الرئيسية / المكتبة الصحفية / محاولة لفهم الفرق بين الجماعات الإسلامية المعاصرة

محاولة لفهم الفرق بين الجماعات الإسلامية المعاصرة

هذه فروق تقريبية بين الجماعات الأكثر وجودا أو الأكثر حضورا في ساحة العمل الإسلامي سواء في ذلك العمل السياسي الإسلامي أو العمل الإسلامي الخيري المُتجنّب للسياسة بكل ما يُمكن له التجنب من تصريح وأداء.

نبدأ بالفرق بين جماعة الإخوان المسلمين (التي هي أكبر الجماعات الإسلامية) والجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالقرآن الكريم والسنّة المُحمّدية التي هي أكبر الجماعات غير العاملة بالسياسة، وأكبر الجماعات العاملة بالعمل الخيري ونقول إن هذا الفرق هو نفسه الفرق بين الرؤية والرسالة، فالجمعية الشرعية هي الرؤية الواسعة المُتّسعة أما الإخوان فهي الرؤية بعد أن تحوّلت إلى رسالة أو بلفظ أدّق إرسالية أو مهمة.

أما الفارق بين الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنّة المُحمّدية التي واكبتها في النشأة وفي الاستحواذ على بدايات الشارع السَلفي فهو الفارق في العلاقة بالسُنّة المُحمّدية فعلى حين تعتبر جماعة أنصار السُنة أن السنّة هي الغاية والنِهاية وأنها مَعنية بتطبيق السنّة واتّباع السنّة في المظهر وفي السلوك فإن الجمعية الشرعية تَعتبرُ هذه النقطة بمثابة نقطة البداية في نشاطها الذي يقوم على تعاون منْ يلتزمون بالسُنّة المُحمّدية، وهكذا فإنها تَعمدُ إلى السنّة لتكون نقطةَ بداية تجمع أعضائها في سبيلهم إلى التعاون.

وربما نتوقف هنا لنفخر بالنيابة عن الجمعية الشرعية بأنها حققت نجاحا عالميا مبكرا وليس مصريا فحسب في الأخذ بفكرة التعاون كفكرة مُثلى بديلة للنظامين الرأسمالي والشيوعي معاً، وقد بدأ العالم ينتبه إلى فكرة التعاون والجمعيات التعاونية نظريا وعمليا منذ أوائل القرن العشرين، ثم كانت الجمعية الشرعية على غير توقُعٍ من أحد هي أنجحُ نموذج لاقتصاد التعاون في المنطقة الإسلامية كلها مُنطلقة من أساس روحي مثّلته تعاليم القرآن الكريم والسُنّة المُحمدية ومع هذا فإنها في ظل حرصها المعهود لا ولن تتحدث عن هذا النجاح الساحق.

أنتقل إلى الفارق بين الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المعروفة الآن بحزب البناء والتنمية، ومع أن نشأة الجماعة الإسلامية في السبعينات كانت متواكبة مع أولئك الذين يُعرفون الآن بأنهم الجيل الجديد من الإخوان المسلمين فإن الفارق الجغرافي الذي صوّره هؤلاء وهؤلاء هو أن الجماعات الإسلامية في جامعات الصعيد (الوجه القبلي) احتفظت لنفسها باسم الجماعة الإسلامية على حين أن الجماعة الإسلامية في العاصمة والوجه البحري القريب من القاهرة عُرفت على أنها أصبحت تجديدا للإخوان المسلمين وعلى حين مالت الجماعة الإسلامية في الإسكندرية وما يُجاورها من البحيرة ومرسي مطروح وبعض مناطق كفر الشيخ إلى أن تتحد مع بعض الجماعات السلفية أو تجددها، وهنا نسأل عن الفارق الواضح بين الجماعة الإسلامية (حزب البناء والتنمية) والإخوان المسلمين و(حزب العدالة والتنمية) فنُلاحظ بمنتهى السهولة أن الجماعة الإسلامية اضطرتها الظروف إلى الاندفاعات والمُراجعات على حين ظلّت الإخوان بتجربتها التاريخية في نطاق المشروع الذي هو مُحدّد المعالم لأصحابه بعيدا عن الاندفاعات وبعيداً عن المُراجعات.

على صعيد آخر نبحثُ عن الفارق بين الإخوان المسلمين وحزب الوسط فنجدُ الفارق بارزاً في تقنيات الري والغذاء التي اختلفت ما بين الحالتين فعلى حين نشأت الإخوان في مجتمع مرحب بها يستمتع بتيار النيل المُندفّق بكل ما في تدفُقه من عُنفوان وخير وماء وطمي وترسيب فإن حزب الوسط اعتمد على التنقيط أو على ما يتمثل به الحال في الصوبات الزراعية فقد نشأ في بيئة مُعادية للمشروع الإسلامي بل والمشروع السياسي من الأساس، وكانت هذه البيئة الزمنية التي نشأ فيها حزب الوسط حريصة على المُجاهرة بهذه العداوة حتى في نصوص القوانين التي تمنع الأحزاب ذات الطبيعة الإسلامية (أو بالهروب من هذا النص الواضح إلى تعبيرات من قبيل الصبغة الدينية) وعلى حين استطاعت جماعة الإخوان في بدايتها إشهار نفسها في نفس اليوم الذي بدأت فيه فإن حزب الوسط أمضى سنوات مُمتدة دون أن يحصُل على الإشهار حتى حدثت ثورة يناير 2011 فأشهر نفسه، وهكذا كان هذا الإشهار أو الوجود القانوني عزيزاً على قيادات الحزب إلى درجة تجعل من رأي بعضهم أن القبول بالأمر الواقع ضرورة جوهرية كي لا يخرج كيانهم من الأمر الواقع.

ومع هذا فإن الإخوان والجماعة الإسلامية وحزب الوسط يبقون في ناحية من الشاطئ بينما جماعات الإسلام السياسي السعودية في شاطئ آخر، وقد لجأنا إلى هذه التسمية لسبب واحد هو أن السعوديين أصبحوا يستغرّقون أكثر من تسعين في المائة من وقت المناقشة في نفي الوهابية عن الوهابية وفي نفي الماضي عن الماضي، ولهم العذر في هذا، وهم يضطرون أنفسهم للقول بأنهم لا يقبلون أصلا بقيمة علمية أو عملية لفكرة المُصطلح ولا بفكرة التسمية، ولهذا السبب فإننا سنلجأ إلى هذا الاسم العمومي أو الرمزي الذي ربما يتقبلونه على مضض بينما هم يرفضون مُسمّى الوهابية بصورة جازمة.

ونعود إلى موضوعنا وهو الفارق بين هذا التعامل الإسلامي مع المجتمع في السعودية وفي مصر، والفارق بسيط جدا يتمثّلُ في الفارق بين الكوبري السطحي الذي يعبر النهر والكوبري العلوي الذي يعبر نفس النهر فالكوبري السطحي يعوق حركة السفن كما أنه يعوق الحركة أمامه وخلفه حتى يتمّ سريان المركبات العابرة له أما الكوبري العلوي فيكفل في تطويراته المُختلفة أن يتمّ عبور السفن من تحته وأن يتم عبور السيارات والمركبات في طريق الكورنيش على يمينه وعلى يساره وهكذا يُصبح الكوبري العلوي وسيلة لا تعوق حركة أصلية من حركات المجتمع على نحو ما يفعله الكوبري السطحي الذي هو أصدق تصوير لما هو حادث في بعض تجليات تطبيق قواعد الإسلام السياسي السعودي (الموجودة خارج السعودية) سواء في الماضي أو في الحاضر بل وفي المستقبل.

ومن العجب العُجاب أن هذا التوجّه السعودي في معالجة قضايا المجتمع كان على النقيض تماماً من توجّيههم الشرعي لقضايا الاقتصاد، والتي أتاح لها الفقه السعودي المعاصر قدراً من الحرية لا يتوافر حتى في الرأسمالية المتوحشة ولا في الليبيرالية الجديدة، وكان لهذا الفهم الأثر الأكبر في النمو الاقتصادي السعودي، وهو أثر فاق في تأثيره كل ما هو مكرر ومقرر ومكرور من الحديث عن ضخامة وجسامة الثروة البترولية والاحتياطي البترولي للسعودية. ومن المدهش أن التحليل الاقتصادي البسيط قادر على أن يثبت لأي دارس أن الآليات الإسلامية الحرة التي عمل بها الاقتصاد الإسلامي السعودي هي السبب الأول لارتقاء الثروة وأن البترول وغيره قد يكون هو السبب الثاني رغم أسبقيته، وأن السبب الأول الذي نتحدث عنه كان بمثابة العدد الذي احتل خانة الآلاف بينما كانت الثروة المُتاحة في خانة العشرات أو المئات فحسب.

 

تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة

لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا

للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com