإسكندرية، وفيها تلقي تعليما مدنيا، ونال البكالوريا (1921)، وتخرج في مدرسة الحقوق (1925) في الدفعة التي ضمت الأستاذ توفيق الحكيم و الدكتور محمد مصطفي القللي والدكتور عبد الحكيم الرفاعي والمستشار بدوي حمودة و الأستاذ يحيى حقي ، ونال بعثة دراسية إلي باريس ، وحصل علي درجة الدكتوراه بأعلى درجة (1929) وكان موضوع رسالته عن مسئولية رب العمل.

زمالته لتوفيق الحكيم و الدكتور القللي

 وفي أثناء دراسته في  باريس زامل الدكتور حلمي بهجت بدوي كلا من الكاتب الكبير توفيق الحكيم والدكتور محمد مصطفي القللي وعاش ثلاثتهم سنواتهم في صحبة دائمة لم يفترقوا، ولم تفترق قلوبهم بعد عودتهم، وقد كان توفيق الحكيم دائم الإشادة به ناسباً إليه الفضل فيما حصله من علم بفضل ما كان يراه ويلمسه من صبره ومثابرته علي العلم، ومن الطريف أن الحكيم لم يجد خيرا من الأصل المخطوط بقلمه لقصة «عودة الروح» كي يقدمه إلي حلمي بهجت بدوي كهدية بمناسبة زواجه.

علاقته بعمه

كان الدكتور حلمي بهجت بدوي على علاقة وثيقة بعمه المفكر المصري والقاضي الدولي الدكتور عبد الحميد بدوي 1887- 1965، وقد اشترك معه في أكثر من عمل قومي مثل فيه مصر ، وقد عرضنا لهذه الجهود  بالتفصيل في كتابنا عن عمه ” د. عبد الحميد بدوي : المفكر العربي و القاضي الدولي” ، و على المستوى العائلي أيضا فقد كان الرجلان متزوجين من شقيقتين.

عمله في الكادر الجامعي

بعد عودته من البعثة عين الدكتور حلمي بهجت بدوي مدرسا للقانون المدني بكلية الحقوق، وظل يعمل في تدريس القانون أكثر من عشر سنوات.

انتقاله لقضايا الحكومة والقضاء الوطني والمختلط ثم مجلس الدولة

 وعلي عادة جيله من القانونيين المبرزين فإن الدكتور حلمي بهجت بدوي لم يمانع في أن يترك الجامعة إلي غيرها من الوظائف القانونية بإرادته واختياره، وقد انتقل للعمل بإدارة أقلام قضايا الحكومة (1940)، ثم رأس قسم القضايا ببنك التسليف، ثم عمل قاضيا بالمحاكم المختلطة، فمستشارا بالقضاء الوطني، فمستشارا بمجلس الدولة.

 عمله وكيلا للبنك العقاري

استقال الدكتور حلمي بهجت بدوي من وظائف القضاة والحكومة (1947) ليعمل وكيلا للبنك العقاري المصري، وكانت وظائف البنوك في ذلك الوقت خارج إطار وظائف الحكومة.

إسهاماته الدولية في خدمة وطنه

في أثناء ذلك كله كان الدكتور حلمي بهجت بدوي قد شارك في وفد مصر في مؤتمر لندن الاقتصادي (1933)، وفي المفاوضات التي مهدت لتوقيع معاهدة مونترو (1937) وهي المعاهدة التي تم إلغاء الامتيازات الأجنبية بمقتضاها ، وكان عمه عبد الحميد باشا بدوي 1887- 1965 صاحب فضل كبير في نجاح مصر فيها، وفي مؤتمر سان فرانسيسكو الذي تولي وضع ميثاق الأمم المتحدة (1945)،

مع النقراشي في مجلس الأمن

كان الدكتور حلمي بهجت بدوي أحد أعضاء الوفد المصري برئاسة النقراشي باشا لعرض قضية مصر في مجلس الأمن حيث عمل مستشارا لذلك الوفد.

اعتذاره عن وزارة سري الأخيرة

رشحه هذا التألق لتولي الوزارة وغيرها من المناصب فيما قبل الثورة، وكان علي سبيل المثال قد فوتح في تولي وزارة المالية في وزارة سري (يوليو 1952) لكنه اعتذر.

دخوله وزارة اللواء محمد نجيب الأولي  

بعد حركة الجيش  كان الدكتور حلمي بهجت بدوي علي رأس مَنْ استعانت بهم السلطة الجديدة من رجال الدولة السابقين، وقد عين بعد قيام الثورة (بما لا يزيد علي خمسة شهور) وزيرا للتجارة والصناعة في التعديل الذي أجري لوزارة محمد نجيب الأولي (ديسمبر 1952)، وكان واحدا من الوزراء الخمسة الذين يمثلون المجموعة الثانية من وزراء العهد الجديد وكانوا جميعا من التكنوقراطيين البارزين غير الوفديين. (وكانوا هم الدكاترة: حلمي بهجت بدوي ، ومحمود فوزي، ، ووليم سليم حنا، وعباس عمار، وعبد الرزاق صدقي).واحتفظ الدكتور حلمي بهجت بدوي بمنصبه وزيرا للتجارة والصناعة في وزارة الرئيس محمد نجيب الثانية (يونيو 1953)، وأضيفت اليه أعمال وزارة التموين في اليوم التالي لتشكيل الوزارة .

 رئاسة  وفد مصر إلي الدورة الثامنة للأمم المتحدة

اختير الدكتور حلمي بهجت بدوي ليكون رئيسا لوفد مصر إلي الدورة الثامنة للأمم المتحدة في نيويورك (1953)، وحقق لمصر تمثيلا متميزا في هذه الدورة.

موقفه في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي في الأمم المتحدة

وعندما وقع اعتداء إسرائيل علي منطقة العوجة المنزوعة السلاح في اثناء تلك الدورة التي رأس فيها وفد مصر إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة، جمع الصحفيين الأمريكيين علي الفور في مؤتمر صحفي، وألقي علي المدافعين عن إسرائيل درسا في حقيقة إسرائيل، وأوضح مبلغ إجرامها واستهتارها بكل ما هو شرعي، وبحقوق العرب، وبقرارات الجمعية العامة، وبلجان الهدنة.

محاضرا في جامعة ماسوستش

في أكتوبر سنة 1953، دعته جامعة ماسوستش للحديث عن مصر والعهد الجديد، فألقي محاضرة طويلة أشادت بها الأوساط العلمية والسياسية

استقالته المبكرة وتخليه عن وزارة التجارة مع بقائه وزيرا 

جاءت سنة 1954 وعاصر حلمي بهجت بدوي ما عرف في التاريخ المعاصر بأزمة مارس 1954، وكان من الوزراء الذين آثروا أن يتركوا مناصبهم الوزارية تماما  بنهايتها، ولأسباب عديدة كانت منها حالته الصحية فإنه كان قد تقدم باستقالته مبكراً في 8 فبراير 1954، فرفضت، وعين وزيرا للدولة للشئون السياسية (وهو منصب لم يسند لأحد من قبله ولا بعده)، وأسند منصباه الوزاريان إلي زميله وصفيه الدكتور حسن أحمد بغدادي الذي عين وزيرا للتموين والتجارة والصناعة، وكان قد عمل معه (نائباً لوزير التجارة والصناعة ونائباً لوزير التموين)، وهو ما يدل علي أن قادة العهد الجديد ظلوا حريصين علي وجوده معهم حتي وإن أصر هو علي الاستعفاء، وفضلا عن هذا فقد اختاروا لخلافته في منصبه زميله أو مساعده الذي اصطفاه هو ليكون نائباً له.  وعندما شكل الرئيس جمال عبد الناصر وزارته الأولي (فبراير 1954) عين الدكتور حلمي بهجت بدوي وزير دولة للشئون العامة ، وهو ثاني منصب لم يكن لأحد من قبله ولا من بعده أيضا ، وهو ما يؤكد ما أشرنا إليه من تمسك الضباط ببقائه معهم في مجلس الوزراء تحت أي مسمي، وإن كنا نحن نلاحظ وضع كلمة «العامة» بدلا من «السياسية» حتي لا تنتفي السياسة عن غيره من الوزراء.

استقالته النهائية بسبب أزمة مارس 1954

 وفي وزارة الرئيس محمد نجيب الثالثة (مارس 1954) بقي كذلك وزير دولة للشئون العامة حتي شكل الرئيس جمال عبد الناصر وزارته الثانية (أبريل 1954) فخرج من الوزارة مع مجموعة من الوزراء الذين تركوا الحكم بعد أزمة مارس والذين كان ابرزهم عبد الجليل العمري وعلى الجريتلي .

إسهاماته الاقتصادية البارزة بعد أزمة مارس 1954

 قبل الدكتور حلمي بهجت بدوي الاستمرار في أداء كثير من الأدوار السياسية والاقتصادية للحكومة ، وكان أبرز هذه الأدوار أنه عين مندوبا للحكومة في مجلس إدارة شركة قناة السويس في سنة 1954، كما كان أحد مستشاري الثورة في وضع الدستور المؤقت، وفي تسيير الأمور والمسائل القانونية، وبالإضافة إلي هذا فقد عين عضوا في مجلس إدارة البنك الأهلي، وعضوا في هيئة المفاوضات مع يوجين بلانك والبنك الدولي من أجل تمويل السد العالي، كما تولي عقد قرض تنمية مع شركة قناة السويس  .

اختياره لرئاسة قناة السويس

وعندما أممت مصر قناة  السويس كان هو المصري الذي وقع عليه الاختيار ليرأس مجلس إدارة هيئة قناة السويس بعد تأميمها (26 يوليو 1956)،  وبعد أقل من عام في هذا المنصب انتقل إلي رحمة الله.

حرصه على الاتقان والتجويد

وصفه بعض زملائه بقوله :” عاش حلمي بهجت بدوي حياته جادا أكثر الجد في عمله، قاسيا أشد القسوة علي نفسه، يلزمها أداء ما أوكل إليه، مهما اتسع واختلف وتشعب، ليخرج من بين يديه آخر الأمر أقرب شيء إلي مرتبة الكمال ، وكان في فكرة السياسي والشخصي علي حد سواء يؤمن بالعمل والإنتاج، ويتطلع إلي اليوم الذي يؤمن فيه المصريون جميعا بجدية العمل ووجوب التفاني فيه فيتضاعف الإنتاج، ويسهل تطويره إلي مراتب أكثر اتقانا واستجابة لحاجاتنا”.

كان من رواد فكرة تصنيع مصر

تعددت إسهامات حلمي بهجت بدوي الفكرية في صياغة الطابع المميز للأداء التنفيذي في بداية عهد 1952 فقد كان من رواد فكرة تصنيع مصر، وقد صرح للصحف بعد يومين من تعيينه وزيرا للتجارة والصناعة (11 ديسمبر 1952) بوعيه الشديد لأهمية التصنيع لمصر وأن الشغل الشاغل الذي ينبغي لمصر أن تعنى به هو التصنيع، وأنه إذا كانت هناك رسالة لوزارته في العهد الحاضر فهي تنمية الإنتاج لتوفير الحد الأقصى من الرفاهية والسعادة للمصريين، ولفت النظر إلي ضرورة وضع برامج مدروسة طويلة الأجل من أجل مصر الغد، مشيرا إلي أنه قد لا يعيش ليشهد نتائج مشروعات نضعها اليوم ، وإنما «أبناؤنا وأحفادنا سيجنون الثمار».

مناداته بتنمية الإنتاج

ويذكر زميله الدكتور حسن بغدادي أن حلمي بهجت بدوي كان ممن يعتقدون اعتقادا راسخا في أن علاج مشكلاتنا الداخلية رهين «بتنمية الإنتاج»، ولهذا «برز بين مَنْ نادوا بوجوب العناية بهذه التنمية، وساهم بنصيب مرموق في كثير من النظم التي وضعت في شأنها، ولم يكن همه بعد ذلك وهو وزير للتجارة والصناعة والتموين إلا أن يوجه نشاط أداة الحكم إلي تنمية الإنتاج، وأن يبذل الوسع في وضع النظم المحققة لهذه الغاية».

مناداته بدمج الاقتصاد في التشريع

والواقع أن حلمي بهجت بدوي كان دائم الإشارة إلي هذا المعني، حتي إنه أشار بوضوح إليه في كلمة عن الدستور ألقاها في الإذاعة و قال فيها بصراحة:” إن دستور مصر ينبغي أن يسمو بالمبادئ الاقتصادية إلي مستوي التشريع الأساسي، وأن يدمج تلك المبادئ في صلب هذا التشريع» ، وقد صدر حلمي بهجت بدوي في هذه الرؤية عن عقيدته في وجوب توجيه إدارة الحكم ودفعها دفعا إلي هذا السبيل”.

ربط استثمار رءوس الأموال الأجنبية بالإنتاج  

لفت الدكتور حسن بغدادي النظر إلي أن الدكتور حلمي بهجت بدوي كان واعيا لأهمية اجتذاب رءوس الأموال الأجنبية فوضع التشريع المعروف باسم «قانون استثمار رءوس الأموال الأجنبية في مشروعات التنمية الاقتصادية»، وكان مذهبه في هذا التشريع واضح النهج، فهو لم يقصد من هذا التشجيع إفساح المجال لاستثمار رأس المال الأجنبي ، على وجه العموم ، لكنه قصر الأمر علي ما يرد من الخارج لمشروع من المشروعات التي تسهم في تنمية الإنتاج، وكان مذهبه في ذلك أن المال قد يتوافر في مصر ولكن الصناعة تحتاج في المراحل الأولي إلي الخبرة، فتشجيع استثمار رأس المال الأجنبي هو اجتذاب للخبرة وإغراء لها في أولي مراحل التصنيع، وهو الوسيلة العملية لاستقدام مَنْ يقوم بتدريب المصريين وإعدادهم لتولي شئون الصناعة بأنفسهم.

انتباهه المبكر لتشجيع التنقيب عن البترول

عني الدكتور حلمي بهجت بدوي وهو وزير بتشريع المناجم، وهو التشريع الذي كان التنقيب عن البترول يقع في نطاقه، وقد أعاد النظر في هذا التشريع  من أجل تشجيع الاستثمار الاجنبي  علي استخراج الثروة المعدنية والبترول بوجه خاص، وقد كان من أثر ذلك أن تم في عهده توقيع عقود استغلال كثير من المناجم الحاوية لشتي المعادن وعقود استغلال بترول الصحراء الغربية، وبعض مناطق الصحراء الشرقية.

كان يرى الحديد والصلب أهم خطوة للتصنيع

أسهم حلمي بهجت بدوي في دراسة مشروع الحديد والصلب مساهمة قيمة، وكان يري أن هذا المشروع يعتبر أهم خطوة في سبيل التصنيع وفي سبيل استغلال الثروة المعدنية في مصر، وظل يتتبع خطي ذلك المشروع بعد اعتزاله وزارة التجارة وانصرافه إلي شئون قناة السويس.

الائتمان هو الدعامة الأولي في تنمية الإنتاج

حرص حلمي بهجت بدوي علي العناية بالائتمان وتيسيره، فقد كان يري أن الائتمان هو الدعامة الأولي في تنمية الإنتاج بوجه عام، وفي نشر الصناعة والتصنيع بوجه خاص، وقد أعد تقارير متعددة في هذا الشأن، وقد حفلت هذه التقارير بدقة تحليله لمشكلاتنا العملية واتجاهه في حلها اتجاها تدريجيا يجمع بين يسر التطور والحزم في بلوغ الغاية.

فضله في وضع قانون الشركات

وإلى الدكتور حلمي بهجت بدوي يعود الفضل في وضع قانون الشركات الشهير الذي لا يزال ينسب له ، وقد نجح في أن يضع تشريعاً قوياً ومتوازناً كان كفيلاً بأن يتغلب علي صراع المصالح المتضاربة، وقد ساعده علي النجاح في إقرار هذا القانون أنه عمد إلي التأني والتدرج في وضعه وتقديمه إلي الحياة ، فقد تقدم أولاً بتقرير تناول فيه الأسس العامة للتشريع، ثم أعد مشروعا علي أساس هذا التقرير، ثم طرح المشروع في استفتاء عام، ولم يترك رأيا من الآراء التي تم الإدلاء بها في صدد هذا المشروع إلا ومحصه، بل وناقش في بعضها  من عرضوها ، وبذلك أتيح له أن يصل إلي تشريع نال ارتياح ذوي الشأن ، و تغلب به علي أصعب المشكلات.

ريادته في فكرة استطلاع رأي من سيشملهم القانون

من الجدير بالذكر أن الدكتور حلمي بهجت بدوي كان أول من استن سنة عرض القوانين قبل إصدارها علي مَنْ ستشملهم، وكان يري أن التقاء وجهات النظر يكفل للتشريع الثبات والاستقرار، وقد طبق هذا، أول ما طبقه، في قانون الشركات الذي كان له الفضل الأكبر في إصداره.

إنشاء صندوق دعم صناعة الغزل

كان الدكتور حلمي بهجت بدوي رائدا لفكرة تضامن المنتجين، وتشجيع المصدرين، و المشتغلين ، وبلور هذا في مشروع إنشاء صندوق دعم صناعة الغزل، فغدا هذا المشروع نمطا احتذاه من بعده كل إنتاج أريد دعمه و رعايته. 

كان مع الإنتاج و ضد التسعير

كان مذهبه في شئون التموين هو الاستكثار من الإنتاج والإقلال من التقييد التشريعي، وكان مذهبه هذا متمشيا مع إيمانه بفكرة التنمية الاقتصادية، لذلك عمد في غير تهيب إلي إلغاء نظام التسعير بالنسبة في  عدد كبير من السلع، وقد أسفرت تجربته عن التيسير علي المنتجين والمستهلكين علي حد سواء. وكان على سبيل المثال أول مَنْ نادي بوجوب تحديد ثمن قصب السكر علي أساس نسبة الحلاوة فيه لا علي أساس الوزن.

قصة القرض الذي حصل عليه من القناة قبل تأميمها

ومن حقائق التاريخ التي أخفاها الضجيج السياسي ، أن الدكتور حلمي بهجت بدوي كان قد نجح في الحصول علي قرض كبير لمصر من شركة قناة السويس، لكن أحداث التأميم والعدوان الثلاثي كانت كفيلة بإخفاء الحديث عن هذا النجاح الذي حققه حلمي بهجت بدوي  قبل أن يتم تأميم قناة السويس بشهور، فقد نجح وهو العضو الممثل للحكومة المصرية في مجلس إدارة شركة القناة، في أن يفاوض جورج بيكو مدير الشركة في ذلك الوقت وأمكن له أن يقنع ذلك الرجل الفرنسي الصعب المراس بعقد قرض للحكومة المصرية، مستعيناً بالحجة وبمنطق الاقتصاد، كما استخدم في إقناعه تلميحات التهديد، ووافقت الشركة علي إقراض مصر مبلغ 20 مليون جنيه بالعملة الصعبة علي دفعات، وقد حصلت مصر من هذا القرض علي ستة ملايين قبل أن يعلن الرئيس عبد الناصر قرار تأميم القناة، فلما وقع التأميم كان بيكو يقول: «لن أغفر لحلمي بهجت بدوي (خديعة) قرض الملايين التي ضاعت علي شركة القناة بعد التأميم. إن هذا المصري الهادئ رجل مكير، إنه كان يعلم بالتأميم مقدما.. وضحك عليّ وعلي الشركة كلها”.

 اتفاق التسوية مع رجل الصناعة الألماني هنكل

تولي الدكتور حلمي بهجت بدوي حل مشكلة معلقة بين مصر والمصانع الألمانية للطائرات، وقد عهدت إليه الحكومة بحلها وإبرام اتفاقية تسوية مع  رجل الاعمال الالماني  هنكل  صاحب تلك المصانع الشهيرة باسمه، وقد أدي هذه المهمة من دون أجر بل تحمل  مصروفات السفر بالطائرة والانتقالات والإقامة وحفلات الاستقبال.

التحكيم بين السعودية وشركة أرامكو

وبالإضافة إلي المهام التنفيذية العديدة التي تولاها لوطنه مصر ، فقد تولي حلمي بهجت بدوي التحكيم بين السعودية وشركة أرامكو.

زهده في المال واستغراقه في العمل

علي الرغم من الأنشطة المتعددة التي نهض بها فقد كان الدكتور حلمي بهجت بدوي زاهداً في المال، مبتعداً عن الوظائف المربحة وقد رفض رئاسة مجلس إدارة شركة منتزه المقطم، ورفض عضوية مجلس إدارة شركة شل، ورفض عضوية كل شركة عرضت عليه، وعندما اضطر إلي شراء بضعة أسهم تمكنه من أن يكون عضواً في مجلس إدارة البنك الأهلي فإنه استدان من بنك مصر قيمة الأسهم وظل يسدد أقساطها حتي آخر سنة 1956، ولم تنته استحقاقاتها إلا قبل وفاته بشهرين، ومع هذا فقد ظل يعمل من أجل وطنه بإخلاص

نشاطه في أيامه الأخيرة

 عاد الدكتور حلمي بهجت بدوي في 18 نوفمبر 1956 من رحلته الأخيرة إلي أمريكا التي قضي فيها شهرا يفاوض شركات الملاحة بخصوص قناة السويس، ويمهد لمشروع مد أنابيب البترول بين السويس وبورسعيد

وقبيل وفاته بأيام كان يذهب إلي مكتبه بانتظام ويستقبل الزوار، وكان حريصا علي أن يواصل جهده في بحث مشروعات قناة السويس، وإعداد قانون تنظيم العمل ولائحته في هيئة القناة، كما كان يحضر اجتماعات مجلس إدارة البنك الأهلي، ويضع قراره وحيثياته كمحكم وحيد في نزاع خاص باتحاد الصناعات، وكان يستعد للفراغ من المرحلة الختامية في القضية الكبري بين المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو بشأن نقل الزيت.

مديح الدكتور القللي له

وصف الدكتور محمد مصطفي القللي شباب حلمي بهجت بدوي وانتقاله من التلمذة إلي الأستاذية وصفاً دقيقاً، فقال ضمن ما قال:  «… كان من العباقرة الموهوبين الذين تتسع أذهانهم لكل صنوف المعرفة، لذلك لم يقصر همه علي دراسة العلوم القانونية والتبحر في فروعها، وقد بلغ فيها منزلة لا ينالها إلا القليلون، بل عمل علي أن يفيد من فترة البعثة في أوروبا إلي أقصي حد مستطاع، فالتحق بمدرسة العلوم السياسية بباريس وحرص علي حضور محاضرات كبار الأساتذة في الاجتماع والسياسة في السوربون وفي غيره من معاهد التثقيف، وشرع في تعلم اللغة الألمانية، ومن أكثر ما عني به الأدب الغربي والفن في مختلف نواحيه، فكان دائب القراءة لكبار الكتاب، حريصا كل الحرص علي الاطلاع علي المجلات الأدبية وشهود روائع الأدب المسرحية، لا يقرؤها قراءة عابرة أو يشهدها للترفيه والتسلية، بل يقرأ ويشهد كما يفعل الناقد الثبت الخبير، وساعده علي ذلك عقل مرتب، ومنطق سليم، وحس مرهف يتذوق الجمال المعنوي في كافة صوره. لقد كان من أعرف الناس بأدب المسرح الغربي، وعيون آثاره، وخصائص كبار الكتاب فيه. تشهد بذلك مساجلاته العديدة مع الأستاذ توفيق الحكيم طول فترة البعثة».

نيله جائزة الدولة القديمة و رئاسته جمعية القانون الدولي

أصدر الدكتور حلمي بهجت بدوي كتابه «أصول الالتزامات» وسلك فيه طريقا مبتكرا في تناول المشاكل القانونية المعقدة، واعتبر في حينه مرجعا من أهم مراجع رجال القانون، وقد منح عن هذا الكتاب جائزة الدولة [القديمة ] (1948) وكانت تعطي لأفضل مؤلف في عام منحها. ومع أن عمره القصير لم يمكنه  من مناصب علمية كثيرة، فإنه اختير رئيسا لجمعية القانون الدولي.

 ومن الطريف أنه كان يجيد اللغة الفرنسية كأحد أبنائها، بيد أنه لم يتوفر علي دراسة اللغة الإنجليزية تماما وإجادتها إلا بعد الأربعين (1945).

ثناء على أمين

حظي الدكتور حلمي بهجت بدوي بتقدير رجال الصحافة علي اختلاف اتجاهاتهم، وقد كتب الأستاذ علي أمين تعليقا علي استقالته الأولي: «إن كل مَنْ يعرف بهجت بدوي يتأسف لخروجه من وزارة التجارة في وقت نحن أشد حاجة فيه إلي كياسته، وحكمته، وسعة أفقه، وشجاعة رأيه. لقد قامر في الشهور الأخيرة بحياته وراحته، والذين أحبوه كانوا يلومونه علي هذه المقامرة، والذين كانوا يحبون مصر كانوا يتمنون استمرار المقامرة».

تصحيح الخطأ في تاريخ وفاته

من الضروري أن نشير الى تصحيح خطأ تكرر في كثير من المصادر حتي أصبح هو الشائع، وهو أنه توفي عام 1958 بينما الصواب انه توفي 1957.

وفاته

توفي حلمي بهجت بدوي في الرابع من مارس سنة 1957 في سيارته وهو في الطريق إلي مكتبه بهيئة قناة السويس،  وكان حلمي بهجت بدوي قد أصيب بمرض السكر في سنة 1948، ثم أصابه احتشاء في القلب للمرة الأولي يوم 5 ديسمبر (1951)، واشتدت عليه الأزمة القلبية في 1953.

حفل تأبينه والكتاب الذي صدر عنه

أقيم للدكتور حلمي بهجت بدوي حفل تأبين في قاعة الجمعية الجغرافية في 14 أبريل 1957، وقد تولي شقيقه الأصغر الاستاذ مصطفي بهجت بدوي رئيس مجلس إدارة دار التحرير، ورئيس تحرير الجمهورية السابق، إعداد كتاب تذكاري قيم بعنوان : “حلمي بهجت بدوي العبقرية المصرية الراحلة” ، تضمن لمحات من حياته، فضلاً عن الكلمات التي ألقيت في حفل التأبين. و كتب د. محمد مصطفي القللي مقدمة للكتاب جعل عنوانها :  حلمي بهجت بدوي بين التلمذة والأستاذية ، كما كتب  د. حسن بغدادي كلمة بعنوان  حلمي بهجت بدوي الوزير  ، وكتب شقيقه  مقدمة بعنوان : أخي الحبيب الغائب حلمي بهجت بدوي.

 

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com