الرئيسية / المكتبة الصحفية / قصة بنت من شبرا  للأستاذ فتحي غانم

قصة بنت من شبرا  للأستاذ فتحي غانم

 دار الهلال، 1986

لاشك في أن فتحي غانم واحد من رجال الصف الأول في الأدب العربي المعاصر في مصر، وتأتي أهمية صدور هذا العمل الأدبي الجديد له من ثلاث زوايا:

الزاوية الأولى: أن معظم رجال هذا الصف قد انصرفوا عن الجدية إلي الاستسهال، وتركوا العمل الفني إلي المقال السياسي «الانطباعاتى» أو «الذكرياتى»، وصحيح أنهم يشاركون بجهد واضح في الكتابة السياسية والاجتماعية، لكنهم  ـ وهذا واقع ـ يستغلون مكانتهم الأدبية في عرض آراء سياسية لا تتناسب في قيمتها وقيمة الصدق فيها (وأنا حريص علي أن أقول: قيمة الصدق ولا أقول: قيمة الصواب) مع مكانتهم في الأدب.. وهم في هذا الذي يفعلونه يكررون بصورة فظيعة ما يفعله من يضطر نفسه إلي أن يدخل السياسة بالغوغائية أو الديماجوجية، وليسوا هم وحدهم الذين يفعلون هذا، وإنما يشاركهم في بعض الأحيان مَنْ له مكانة أستاذ الجامعة الشهير، أو الرجل التنفيذي الأسبق.. ونحن نري هؤلاء جميعاً وهم يتعمدون أن يعتمدوا علي اسمهم في حماية آراء قد لا تكون في حقيقة الأمر إلا هراء.. وصحيح أن رجال الصف الأول في كل مهنة لابد أن يكونوا سياسيين واستراتيجيين في كل وطن، ولكن القدر الذي يدخل به هؤلاء اليوم إلي الكتابة في عالم السياسة ليس في حقيقته إلا تعبيراً غير جيد عن  بعض الضعف الإنساني والسياسي للأسف.. إلا أن الأمل في مستوي عال من الممارسة السياسية التي تعبر عنها الأعمال الفنية لا يلبث أن ينتعش حين نجد كاتباً من طراز فتحي غانم يقدم لنا رواية كمثل هذه الرواية.. أو مثل سابقتها «الأفيال»، فإذا هو يعالج لنا بعض همومنا بأسلوب راق ومتفرد من الممارسة السياسية الصحيحة بعيداً عن صيغ المباشرة والصوت العالى، وفضلا عن هذا فإنه يعالج ما يعالج في إتقان وفن هادئين مؤدبين.

الزاوية الثانية: أن فتحي غانم قد نجح في الرواية السابقة «الأفيال» في أن يتنبأ بمقتل رئيس الجمهورية وعلي يد ضابط يكون منتميا للجماعات الاسلامية، وكان هذا المعني واضحاً بطريقة ما في الأفيال (التي عرضت بعد ذلك بسنوات كمسلسل أو فيلم تليفزيونى).. ومع أنه اعترف في حديث صحفي لجريدة عربية بهذا المعنى، فإنه فيما يبدو وجد أن هذا الاعتراف قد يجر عليه المتاعب، فإذا به يعود ليصرح مرة أخري بأنه لم يكن يقصد شيئا محددا.  وقد يدفعنا هذا إلي إدراك أن فتحي غانم في تصريحه الثاني قد بعد عن الصراحة واتجه إلي التلميح أو التعميم.

الزاوية الثالثة: أن هذه الرواية علي الرغم من أنها تعمد في تكوين شخصياتها إلي نوعيات متباينة من البشر في أزمنة متعاقبة، فإنها تتمتع بقدر كبير وواضح من التماسك  الفني والحيوي والواقعي ..التماسك الذي يجعلها تبدو فعلاً وكأنها قصة حقيقية روتها سيدة لمحام ثم رواها محام للناس دفعة واحدة علي نحو ما روتها له السيدة التي كانت بمثابة موكلته!

بعد كل هذه المقدمات أظنني مطالبا بأن ألخص للقارئ ما يحتويه بنيان القصة وليس هذا بالأمر الصعب وبخاصة في قصة وصفناها لتونا بالتماسك وبالقابلية لأن تروي دفعة واحدة دون حاجة إلي كثير من تأويل أو تواز، وما لنا لا نبدأ مباشرة فنقول إن هذه القصة تروي  قصة فتاة إيطالية الأبوين وإن كان هذان الأبوان قد ولدا في شبرا، وكذلك ولدت ابنتهما هي الأخري في شبرا، وقد دفعها أبوها المتمسك بأوهام موسوليني إلي طريق خاطئ ظن أنه سيرتفع بها وبه إلي مصاف الملوك في مصر عندما يستطيع موسوليني السيطرة علي العالم بجيوشه!! «ولكن الأوهام تتبدد» وتتحول جيوش موسوليني إلي مجموعة من الأسري في صحراء مصر ثم يسقط الدكتاتور نفسه تحت أحذية الغضب، ولا تجد بنت شبرا خلاصها عند الملك أو عند عملاء إيطاليا وتضطرها الظروف إلي أن تبحث عن هذا الخلاص في معجزة للقديسة سانت تيريز.

وتقع «ماريا» الكاثوليكية في حب كريم صفوان المصري المسلم الشاب الذي جاء من أعماق الريف ويصر كلاهما علي أن يتوجا هذا الحب بالزواج، وتعارض الكنيسة في هذه الرغبة، ويجري  في القصة حوار بديع بين الحبيب المسلم والأب الكاثوليكى، ومع هذا تنتهي الأمور بالزواج ويعيش المسلم والكاثوليكية في ظل مجتمع مصري متسامح لا يكدر هناءهما شىء حتي يموت زوجها، وقد أصبح لها أحفاد.. ويحمل واحد من هؤلاء الأحفاد  اسم جده، ثم تفاجأ الجدة ذات يوم بالقبض علي هذا الحفيد ضمن أعضاء تنظيم متطرف.

عندئذ تذهب الجدة التي هي بنت من شبرا إلي المحامى، وعند المحامي تكتمل أمامنا قصتها التي لم تكن قد اكتملت بعد في أذهاننا كقراء تعودوا أن تكون في القصة جوانب أخري غير هذه الوقائع المحدودة التي كشف عنها السرد السابق، وتساعد هي المحامي بأن تعطيه مذكراتها التي كتبتها بالإيطالية ليطلع حفيدها عليها.

والمحامي ـ وهو في ذات الوقت صديق لزوجها كريم صفوان ـ  جد كريم صفوان المعتقل ـ هو الذي يروي لنا القصة بعد أن يوضح لنا في فصل بأكمله [هو الفصل الأول] كل هذه الدوافع والوقائع.. أقصد الدوافع التي تجعله (أو جعلته) يكتب القصة علي هذا النحو أو يرويها، والوقائع التي تسهل علينا فهم قصة معقدة وممتدة في الزمن والتاريخ علي نحو ما امتدت مثل هذه القصة.

ومن المؤكد أن الأستاذ فتحي غانم قد نجح في أن يسلك بهذه القصة مسلكا مهما وكفيلا بأن يقود إلي كثير  من الصواب في الإدراك العميق للحقائق الخفية في دراسة ظاهرة التحولات الاجتماعية (وبخاصة الدينية) التي أصابت المجتمع المصري في السبعينيات، ونحن نراه هو نفسه وهو لا يمانع في أن يعترف بأنه يريد أن يقول إن هذه الظواهر لا تزال بحاجة إلي دراسة، وبخاصة عندما تُحمل كثير  من حقائقها أو توحي بهذا التناقض الظاهر الواسع كالذي يحدث لهذه السيدة الإيطالية التي كانت واحدة من أجمل بنات شبرا في الثلاثينيات، وهي الآن بعد أكثر من نصف قرن جدة لصبي مراهق قبض عليه أخيراً في تنظيم سري «وصف بالتطرف» يسعي إلي أن يفرض علي الناس أحكاماً أشبه بتلك التي طبقها في عصور وسطي «الحاكم بأمر الله» الذي جعل الليل للعمل والنهار للنوم!

وربما جاز لنا أن نتساءل: هل يتخذ فتحي غانم منذ أول فقرة  في قصته موقف التعجب من فكر هؤلاء الشباب!

ربما يكون هذا المعني هو ما يبدو لنا عند الانتهاء من القراءة الأولي وليس عند بدايتها فحسب، لكننا في الحقيقة لا نكاد نمضي خطوات في مطالعة هذه القصة بقدر من التأمل حتي نجد المؤلف القدير وهو يضع فكره  ـ بطريقة مراوغة ـ علي لسان المحامي فيقول: «ولست أزعم أني أكتب هذه القصة، لأني صانع شخصياتها وأحداثها، وأريد أن أنقل من خلال أحداثها معني أو عظة إلي القارئ، فلو كان الأمر كذلك كان كل شىء واضحا تماما أمامى، وربما كان هذا الوضوح يعطل رغبتي في الكتابة، فما الذي يدعوني إلي أن أكتب ما أعرفه تماما؟».

علي هذا النحو يبدو هذا الأديب العظيم وهو يتواضع حين يملك كل مقومات المعرفة، ثم وهو يعترف بأنه يملك كل المقومات، ورغم هذا فإنه يتساءل عن سر الكتابة حين يكتب ما يعرفه تماماً وكأن الكتابة لا تكون إلا حين يعجز الإنسان عن معرفة ما هو حادث، وكأنما الكتابة وسيلة إلي المعرفة ليس إلا!!

وكأني بفتحي غانم يريد أن يقول إنه يمارس الكتابة في بعض الأحيان أو في معظمها (أو في كلها) لمحاولة الإدراك وكأنه حين يرسم الشخصيات علي الورق يستوحي مما يعرفه ما لا يعرفه فتكتمل ـ عندئذ ـ معرفته بالأشياء وبالحياة.

وهو يعبر عن هذا المعني بكل وضوح حين يذكر ذلك المفهوم المخالف متعجباً من أن يكتب علي حين أنه يعرف كل شىء واضحاً تماماً  أمامه!!

نستطيع إذن أن نقول إن فتحي غانم حريص كل الحرص علي أن يلقي بحجر في خضم الحياة الإنسانية، لكن يبدو أن حياتنا ـ مع هذا ـ راكدة لا تحركها الحجارة، ولا تحركها الانفجارات، وفتحي غانم تحرك قبل أن يحدث الانفجار،وهو يعاود الإنجاز ويتحرك اليوم، ولكن أحدا لا يريد أن يفهم أن علاج الركود وكذلك علاج الحوادث المفاجئة المزعجة ـ علي حد سواء ـ  بحاجة إلي مناقشات من قبيل تلك التي يريدها ـ أو يدعو إليها ـ فتحي غانم.

ربما نجد أنفسنا بحاجة إلي المسارعة بأن نتصارح بجوهر فكرة فتحي غانم أو بجوهر العلاج الذي يريد تقديمه أو يريد منا الاعتماد عليه أو اعتماده، وهو دواء أؤ علاج عبقري بكل معني الكلمة، فهو لا يريد أن يضرب التعصب، ولكنه يريد أن يقوي الإيمان الحقيقى، واقرأ معي هذه الفقرة التي يبدو فيها وصفه للعلاج واضحا متجسدا، وهي فقرة تأتي ضمن روايته لتفصيلات ما بعد وفاة ماريا:

«.. صلوا عليها في الكنيسة  ودفنوها في مقابر المسلمين، والأب الكاثوليكي الذي كان أكثر الناس معارضة فيما مضي من شبابه وشبابها لزواجها من مسلم، وكان يعتبر هذا خروجاً من مملكة الكنيسة أو السماء يوافق علي هذا التصرف ويقول في بساطة: «إن الأمر سيان لديه، فالمهم بالنسبة له هو الصلاة.. صلاة الأحياء علي الأموات.. وصلاة الأموات علي الأحياء».. فكان هذا المشهد النادر أن يخرج الجثمان من الكنيسة في السيارة التي حملته إلي مقابر زين العابدين ليدفن محاطا بالشعائر الإسلامية، وشيخ يقرأ القرآن.. الطريق إلي الله واحد، وفي لحظة الموت لحظة الافتراق عن الدنيا تتجاوز الصلة بين الإنسان وخالقه كل تعاليم الدنيا ونظمها، فالإنسان وهو علي مشارف مملكة الآخرة يترك تعاليم الأرض للذين مازالوا علي الأرض، أما هو فله في عالم الغيب شأن آخر لا يعلمه إلا علام الغيوب».

نقرأ هذا النص الموحي لفتحي غانم ولا نملك أن ننكر أن كثيراً من القراء سيسائلون أنفسهم: هل هي دروشة؟ هل هي همهمة فيها من أثر العواطف وتأثيرها أكثر مما فيها من أثر العقل وتأثيره؟ أم هل هو حديث دنيوي شاطح عن أمور الدين بغير فهم؟

لاشك أن كثيراً من هذه التساؤلات المتعددة تنشأ في أذهان كثيرين في مواجهة مثل هذا التعبير «الصوفى» الذي عبر به فتحي غانم عن هذا الموقف الذي صوره (أو حتي الذي ابتدعه..) ولكني لا أظن أن هذه العبارات الصادقة تقتصر في دلالاتها علي شىء من ذلك، إنما الأغلب في رأيي أن فيها شيئا من قبس..  قبس من نور لا يتأتي إلا للمؤمنين أو الذين يبحثون عن الإيمان، فإذا بهم في بحثهم عن الإيمان، وقد هداهم الله جل جلاله إلي مثل هذه الأفكار التي ينيرون بها الطريق لغيرهم بعدما أضاء الله لهم دنياهم بإرادته هو وحده.

ولعل هذا يجعلنا نفهم حرص فتحي غانم علي أن يكرر في ثنايا قصته أكثر من مرة: إن ماريا كانت تريد بهذه القصة أن تضع نوراً لحفيدها علي الطريق الذي سلكته هي نفسها إلي الله! ومع هذا الإصرار والتكرار فسوف يجد فتحي غانم مَنْ يرد عليه متسائلا: ومن أدراك أنها سلكت طريقها إلي الله؟!

وقد يكون جوهر هذا التساؤل حقاً، ونحن لا نستطيع أن نحكم علي أفعال العباد ولا علي توجهاتهم، ولكننا في الوقت ذاته نستطيع أن ندرك بكل وضوح وبكل ثقة أن ماريا وإن كانت قد ابتعدت بالفعل عن طريق آخر لا يؤدي إلي الله، وأنها في المقابل قد وضعت أقدامها علي طريق آخر هو ـ في الظاهر ـ طريق إلي الله، وقد يكون الفضل في هذا التحول ـ علي نحو ما توحي لنا به قصة فتحي غانم ـ أنها أرادت الهداية فرزقت هذه الهداية، ولكن من المؤكد أيضاً أن الفضل الأكبر في هذا الاتساق النفسي والاجتماعى، وفي هذا الخلاص من عذاب التطرف ومن تعذيب النفس بسبب الاختلاف عن الآخر.. بعض الفضل في هذا كله أو في معظمه كان راجعاً إلي ما اكتسبه تراب مجتمع مسلم متسامح نما فيه نقاء السريرة إلي ذلك الحد الذي كان يجمع كريم صفوان الجد ووالدته وأسرته وأصدقاءه، ومنهم المحامي الذي روي هذه القصة.

وبوسعنا بعد هذا أن نتساءل: هل يريد المؤلف أن يفتح أعين الحفيد وكل مَنْ هم علي شاكلته من الشباب الجديد علي هذا القدر من التسامح والفهم الذي كان عند الأجداد المحدثين من المسلمين؟ وهل ـ سوف ـ يقبل منه هؤلاء هذا التوجه وما يستتبعه من توجيه؟

إن فتحي غانم «متفائل تماماً رغم كل توجسه»، وهذا التعبير قد يكون أقرب التعبيرات عندي إلي الحقيقة، واقرأ معي قوله (أو قول المحامي راوي القصة) وهو ذاهب إلي المعتقل يدعو الحفيد إلي زيارة جدته التي تحتضر:

«وكان صوتي مازال يحتفظ بنبرة التأثر التي غلبت عليه منذ سمعتها (أي الجدة) تتحدث معى.. ولعل هذا الذي جعل الولد يصمت وينتابه الوجوم، وكنت أخشي أن يحتفظ بوقاحته في تلك اللحظة، وأن يرفض المجىء معى، بحجة أنه لن يترك السجن إلا مع إخوانه.. لكنه تحرك في هدوء، ولم يبد أية معارضة..».

وإذن فهذا هو فتحي غانم يفتح لنا باب الأمل واسعاً مع كل ما عبر عنه من توجسه.

فهل بعد هذا صدق آخر.. صدق مشاعر، وصدق أداء، وصدق فن!!

إني أعتقد أن فتحي غانم بهذا الموقف الأخير قد بلغ من الحكمة والروعة مبلغاً لا نستطيع معه إلا الوقوف له احتراماً وتقديراً.

علي أني بعد هذا كله لا أستطيع أن أمنع قلمي من تسجيل ملاحظتين مهمتين:

أولاهما: مقدرة فتحي غانم علي الارتباط بالواقع المعاصر جدا في تصويره للجو العام للقصة، بحيث تبدو فعلا وكأنها قد كتبت في هذه الأيام وليس قبلها أبداً، وقد كان من الممكن لتجريد المعاني أن يَلْجَأ فتحي غانم إلي أن يجعل السياق بعيدا تماما عن الزمن وأن يحتفظ مع هذا بصدق أدائه الفنى، لكنه في نفس الوقت ـ وعلي ما يبدو لي ـ كان حريصاً علي أن يطلعنا علي صورة معبرة تعيد صياغة الأحداث في ضوء ما نعرف عن سمات الحقبة التي نعيشها والتي نري ظلالها ـ علي سبيل المثال ـ في تصويره لشخصية زوج بنت ماريا  ذلك المقاول العائد من الخارج الذي يبحث بإلحاح عن محام قادر علي الاتصال بالقضاء ورشوة المحاكم.

الملاحظة الثانية: أن جو الرواية بدا وكأنه قد ارتبط بسانت تيريز كثيرا، وقد لايكون ارتباطه بهذا الجو إلا كارتباط غيره من أجواء الأعمال الفنية بسيدي أحمد البدوي أو سيدي إبراهيم الدسوقي أو غيرهما، وليس علي فتحي غانم  في ذلك من حرج علي الإطلاق كفنان وأديب ومؤرخ وناقد للمجتمع .. ولكن هذا العنصر الصادق في روايته لهذه القصة، ربما يبقي أشبه بفتيل يمزق قدرة النسيج علي أن يكون دواء للمرض الذي يعالجه فتحي غانم.

كأني أريدأن أقول إنه لو أن دور فتحي غانم في هذه القصة كان بمثابة الطبيب فقد كان عليه أن يتحرى ما نسميه في هذه الحالة التفاعلات الدوائية.

أو كأني أريد أن أقول إنه ليس علي فتحي غانم حرج كفنان، ولكنه إذا كان يريد ـ وهو فعلا يريد ـ التطبيب والإصلاح فلابد له أن يراعي مثل هذه الأمور المهمة جدا في العلاج الذي لا ننجح فيه ما لم نلتفت إلي تفاعلات الأدوية، ذلك أن من العسير أن تقنع شاباً من شباب اليوم ـ متطرفاً أو غير متطرف ـ أن الطريق إلي الله بعد الابتعاد عن طريق الهوي والشيطان يدوم في كل مراحله بفضل سانت تيريز أو السيد البدوى!

بل من الصعب أن نجعل واحداً ـ أي واحد من شباب المتطرفين ـ  يتقبل فكرة قراءة كتاب يعتمد مثل هذا التفكير.

لا أقصد من هذا أن الأديب ملزم بأفكار القراء في صياغة تخيلاته وصوره، ولكني أحب أن أقول إن شأن هذا الموقف قريب من شأن التعامل الجديد لكاتب أدب الأطفال مع قرائه [الجدد] الذين أصبحوا يعيشون عصر الريموت كونترول. عندئذ فإننا ندرك بحكم المهنة أنه ينبغي أن تتحول صور تعبيرنا المعاصر عن الروحانيات وما وراء الغيب إلي إطارات أخري ذات فعاليات أوضح.

ومع هذا فليس هذا الجانب وحده بقادر علي أن يقلل من قيمة هذا العمل الفني العظيم لمؤلف كبير رزقه الله القدرة علي الاستمرار في الفن، وسوف يرزقه مزيداً من التوفيق لأنه رجل جاد في عصر امتلأ بصيحات الهزل والشهرة الزائفة والنرجسية المفرطة!

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com