الرئيسية / المكتبة الصحفية / إبراهيم الورداني.. ملك التشويق في القصة القصيرة

إبراهيم الورداني.. ملك التشويق في القصة القصيرة

الأستاذ إبراهيم الورداني (1919 ـ 1991) قاص شهير وروائي وصحفي حظيت أعماله القصصية بقبول جماهيري موسع، ومكنه عمله الصحفي في جريدة الجمهورية من الذيوع والتواصل مع الجماهير، كان ذا قدرة قصصية معترفا بها، ونال جائزة الدولة التشجيعية في القصة (1966)، وكان من أوائل مَنْ نالوا هذه الجائزة.

ولد الروائي والقاص والصحفي الأستاذ إبراهيم الورداني في الجيزة في 12 نوفمبر 1919، واشتغل بالصحافة في سن مبكرة، وبرع في كتابة القصص القصيرة، وشهدت الصحف التي كان ينشر فيها قصصه القصيرة رواجا ملحوظا في توزيعها بسبب هذه القصص. وعلي الرغم من أن النقاد لم يحتفوا بقصصه احتفاء أكاديميا أو أيدولوجيا فإن المثقفين والشباب والعامة أقبلوا عليها، وظلوا يعبرون عن عمق إعجابهم بها، ويعود هذا إلي كثير من خصائص النجاح والقبول والحرفية الفنية في قصصه، فأسلوبه رشيق منطلق، غير مثقل إلا بالأحداث نفسها، وهو أسلوب شفاف معبر عن وجوه كثيرة من الحقيقة، وعن صور شائقة الخيال أيضاً بصورة محببة ومتقبلة ومثيرة لفضول القارئ تجاه أبطال القصة ومصيرهم، وقد بلغ الأستاذ إبراهيم الورداني في فنه قدرة عالية علي التشويق، حتى إنه يكاد يستحق لقب ملك التشويق القصصي باقتدار وبدون منافسة كثيرة.

نجح الأستاذ إبراهيم الورداني بحكم ثقافته وواقعيته ومعارفه الإنسانية العريضة في أن يجعل قصصه تخاطب مشاعر إنسانية عقلية ووجدانية علي حد سواء وبالقدر نفسه من الاهتمام، ومن دون ادعاء للحكمة، ومن دون لجوء إلى التجريد، ولم يكن هناك بين الصحفيين المعاصرين للأستاذ محمد حسنين هيكل من يفوقه في التأثير على الأستاذ هيكل، ذلك أنه بحكم الزمالة المبكرة بينهما كان بمثابة مثلا له في صياغة التشويق التي كان لا بد منه لتمرير بعض مفارقات السياسة أو بعض أكاذيبها غير المنطقية. ومع أن الأستاذ إبراهيم الورداني كان يلجأ في أحيان كثيرة إلى الاعتماد على المصادفات والحلول الخيالية غير المسبوكة جيداً، فإن هذا لم يؤثر كثيراً في قدرته على تقديم فكرته بطريقة متماسكة ومكتملة، وكان الأستاذ إبراهيم الورداني حريصا على أن يطرز قصصه بلمسات جنسية أنيقة تدغدغ مشاعر القارئ من دون أن تتخطي حدود اللياقة كما يفعل غيره ممن يصلون إلى ما وصل إليه من تفصيلات عديدة.

ويتميز أسلوب الأستاذ إبراهيم الورداني بالإضافة إلى هذا بالقدرة على نقل شعور الاندماج في القصة إلى القارئ، ويبدو أنه عكس في هذه القدرة زاداً طويلاً من التفاعل والتعايش مع ما كان يعيش معه بوجدانه من الحواديت الشعبية بقدرتها المعروفة على تحطيم الحاجز بين القاص والمتلقي. كانت ألفاظ الأستاذ إبراهيم الورداني ألفاظا بسيطة تخلو من التعالي والغرابة، وكانت عباراته وحوارته محملة بالحب والنبل والتعاطف، وقد أكسبته الكتابة للصحافة ونشر قصصه فيها القدرة على الخلاص من الألفاظ الصعبة والتراكيب المعقدة حتى صار أسلوبه القصصي من أسلس الأساليب. واكب الأستاذ إبراهيم الورداني كثيراً من موجات السياسة والحياة الاجتماعية، ووظف قدرته علي التجاوب مع المتلقين علي نحو بارع، فقدم كثيرا من الصور الواقعية التي أحبها المصريون عن جنود الحلفاء وشخصيات الوافدين الغربيين إلى مصر في أثناء الحرب العالمية الثانية، كما قدم الصورة التي تمنتها وحثت أجهزة ثورة يوليو ١٩٥٢ على الحفاوة بها في تصوير تفسخ الطبقات الراقية والحاكمة قبل الثورة، وكان أيضا من الذين اندفعوا إلى أن يحملوا علي كوادر الشيوعيين حملات شعواء في عهد الرئيس أنور السادات، وقد لقي متاعب جمة بسبب موقفه هذا.

ظل الأستاذ إبراهيم الورداني قريباً من السلطة وإن لم يشارك فيها بما كان يمكن لمثله، ذلك أنه وجد التقدير في مجال الأدب والفن متصلاً علي حين عاش عن قرب تأثيرات تقلبات السياسة وضغوطها على كثير من زملائه. شارك الأستاذ إبراهيم الورداني في كثير من صور الوجاهة والحضور في الحياة الأدبية وكان عضواً في مجلس إدارة جمعية الأدباء، وفي اتحاد الكتّاب. يشمل تراثه من الروايات برديس (1972)، و«توبة بلا دموع» (1990). وله من المجموعات القصصية «نحن بشر»، و«المدينة المجنونة» و«الليل»، و«عيون ساهرة»، و«الليالي البيضاء»، و«الغضب»، و«المؤلف والنساء». وله عشر قصص سينمائية ومسلسلات تليفزيونية منها «الدوامة»، و«برديس» المأخوذ عن روايته، كما كتب ملامح من قصة حياته في كتابه المؤثر والأثير «في بلاط صاحبة الجلالة». نال الورداني جائزة الدولة التشجيعية في القصة (1966)، وكان من أوائل مَنْ نالوا هذه الجائزة. كتب الأستاذ صلاح منتصر مقدمة لطبعة جديدة من كتابه في بلاط صاحبة الجلالة، كتاب أكتوبر، دار المعارف، 1988 عبر فيها عن اعتزازه بالقراءة المبكرة للأستاذ الورداني.


تم النشر نقلا عن موقع مدونات الجزيرة
لقراءة المقال من مدونات الجزيرة إضغط هنا
للعودة إلى بداية المقال إضغط هنا

شارك هذا المحتوى مع أصدقائك عبر :
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أيمن نور للجزيرة مباشر: المؤرخ محمد الجوادي نموذج للمفكر المصري (فيديو)

نعى أيمن نور رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، الطبيب والمؤرخ المصري محمد ...

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com